الأسد يستبق «الجمعة العظيمة» بتوقيع قراري رفع الطوارئ وتنظيم التظاهر.. ويعين محافظا جديدا لحمص

معارضون يؤكدون أن القرارات غير كافية ولن تغير شيئا والمطلوب «تغيير النظام»

جانب من مظاهرة الاحتجاج التي شهدتها أمس درعا السورية عشية «الجمعة العظيمة» (رويترز)
TT

في استباق ليوم «الجمعة العظيمة» الذي دعا إليه ناشطون سوريون ليكون يوما لنصرة مدينة حمص، وللتأكيد على استمرار السوريين في «ثورتهم» ضد النظام، أصدر الرئيس السوري أمس حزمة جديدة من المراسيم، كان أولها تعيين غسان مصطفى عبد العال محافظا لحمص، ثم أتبعه في وقت لاحق من اليوم بتوقيعه مرسوم رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وتنظيم التظاهر. وفي حمص التي شهدت مظاهرات عنيفة خلال الأيام الماضية، عين الأسد غسان عبد العال خلفا للمحافظ المقال إياد غزال، ليصبح عبد العال المحافظ الثاني الجديد بعد محافظ درعا محمد خالد الهنوس الذي تم تعيينه الشهر الماضي إثر احتجاجات عنيفة شهدتها محافظة درعا منذ أكثر من شهر. ومحافظ حمص الجديد هو أيضا كالهنوس، ضابط متقاعد برتبة لواء في الجيش السوري. وكان الأسد قد أقال غزال في 7 أبريل (نيسان) الحالي على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها محافظة حمص ضمن كثير من المحافظات السورية التي أسفرت عن مقتل العشرات. وأدى عبد العال اليمين القانونية أمام الرئيس الأسد قبل أن يجتمع به، بحسب ما ذكره بيان رسمي. كما أصدر الأسد أمس أيضا المرسوم التشريعي رقم 161 القاضي بإنهاء حالة الطوارئ المعلنة منذ 8 مارس (آذار) عام 1963، لدى استيلاء حزب البعث الحاكم على السلطة. وكان مجلس الوزراء برئاسة عادل سفر أصدر يوم الثلاثاء الماضي مشروع مرسوم تشريعي يقضي برفع حالة الطوارئ في سورية. ويتضمن قانون الطوارئ 14 مادة تقيد حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أوقات معينة، وتوقيف المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفا احتياطيا، والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال، ومراقبة الرسائل والمخابرات، ووسائل الإعلام. كما يتضمن الاستيلاء على أي منقول أو عقار، وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات، وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة على ما يجري الاستيلاء عليه.

وتحال بموجب قانون الطوارئ إلى القضاء العسكري كل من الجرائم الواقعة على أمن الدولة والسلامة العامة، والجرائم الواقعة على السلطة العامة، والجرائم المخلة بالثقة العامة، والجرائم التي تشكل خطرا شاملا، ومخالفة الأوامر الصادرة عن الحاكم العرفي. لذا هناك من السوريين من يرى في رفع حالة الطوارئ مفصلا هاما في حياة السوريين إذ ستتغير بشكل جذري، فيما لا يرى ذلك فريق آخر منهم، طالما أن لدى السلطة القدرة على تفريغ أي قرار من مضمونه، مبرهنين على ذلك بما يحكى عن قانون التظاهر، الذي تم تفصيله لمنع التظاهر. إذ أصدر الأسد أمس أيضا المرسوم التشريعي رقم 54 القاضي بتنظيم حق التظاهر السلمي للمواطنين بوصفه «حقا من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلها دستور الجمهورية العربية السورية». وكان مجلس الوزراء أقر أيضا مشروع مرسوم تشريعي يقضي بتنظيم حق التظاهر السلمي للمواطنين بوصفه حقا من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلها الدستور، وفق نواظم إجرائية تقتضي حصول من يرغب بتنظيم مظاهرة على موافقة وزارة الداخلية للترخيص بتنظيمها. ورأت مصادر حقوقية أن هذا «القانون تحايل على رفع حالة الطوارئ ولمنع التظاهر». وأضافت: «المتظاهرون خرجوا خلال الأيام الماضية بموجب حق كفله الدستور السوري، كما أنهم لا يخالفون القانون كونه لا يوجد قانون يمنع التظاهر. لكن بموجب القانون الجديد سيكون أي متظاهر لم يحصل على إذن مسبق، مخالفا للقانون وعرضة للملاحقة القانونية والعقوبة، أي أن القانون المستجد سيضفي شرعية قانونية على قمع السلطة للمظاهرات، في وقت ينزعها عن المتظاهرين». وقال الناشط الحقوقي والمعارض السوري البارز هيثم المالح، إن إنهاء العمل بحالة الطوارئ «غير كاف» ولا يلبي إلا جزءا يسيرا من مطالب الشارع السوري مطالبا بحزمة إضافية من الإجراءات. وقال المالح لوكالة الصحافة الفرنسية إن «إنهاء حالة الطوارئ خطوة ليست سيئة لكنها ليست كافية ولا تلبي إلا جزءا يسيرا من مطالب الشارع السوري» الذي «لن يقف عند هذا الحد» بحسب تعبيره. وأضاف: «يجب رفع حزمة من الإصلاحات لجعل الحياة إلى حد ما مقبولة». وطالب المالح بكف يد الأجهزة الأمنية عبر «إلغاء العمل بالمرسوم 14 لعام 1969 الذي يحصن العناصر الأمنية من المثول أمام القضاء» لافتا إلى «التعذيب الذي يجري في الفروع الأمنية والسجون ويبقى بلا عقاب أو محاسبة».

كما طالب «بإلغاء العمل بالمادة الثامنة من الدستور» التي تنص على أن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة» ورفع رقابة الحزب على النقابات والمنظمات الشعبية. وطالب بإلغاء القانون رقم 49 القاضي بإنزال عقوبة الإعدام على الأشخاص الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين. كذلك، اعتبر ناشط الإنترنت السوري ملاذ عمران الذي أصبح أحد أبرز رموز الحركة الاحتجاجية في سورية على الشبكة العنكبوتية، أن رفع حالة الطوارئ «لا يغير أي شيء» مؤكدا أن مطلب الشارع السوري هو إسقاط النظام. وقال ملاذ عمران لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف من بيروت إن «رفع قانون الطوارئ لا يغير أي شيء لأن أجهزة الأمن لا تخضع لأي قانون. اليوم الشعب السوري فاقد الثقة كليا بالنظام». وملاذ عمران هو اسم الشهرة على الإنترنت لرامي نخلة الذي غادر سورية خفية قبل عدة أشهر إلى بيروت بعد أن علم بصدور قرار باعتقاله من قبل أجهزة الأمن السورية التي استدعته للتحقيق عشرات المرات بسبب نشاطه السياسي على الإنترنت. واعتبر هذا الناشط أن الإجراءات التي أعلنت عنها السلطات السورية من رفع لحالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة وقبلها تشكيل حكومة جديدة «لا تفيد أبدا». وتساءل: «بماذا تفيد الحكومة الجديدة بما أن الحكومات في سورية لا تقوم إلا بتنفيذ أوامر أجهزة المخابرات؟».

كما أكد ملاذ عمران أن الحركة الاحتجاجية تهدف منذ بدايتها إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد على الرغم من غياب هذا المطلب من المظاهرات الأولى لدى انطلاقها منتصف الشهر الماضي مكتفية بالمطالبة بإطلاق الحريات. ويقول: «لم ينزل أحد إلى الشارع من أول يوم إلا وهدفه إسقاط هذا النظام المتغطرس ولكن بسبب قلة عدد المتظاهرين في البداية كانوا يخشون إعلانها صراحة». وأضاف: «زيادة أعداد المتظاهرين كسرت حاجز الخوف وبات إسقاط النظام هو الشعار والمطلب».

وقد أصبح ملاذ عمران البالغ من العمر 28 عاما أحد أبرز ناشطي الحركة الاحتجاجية في سورية على الإنترنت وبلغ عدد «أصدقائه» على «فيس بوك» أكثر من 2800 شخص، بينما يتابع أكثر من 3000 آخرون مدوناته القصيرة على موقع «تويتر». ومنذ بدء المظاهرات في سورية تلجأ وسائل إعلام عالمية وعربية إليه بشكل شبه يومي للتعليق على ما يجري في البلاد. ويؤكد ملاذ عمران، الذي درس العلوم السياسية في جامعة دمشق، أن أجهزة المخابرات السورية كشفت هويته الحقيقية بداية الشهر الحالي بعد قيام إحدى المحطات العربية بإجراء مقابلة هاتفية معه وقامت بتهديده عبر رسائل أرسلت على صفحته على «فيس بوك». وقال: «لقد اكتشفوا مباشرة أنني رامي نخلة وهددوا باعتقال شقيقتي (في سورية) إذا لم أنسحب من الثورة».

ومن المراسيم التي صدرت عشية «الجمعة العظيمة»، المرسوم التشريعي رقم 53 القاضي بإلغاء محكمة أمن الدولة العليا المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968، والتي سبق لمجلس الوزراء أن أقر الخميس الماضي مشروع مرسوم إلغائها. ويشار إلى أن هذه المحكمة منحت بموجب المرسوم سلطات واسعة بإحداث وتشكيل أكثر من محكمة أمن دولة عليا في المدن السورية. حيث تنظر محكمة أمن الدولة، بموجب مرسوم أحداثها، في جميع الجرائم التي تمس أمن الدولة الخارجي وهي جرائم الخيانة وتشمل جريمة حمل السلاح على سورية في صفوف العدو وجريمة دس الدسائس لدى دولة أجنبية للعدوان على سورية، وجرائم التجسس، ونشر الأخبار الكاذبة وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية المعارضين السوريين الذين تم ويتم اعتقالهم يحاكمون في محكمة أمن الدولة وبتهم دس الدسائس ونشر أخبار كاذبة ووهن عزم الأمة.