أبو مازن يؤكد في باريس دعم فرنسا للدولة الفلسطينية

فرنسا تتحدث عن «مبادرات» أوروبية تقود للاعتراف بالدولة

TT

أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بعد اجتماع دام أربعين دقيقة مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصر الإليزيه، أن باريس، وعلى لسان الرئيس ساركوزي، «تؤيد دائما وأبدا إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967» مما يعني أن لا حاجة إلى الحديث عن ذلك.

وكشف أبو مازن عن أن مساعي دبلوماسية ستبذل ومؤتمرات ولقاءات ستعقد قبل الوصول إلى استحقاق الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) القادم، بحيث «ستكون الأمور أوضح» بشأن الإعلان عن الدولة الفلسطينية.

غير أن أبو مازن تحاشى الإعلان عن تاريخ محدد للخطوة الفرنسية، مؤكدا أن مؤتمر المانحين في باريس سيتناول المسائل السياسية والاقتصادية على السواء.

وحرص أبو مازن على الإعلان أن ساركوزي يدعم خطواته الهادفة إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة تكنوقراط وإجراء الانتخابات.

وكان أبو مازن قد وصل باريس أول من أمس في زيارة رسمية حظيت بكل التدابير البروتوكولية المخصصة لرئيس دولة بعد أن رفعت فرنسا صفة المفوضية الفلسطينية إلى مرتبة سفارة. والتقى أبو مازن رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون قبل أن يجتمع عصرا، في قصر الإليزيه، ساركوزي بحضور وزير الخارجية ألان جوبيه.

واستبقت الخارجية الفرنسية زيارة أبو مازن بتصريح تشجيعي قالت فيه إن الفلسطينيين «جاهزون اليوم أكثر من أي وقت مضى لإقامة الدولة وإدارتها بشكل سلمي يتميز بالصدقية». وذكرت باريس بالموقف «الثابت» الذي تلتزم به وقوامه اعتبار الدولة «لا محيد عنه» لقيام سلام دائم يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني الوطنية والمشروعة ولحاجة إسرائيل للأمن.

وإلى جانب التشاور مع ساركوزي الذي يعتبره أبو مازن «صديقا نصوحا وصادقا»، فإن الرئيس الفلسطيني يتطلع من زيارته إلى باريس وفق مصادر الوفد المرافق له، إلى ثلاثة أهداف رئيسية، أولها الدفع باتجاه الحصول على تأييد فرنسي وأوروبي لعزم السلطة التوجه إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على اعتراف بالدولة في سبتمبر (أيلول) القادم. وحتى الآن، تتردد باريس في «الإقدام» على اعتراف مبكر بهذه الدولة على غرار ما فعلت عشر دول في أميركا اللاتينية وقبرص وغيرها مفضلة على ذلك قرارا جماعيا في إطار الاتحاد الأوروبي. غير أن ألان جوبيه اعتبر منذ نحو الشهر أن اعترافا بالدولة الفلسطينية، في حال استمر مسار السلام في طريق مسدود «فرضية يجب التفكير فيها» وأنها مسألة «يمكن أن تطرح في سبتمبر أو أكتوبر (تشرين الأول)» القادمين. لكن الإليزيه لم يتبن، أقله علنا، هذا الطرح.

ويرى الفلسطينيون، في هذا السياق، أن ثمة حاجة ملحة اليوم لدور أوروبي يتخطى الدور التقليدي في تمويل السلطة، وذلك لاعتبارين اثنين: الأول، دخول الولايات المتحدة في الحملة الانتخابية الرئاسية مع ما يعني ذلك من «شلل» الإدارة في ملف الشرق الأوسط. والسبب الثاني يتمثل في عجز اللجنة الرباعية حتى عن عقد اجتماع. وفي هذا الإطار، أفادت مصادر فرنسية بأن واشنطن «ضغطت» مرتين: الأولى في مارس (آذار) الماضي والثانية الشهر الحالي لتأجيل اجتماع للجنة الرباعية في باريس. وحتى اليوم، لا تاريخ جديدا لهذا الاجتماع.

وتعارض واشنطن الرغبة الفرنسية والأوروبية في أن تعمد الرباعية الدولية إلى تحديد «أطر» الحل النهائي في موضوعين أساسيين هما الحدود والأمن. ويرى الأوروبيون أن إقرار هذين الأمرين من شأنه تسهيل العودة إلى المفاوضات والتغلب على عقبة الاستيطان.

ويوم الثلاثاء الماضي، أعلن جوبيه أن الاتحاد الأوروبي، بدفع فرنسي، «سيطلق مبادرات» سياسية قريبا ربما تقود للاعتراف بدولة فلسطينية. لكن باريس تتخوف خصوصا من «التردد» الألماني ومن موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالذات التي تراها قريبة جدا من المواقف الإسرائيلية رغم تصويت ألمانيا لجانب مشروع القرار في مجلس الأمن لإدانة الاستيطان الذي أجهضته واشنطن باستخدام حق النقض (الفيتو) في فبراير (شباط) الماضي.

ويتقارب موقف باريس مع الجانب الفلسطيني لجهة «الخيبة» من الأداء الأميركي، وبخصوص الحاجة إلى تحريك عملية السلام. ويعول الفلسطينيون على دور فرنسي وأوروبي فاعل وحقيقي. غير أن الرئيس الفلسطيني لا يغرق في الأوهام، إذ قال في تونس التي وصل منها إلى باريس ما معناه إن «لا بديل عن الدور الأميركي» وإن «لا أحد مستعد» اليوم للسير في مبادرة لا تلقى قبولا أميركيا.

وكان متوقعا أن يستفهم الرئيس ساركوزي من أبو مازن عما آلت إليه الجهود التي يبذلها بدعم عربي من أجل إعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني. وحرصت الخارجية الفرنسية على التذكير بأنه يحظى بتأييد فرنسي على هذا الصعيد، خصوصا أن باريس ترى أن استمرار الانقسام الفلسطيني ووجود حكومتين متنافستين من شأنه إضعاف الموقف الفلسطيني وإعطاء إسرائيل حجة للتملص من أي التزام أو مساع جدية للسلام.

ويتمثل الملف الثاني في مشروع عقد مؤتمر «باريس 2» للدول والهيئات المانحة للدولة الفلسطينية الذي تريد فرنسا الدعوة إليه في يونيو (حزيران) القادم. وتريد باريس أن يكون المؤتمر «الرافعة» التي تضمن لأوروبا دورا سياسيا في الشرق الأوسط. وتقول المصادر الفرنسية إن الاتحاد الأوروبي الذي هو الممول الأول للسلطة لا يريد أن يختصر دوره في التوقيع على الشيكات بينما تحتفظ واشنطن بالملف السياسي في يدها وترفض تقاسم المسؤولية فيه.

ويفترض أن يبرمج «باريس 2» 2011 المساعدات لثلاث سنوات قادمة بعد أن انتهى مفعول «باريس 1» في ديسمبر (كانون الأول) 2010، وله يعود الفضل في إعادة تأهيل البنى التحتية الفلسطينية وتحقيق انتعاش اقتصادي وبناء مؤسسات الدولة التي أشاد بها صندوق النقد الدولي والجهات الدولية الأخرى.

أما الملف الثالث فينحصر في العلاقات الفلسطينية - الفرنسية ورغبة السلطة في تحويلها إلى علاقات شراكة فاعلة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتربويا بحسب ما يقوله السفير الفلسطيني في باريس هايل الفاهوم. وفي هذا الإطار، سيبحث مشروع عقد اجتماع حكومي مشترك فرنسي - فلسطيني ربما في رام الله على مستوى رئيس الحكومة، وذلك على غرار ما تحقق بين السلطة الفلسطينية والحكومة الألمانية.