طبيب يهاجم سياسة بوتين الصحية.. على الملأ

انتقد الفساد وضعف الأجور بحضور رئيس الوزراء.. والوزارة ردت لاحقا بخطاب يطالب برد الاعتبار

الطبيب الروسي البارز ليونيد روشال
TT

انتقد أحد أشهر الأطباء في روسيا خلال مؤتمر طبي عقد مؤخرا، نظام الرعاية الصحية في بلاده، وأشار خصوصا إلى انتشار الفساد وضعف الأجور والقوانين المعيبة ونقص العمالة في هذا القطاع، فضلا عن البيروقراطية الحكومية المهيمنة. ووجه ليونيد روشال ملاحظاته بشكل مباشر إلى رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي كان يجلس على بعد بضعة أقدام فقط منه.

لم يشكك بوتين مباشرة في صحة التعليقات الموجهة له، بل قال إنه علم بما كان سيتحدث عنه روشال ورغب في التأكد من سماع الحاضرين في المؤتمر له. إلا أن وزارة الصحة أرسلت لاحقا خطابا «جماعيا» غير موقع يدين روشال ويطلب من بوتين «حماية شرف وكرامة الأطباء من ذلك النقد».

وتم الإعلان عن حديث روشال يوم الأربعاء، بعد أسبوع من انعقاد المؤتمر، حينما تم نشره في صحيفة «نوفايا غازيتا». وسرعان ما أصبح الموضوع الرئيسي في المدونات الروسية على شبكة الإنترنت، التي أشارت أيضا إلى خطاب الإدانة السوفياتي، الأسلوب الذي تبع ذلك الحديث.

وأفاد ممثل لوزارة الصحة يوم الأربعاء بأن الوزارة لن تعلق على الخطاب أو على اتهامات روشال. ولم يتم الوصول إلى روشال لمعرفة تعليقه على ما يحدث. وقال كيريل دانيشيفسكي، وهو خبير في مجال إصلاح القطاع الصحي الروسي، الذي يعمل طبيبا أيضا: «كان روشال يفكر في هذا الأمر منذ فترة طويلة جدا. ومن المستحيل الاختلاف مع بعض النقاط الأساسية التي طرحها روشال».

ربما يكون أفضل ما يشتهر به روشال، طبيب الأطفال البارز ورئيس الغرفة الطبية الوطنية، هنا في روسيا هو جهوده في التوسط أثناء أحداث احتجاز الرهائن في مدرسة في بيسلان في 2004 وفي مسرح موسكو في 2002.

وفي تعليقاته، ذكر أنه يتم تخصيص أموال طائلة من الميزانية لشراء الأجهزة والمعدات الطبية، التي يعد الكثير منها عديم النفع، لأن من السهل على البيروقراطيين الحصول على عمولات خفية من صفقات الشراء هذه. وأشار إلى أنه يتعين على الأطباء أن يرضوا بالرواتب الرسمية التي تقل عن 300 دولار شهريا (لم يذكر أن غالبية الأطباء في روسيا يصرون على تحصيل أموال بشكل غير مشروع من مرضاهم). وأوضح أنه بسبب تخصيص نسبة 3.9 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي للرعاية الصحية، تأتي النتيجة ممثلة في حدوث عجز في الأطباء، خاصة في المناطق الريفية، وأيضا عجز في المستشفيات. وقال: «هناك مناطق يوجد فيها أكثر من 50 في المائة من الأطباء في سن التقاعد، و7 في المائة فقط من الاختصاصيين الشباب». وخلص إلى أن كل هذا مدفوع ببيروقراطية وزارة الصحة، التي تفتقر بشكل مؤلم إلى وجود أفراد تلقوا التدريب الطبي اللازم.

وفي يوم الاثنين، عندما قامت لجنة استشارية رئاسية بزيارة مدينة إركوتيسك في سيبيريا، وقف متظاهرون على طول الشوارع الرئيسية في المدينة حاملين لافتات تعبر بشكل تفصيلي عن الظروف التي يواجهها كل من العاملين في مجال الرعاية الصحية والمعلمين. وتظهر الإحصاءات على مستوى الدولة أن نحو نصف المستشفيات في روسيا يعوزها التدفئة أو المياه الجارية.

لم يكن حديث روشال الأسبوع الماضي، الأول الذي استمع فيه بوتين إلى شكوى من طبيب على الملأ حول نظام الرعاية الصحية في روسيا. ففي أثناء عرض تلفزيوني تتخلله مداخلات هاتفية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوضح أحد أطباء القلب في آيفانوفو لرئيس الوزراء بوتين أن معظم ما شاهده أثناء زيارة قام بها مؤخرا إلى أحد المستشفيات كان قد تم تزييفه لأجله. كذلك، قام بوتين بزيارات سريعة لبعض المستشفيات الأقل مستوى في موسكو بصورة ساهمت في توضيح بعض المشكلات التي تعاني منها تلك المستشفيات.

وعلى الرغم من تعاطفه الواضح، فإن بوتين قد ذكر ردا على تعليقات روشال الأسبوع الماضي أن المشكلة الكبرى تتمثل في اكتشاف مصادر يمكن جني المزيد من الأموال منها. ومع هذا، ففي يوم الأربعاء، تحدث بوتين إلى البرلمان قائلا إن روسيا ستنفق نحو 50 مليار دولار على مدار الخمس سنوات المقبلة على «السياسة الديموغرافية». وذكر أن الحكومة ترغب في أن يرتفع متوسط العمر المتوقع من 69 عاما في الوقت الحالي إلى 71 عاما، وأن يزداد معدل المواليد بنسبة تتراوح ما بين 25 و30 في المائة وأن يهبط معدل الوفيات. غير أنه لم يقدم تفاصيل حول كيفية تحقيق كل ذلك.

وفي المؤتمر، أشار بوتين أيضا إلى أنه يتقبل، نظريا، اقتراح روشال بالسماح للعاملين في مجال الرعاية الطبية بمزيد من التنظيم الذاتي على حساب وزارة الصحة، مع أنه وصف فهم روشال لما هو مطلوب بـ«الساذج».

في الوقت نفسه، أثنى على تعهد روشال بالعمل من أجل حل المشكلات الطبية التي تواجهها روسيا. وقال بوتين: «هو دائما ما ينتقد أداء وزارة الصحة، وهو الأمر الذي يمكنني تقديره فعليا». وأضاف: «أتمنى لو كان هناك مزيد من الأفراد في قطاعات أخرى يستمرون في البحث عن مواطن المشكلات، بهدوء ورباطة جأش».

من جانبه، قال روشال إن وزارة الصحة تتعامل مع الأطباء الذين يبدون اهتماما بجودة الرعاية الطبية باعتبارهم «طيارين متطفلين». وشكا من التوجيهات الصارمة غير المنطقية للوزارة، وسأل بوتين عن الوقت الذي سيكون لدى دولته فيه خطة لإصلاح نظام الرعاية الصحية. وأجاب بوتين بأن روسيا لديها مثل تلك الخطة بالفعل، غير أنه إذا لم يكن روشال واعيا بها، فإنها تحتاج لمزيد من الترويج. ولم يذكر ما تستتبعه الخطة.

وأشار دانيشيفسكي إلى أنه يعتقد أن بوتين رغب في إجبار مسؤولي الرعاية الصحية على سماع تعليقات روشال لأنهم ليسوا متقبلين في العموم للآراء الخارجية. وقال دانيشيفسكي: «الناس ينتابهم الشعور بخيبة الأمل نظرا لأنه لا يتم الاستماع إليهم». وأعرب عن أمله في أن يقود هذا الحدث إلى المزيد من المناقشات المفتوحة حول التشريعات الصحية القادمة. وقال: «يجب أن يدخل هذا في إطار الملكية العامة».

وقد نشر الموقع الإلكتروني الخاص برئيس الوزراء بوتين تعليقاته في المؤتمر الطبي، إلى جانب الخطاب الوارد من وزارة الصحة، غير أنه لم ينشر تعليقات روشال. وجاء في الخطاب غير الموقع والمرسل من وزارة الصحة: «من غير المقبول إثارة النزاع وخلق حالة من العداء والكره بيننا وبين زملائنا: الأطباء والممرضين وآخرين من العاملين في المجال الطبي». بيد أن «سلوك روشال الذي اتسم برفع الكلفة في الحديث والعفوية الشديدة أدى إلى حالة من الارتباك الواضح والسخرية، حتى وإن كانت ملاحظاته قد أخذت مأخذ الجد في البداية. فحتى وقت قريب، تمثل رد فعل زملائنا في مناطق روسيا في الشجب والإدانة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»