إنفاق أموال الزكاة في تأسيس الأحزاب الجديدة يثير جدلا دينيا وسياسيا في مصر

علماء دين اعتبروه تحايلا على الشرع.. وموقف «الإخوان» متناقض

عبود الزمر قائد تنظيم الجهاد المصري يشارك في مظاهرة تطالب بإطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن أمام السفارة الأميركية في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

لم يقتصر الجدل حول الأحزاب في مصر على قانونها الجديد الذي ينظم طرق إنشائها، ورفع الدعم المالي للدولة عنها، بل امتد إلى مطالبة الأحزاب الجديدة بتخصيص جزء من أموال الزكاة لتأسيسها على اعتبار أن هذه الأحزاب تدخل في نطاق الشأن العام في المجتمع وضمن فئة «وفي سبيل الله».

استندت الأحزاب إلى قيام جماعة الإخوان المسلمين بالحصول على أموال من أعضائها كزكاة مال حسب تصريحات أحد قياداتها وحصول بعض الحركات السياسية على تمويل من خارج البلاد. وبينما حذر علماء أزهريون من استخدام أموال الزكاة في غير مصادرها الشرعية، أجاز ذلك البعض الآخر. ووصف هذه الخطوة قيادات «جماعة الإخوان» بأنها «مفسدة عظيمة».

وطالب عدد كبير من الأحزاب السياسية تحت التأسيس بدعمهم ماديا من أموال الزكاة، بعد قيام المجلس العسكري الذي يتولى إدارة شؤون البلاد عقب سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بوضع شروط صعبة على الأحزاب الجديدة، أبرزها إلغاء الدعم المالي عنها.. وقال إبراهيم سعيد، أحد مؤسسي حزب «الأمة الجديد» (تحت التأسيس): «مطالبات الأحزاب الجديدة بدعمها من أموال الزكاة، نظرا لأنها سوف تخدم جميع المسلمين، وإنه سيتم إنشاؤها لتبني مصر، مما يدخل هذه الأحزاب تحت فئة (وفي سبيل الله) حسب نص الآية الكريمة، التي حددت ثمانية أنواع للحصول على الزكاة»، لافتا إلى أن «فكرة دعم الأحزاب بأموال الزكاة قد تتيح فرصة كبيرة لتحقيق زيادة في أموال الزكاة وفي إثراء الحياة السياسية نتيجة تعدد الأحزاب، ولن تضر أبدا بمصلحة الفقراء والمساكين».

من جانبه، أكد الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، على أن تمويل الأحزاب من أموال الزكاة على اعتبار أنها من التيارات العامة في المجتمع، فمع وجاهة هذا التصور من الأحزاب الجديدة، إلا أن توزيع أموال الزكاة طبقا للمصارف الثمانية المنصوص عليها في القرآن الكريم وطبقا لحاجات المجتمع يجب أن يتم تقديمها على حاجة الأحزاب للدعم، مضيفا أن «أموال الزكاة التي تمثل فريضة لا يستطيع الفقيه أن يحملها بإنشاء الأحزاب السياسية أو دعمها، وأن دعم الأحزاب يمكن أن يكون صدقة بعيدا عن الزكاة».

وأوضح قطب أن جماعة الإخوان المسلمين لهم منهجهم الخاص في أوجه الصرف، فهم لا يحصلون على أموال من الخارج، ولا توزع أموالهم خارج تنظيماتها.

وأضافت الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الله حدد ثمانية مصارف للزكاة في قوله تعالى: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم».. قائلة إن «هناك نوعين من الأنصبة لا يمكن المساس بهما مطلقا هما الزكاة والمواريث»، وكشفت عن أن هناك بعض دعوات من الأحزاب الجديدة تنادي بالحصول على أموال الزكاة تحت النص القرآني الخاص بـ«المؤلفة قلوبهم»، وأن هذه الدعوات تلوي النص الحقيقي.

وقال الدكتور عادل عبد الشكور الأستاذ بمعهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف المصرية: «لا يوجد سند أو دليل على استغلال أموال الزكاة لتأسيس الأحزاب الجديدة»، لافتا إلى أنه «إذا كان بناء المساجد والمستشفيات عند بعض الأئمة لا يجوز أن يدخل في مصارف الزكاة، فما بالنا بالأحزاب الجديدة؟!»، موضحا أنه حتى لو ساهمت الأحزاب الجديدة في بناء مصر من باب المسؤولية والأمانة أو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من باب الشورى، فإن كل ذلك لا يمت بصلة من قريب أو بعيد إلى مصارف الزكاة الشرعية، وهذا يعد تحايلا على النصوص الشرعية وفهما خاطئا لها.

وأوضح عبد الشكور أنه لا يجوز أيضا التبرع للحزب الجديد بصدقات، لأن نشاط الحزب حتى لو كان خيريا لن يكون لوجه الله، وقال إن قيام «الإخوان» بجمع تبرعات زكاة لا يمنح الحجة بأن نعممه على الأحزاب الجديدة، لأن هناك تداخلا كبيرا في «الإخوان» بين الدين والمتاجرة باسمه.

واتفق الدكتور محمد وهدان الأستاذ بجامعة الأزهر على أنه «لا يجوز في الحقيقة أن نمنح أموال الزكاة أو الصدقات لتكوين الأحزاب السياسية، لأن الله عز وجل حسم هذه المسألة في القرآن، وما دام الله قد حسمها فلا يجب أن نناقشها، وقد حدد الله المستحقين للصدقات، لكن للشخص أن يخرج تبرعات للأحزاب، ولكن لا تجوز أن تحسب صدقة أو زكاة، لأن لدينا أعدادا كبيرة من الفقراء والمحتاجين هم أولى بالمال»، لافتا إلى أنه «لو قلنا إن (وفي سبيل الله) تشمل نشاطات الأحزاب ومشاريعها، فهذا خطأ لأن (وفي سبيل الله) يجب أن تكون على هيئة مشاريع تعود بالنفع على المجتمع، مثل إنشاء مستشفى أو مدرسة أو طريق».

وأضاف وهدان أنه «فيما يتعلق بأن بعض (الإخوان) يخرجون زكاتهم للجماعة فهذا لا حرج فيه على الإطلاق لأن (الإخوان) جماعة دعوية تقوم بنشاط دعوي، لكن لا يجوز إخراج الزكاة لحزب الجماعة لأن الحزب في هذه المرحلة سوف يعمل في السياسة».

من جهته، أكد الدكتور عصام العريان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، أن التبرع للأحزاب ليس له أي أساس فقهي، فأموال الزكاة مصارفها محددة، والسهم الوحيد الذي يتاح فيه التوسع هو سهم «وفي سبيل الله» وهذا أيضا غير متحقق في الأحزاب الجديدة، رافضا تصنيف الأحزاب الجديدة ضمن «المؤلفة قلوبهم».

وأوضح العريان أنه لا يوجد ما يسمى في النشاط السياسي في الأحزاب بالصدقات، لأن النشاط الحزبي تطوعي من خلال الاشتراكات والمساهمات.

وأيد الرأي السابق الدكتور عبد الرحمن البر مفتي جماعة الإخوان المسلمين، الأستاذ بجامعة الأزهر، قائلا: «لا يجوز استغلال أموال الزكاة في العمل السياسي مطلقا، واستغلالها في العمل السياسي قد يدفع إلى إشكالية كبيرة، إنما العمل الحزبي يجب أن يكون من تبرعات الأعضاء أو من التبرعات التي تؤيد فكرة إنشاء الحزب»، لافتا إلى أن «استخدام الزكاة في دعم الأحزاب يفتح باب مفسدة كبيرة».

في المقابل، أكد المفكر الإسلامي الدكتور جمال البنا على أنه إذا كانت النية متجهة إلى أن هذه الأحزاب الجديدة تكون في خدمة الشرع ونفع الأمة، فمن الجائز دعم هذه الأحزاب الجديدة بأموال الزكاة، لكن إذا اختلط بهذا الغرض فكرة مادية نفعية فلا يجوز دعمها من أموال الزكاة.