مظاهرة تناصر الثورة السورية تشل مدينة طرابلس اللبنانية

حزب التحرير يتهم السلطات بممارسة «الترهيب» ويطالب بـ«الخلافة»

TT

اتهم المسؤول الإعلامي لحزب التحرير أحمد القصص في حديث لـ«الشرق الأوسط»، يوم أمس، السلطة اللبنانية بأنها مارست الترهيب والضغط وحولت طرابلس إلى ثكنة عسكرية، لتثني الناس عن المشاركة في المظاهرة التي دعا إليها حزبه «نصرة لأهل الشام في ثورتهم ضد النظام السوري». ووصف المظاهرة التي شهدتها طرابلس، أمس، ولم تجمع سوى المئات، بأنها «ناجحة رغم قلة المشاركين الذين لم يرضخوا للتخويف والإرهاب وتظاهروا دون عنف أو قلاقل أمنية كما كان البعض يدعي». وقال القصص «نحن مستمرون في احتجاجنا كل يوم جمعة، وسنجتمع في الجامع المنصوري الكبير نفسه، لنعلن تأييدنا للثورة السورية وكل الثورات العربية»، شارحا أن القرار بالخروج من المسجد لم يتخذ بعد، وسيعلن عنه في حينه إن كان ثمة أي اتفاق عليه في المستقبل.

وكانت هذه المظاهرة التي دعا إليه حزب التحرير الإسلامي الأصولي في طرابلس، قد أثارت الكثير من المخاوف وردود الفعل السياسية المحذرة من التدخل في الشأن السوري أو إثارة الفتنة بين مؤيدين للنظام في سورية وآخرين معارضين له، وهو ما لبنان بغنى عنه في الوقت الراهن. وحاولت القوى الأمنية منع المظاهرة بشتى السبل، لكن مع إصرار الحزب تم الاتفاق على صيغة وسطية بحيث لا تسير المظاهرة في شوارع طرابلس، وإنما يخرج المصلون من المسجد المنصوري في السوق القديمة ويسيرون مسافة لا تتجاوز 200 متر إلى ساحة النجمة القريبة ويعتصمون فيها.

وساد حذر شديد المدينة منذ الصباح، وأغلقت المحال التجارية أبوابها، بينما سدت كل الطرق الموصلة إلى الجامع المنصوري الذي ستنطلق منه المظاهرة. وخرجت القوى الأمنية مجهزة بكامل عتادها إلى ساحة النجمة حيث سيجتمع المتظاهرون واعتلت عناصر أخرى أسطح المباني المحيطة، فيما استعين بسيارات الدفاع المدني لسد الشوارع المؤدية إلى الساحة من كل الاتجاهات. وتمركز الجيش بأعداد كبيرة، في شوارع خلفية وصولا إلى السرايا العتيقة قريبا من وسط المدينة، تحسبا لأي طارئ. والتزم المتظاهرون بالاتفاق، فخرجوا من المسجد بعد الصلاة رافعين الرايات الإسلامية السوداء ولافتات تساند أهالي سورية في ثورتهم. وكتب على إحدى اللافتات «قلوبنا معكم يا أهل حمص ودرعا واللاذقية وبانياس»، فيما كتب على أخرى «كفى نفاقا يا إعلام الممانعة». وطالبت شعارات أخرى بالخلافة الإسلامية.

وجدير بالذكر أن حزب التحرير لا يعترف بنهائية الدولة اللبنانية وينادي بالخلافة الإسلامية ويعتبر لبنان مجرد ولاية في الدولة الإسلامية. ولم يتم الترخيص له في لبنان إلا عام 2006 في عهد رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، على اعتبار أن العمل العلني أفضل من العمل في الخفاء. وتعالت هتافات قوية، أمس، تنادي بالخلافة، تكاد تطغى على تلك التي كانت تناصر أهل الشام، وهو ما اعتبره أحمد القصص طبيعيا بقوله: «نحن نعتبر أن التغيير الحقيقي يكون باتجاه نظام إسلامي. هناك من يركب الثورات اليوم لإعادة ترسيخ العلمانية الموجودة بطريقة أخرى، وبأنظمة مختلفة، بينما التغيير الفعلي لن يحصل إلا ببدء العمل على تحقيق الدولة الإسلامية». ولم تشارك القوى الإسلامية عموما في طرابلس في هذه المظاهرة، واعتبرت أن حزب التحرير تفرد بالقرار حين دعا وحده للتظاهر، لكن كان لافتا وجود مؤسس التيار السلفي داعي الإسلام الشهال الذي ألقى كلمة قال فيها، إن «التآمر على الأمة له أشكال مختلفة لن نتمكن من وقفها إلا بتوحيد الكلمة»، معتبرا أن «نصرة إخواننا واجب علينا هنا وفي كل مكان». وأضاف «من أراد لنا الخير أحببناه ومن أراد الظلم ستكون الميادين بيننا».

من جهة أخرى، قال مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار، إن «المظاهرة التي دعا إليها حزب التحرير هي عمل فردي انفرد به عن سائر الأحزاب الوطنية والإسلامية»، مؤكدا أن «اللبنانيين يعتبرون ما يحدث في أي قطر عربي هو خاص بأهله»، متسائلا «لماذا لم يدع حزب التحرير إلى التظاهر من أجل ليبيا أو مصر أو تونس أو اليمن؟ هنا هو مكمن الاستغراب».

وقال مصدر إسلامي في طرابلس، من المعارضين للتظاهرة، رافضا الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط» أمس: «نحن نرفض كإسلاميين أن نستخدم مرة أخرى كبش محرقة بين القوى المتصارعة. هذه مظاهرة تخدم النظام السوري بشكل كبير، وسيتلقفها الإعلام السوري ليؤكد للعالم أجمع أن هناك تدخلا إسلاميا أصوليا في سورية وأن الاحتجاجات ليست داخلية وإنما مدعومة من الخارج». وقال المصدر الإسلامي «هناك الظاهر والباطن فيما يتعلق بالمواقف مما يحدث في سورية. نعم ثمة احتقان كبير في طرابلس على النظام السوري بسبب الممارسات التي حدثت أثناء الوجود السوري في لبنان، ولكن كثيرين لا يرون مصلحة لهم في التظاهر: أولا، لأنهم لن يغيروا من الواقع شيئا إن هم خرجوا إلى الشارع. وثانيا، لأن التنسيق الأمني اللبناني - السوري هو على أشده هذه الأيام، لا سيما بعد الاتهامات للبنانيين بتهريب أسلحة إلى سورية، وهو ما يجعل الكثيرين على حذر، ويفضلون تجنب التدخل في كل ما يخص سورية سلبا أو إيجابا».