«الشرق الأوسط» ترصد تباينا وسط التونسيين حول تأثير الثورة على حياتهم

سائق تاكسي: أقمنا ثورة لكن لم نرتق لمعانيها * عامل يومي: غياب السلطة أدى إلى تجاوز القانون

TT

بعد أكثر من 3 أشهر على الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، لا تزال عملية تقييم الواقع الاجتماعي والاقتصادي للتونسي العادي صعبة. وإذا كان محترفو السياسة قد وجدوا ضالتهم بعد الانفتاح السياسي الحاصل في البلاد، فإن المواطنين العاديين تتملكهم الحيرة، وربما يكون الحرفيون وأصحاب تجارة التجزئة وأصحاب المقاهي السياحية من بين أكثر التونسيين تضررا بعد الثورة.

فالحياة الاقتصادية والاجتماعية لم تستعد عافيتها بالكامل وما زالت ترسانة القوانين الموجودة منذ عهد بن علي فاقدة لفعاليتها بالكامل، وانحسرت سلطة الأمن بشكل واسع وحافظت قوات الجيش على الحياد في الكثير من المناسبات، مما هدد النشاط التجاري والاقتصادي في مراحل ما بعد الثورة. كما أن الإحساس العام بتغيير النظام والإطاحة بالديكتاتورية قد غير أعلى السلطة، إلا أنه ترك بقية الجسد مثقلا بنفس الهموم. ولعل هذا ما دفع حمة الهمامي مؤسس حزب العمال الشيوعي التونسي يطلق عبارته الشهيرة «رحل الديكتاتور ولم ترحل الديكتاتورية».

وفي نقاش مفتوح داخل إحدى عربات المترو الخفيف في العاصمة التونسية تحدث أحد المواطنين لـ«الشرق الأوسط» عن غياب الانضباط في صفوف التونسيين بعد الثورة ويعد هذا تواصلا مع فترة ما قبل الثورة، «فلا تمجيد لقيمة الوقت ولا لقيمة العمل، وقد تناسى التونسيون بعد الثورة مفهوم القيمة المضافة لما نصنعه وما نفعله». وقال شخص ثان اتضح أنه من البوليس كما أسر بعد نهاية النقاش وتأهبه للنزول من عربة المترو إن «المشكل الأمني يجب أن يأخذ طريقه إلى الحل في أقرب الأوقات» ويجب «محاسبة من ثبت قتلهم لتونسيين خلال أيام الثورة» ويجب تجريم أفعال عائلة الرئيس المطاح به. وضرب مثالا عن محاكمة عماد الطرابلسي صهر الرئيس التونسي وطريقة استهزائه من التونسيين جميعا، وهو ما قد يضع السلطات في مأزق ويحرك ضمائر الكثير منهم في اتجاه محاربة الظلم. ثم انتهى الحوار الذي بدأ رصينا إلى خلاف حول الأولويات خلال هذه المرحلة، وتحديدا حول ما إذا كانت الأولوية لأمن التونسيين أم لتشغيلهم وضمان قوت يومهم بعد أن فقد الكثير منهم باب رزقه.

سائق تاكسي تحدث عن الفوضى التي تعرفها الطرقات وظاهرة السيارات المستأجرة التي تهدد حياة الناس دون أدنى وعي بالمخاطر. ويقول سائق التاكسي: «التونسيون قاموا بالثورة لكن على مستوى الممارسة اليومية لم يرتقوا إلى قيمة تلك الثورة ومعانيها الإنسانية التي قد تؤثر لاحقا في كل شعوب العالم، مع الاعتذار لبعض التونسيين الذين لا يدخلون تحت هذا السقف». ويضيف أن بعض التونسيين حولوا الثورة إلى مجرد مطلب اجتماعي واختصروها في التشغيل وطلب الإعانات الاجتماعية والحال أن الجانب السياسي قد تم طمسه من أجندة الناس: من يقف وراء هذه العملية؟ ولماذا لم يتفطن التونسيون للآن إلى هذا الأمر؟

تونسيون آخرون لا تهمهم الثورة بقدر كبير وهذا يلمسه كل من تجول في مختلف أحياء المدن التونسية الكبرى، فقد تسابقوا وتدافعوا نحو الحصول على مغانم من الثورة، فترى ظاهرة البناءات الفوضوية وأشغال البناء في كل المواقع. ويقول الحبيب بن حسين، وهو عامل يومي، إن الكثير من الناس قد أغاروا على أراضي الملك العمومي ولم يكترثوا للشعارات البراقة التي رافقت الثورة، وفي غياب السلطات وتخوف قوات الأمن وأعوان المراقبة في البلديات من رد الفعل الجماعي على منع الناس من مخالفة القوانين، فإن الكثير منهم تشجعوا على تجاوز القانون دون أن تجد من يمنعهم عن المواصلة في نفس النهج الخطأ. ويضيف الحبيب: «نعم تضررنا خلال أيام الثورة وتعطلنا عن العمل لفترة طويلة ولكن أملنا ألا تتعطل حياتنا من جديد وندخل في فوضى لا يمكن إيقافها».

في منطقة باردو بالعاصمة التونسية يقع مجلسا النواب والمستشارين (الغرفتان النيابيتان)، تلحظ الضرر الحاصل على الوجوه من خلال المارة في كل اتجاه. أحد التجار يجلس أمام متجره براحة بال لم تكن متوفرة له في السابق، سألته «الشرق الأوسط» عما تغير خلال الفترة الماضية وهل أثرت الثورة على تجارته وما عساه فاعلا لاستعادة نفس نسق الحياة الذي كانت الحياة عليه، فقال الأسعد أحمداش: «لقد بقي المحل مقفلا طوال شهر ونصف وهذا له أثر عميق على الجميع.