3 عوامل أساسية تفسر موقف ساركوزي المتقدم من الملف الفلسطيني

فيون في رام الله بعد اجتماع «باريس 2».. وفرنسا تريده «سياسيا اقتصاديا»

TT

ربطت مصادر فرنسية رسمية واسعة الاطلاع الموقف المتقدم الذي عبرت عنه باريس واستعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية في موعد أقصاه سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين، بثلاثة عوامل هي: نضوج الوضع السياسي، ووجود فرصة مواتية، وأخيرا الحاجة الفرنسية إلى تحقيق اختراق في حقل السياسة الخارجية، وما يترتب على ذلك في حال إنجاز كسب سياسي.

وقالت هذه المصادر، التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن باريس ترى أن «الوضع السياسي داخل فلسطين أصبح ناضجا»، من أجل إعلان الدولة وتوفير الاعتراف الدولي بها حتى في حال تم ذلك من غير اتفاق سلام. وتتكئ باريس في حكمها الإيجابي على ما حققته خطة رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، قبل عامين، الخاصة ببناء المؤسسات، وإطلاق الاقتصاد الفلسطيني، والمحافظة على الأمن، وتحقيق الشفافية المالية والإدارة «الرشيدة» للشؤون العامة، وهو ما تأكد من خلال 3 تقارير صادرة مؤخرا عن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والممثلية الأوروبية.

ويتمثل الأمر الثاني في اعتبار باريس أن ثمة فرصة اليوم لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بسبب «الربيع العربي» والتغيرات التي تشهدها المنطقة. ومن المنظور الفرنسي، تبدو الأمور واضحة لجهة اعتبار أنه «لم يعد من الجائز» أن يستمر الموضوع الفلسطيني «معلقا» إلى ما لا نهاية وحتى بروز حكومة إسرائيلية قوية تكون قادرة على اتخاذ قرار بتحقيق السلام.

وتؤكد المصادر الفرنسية، خيبة الرئيس ساركوزي من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي كان يعتبره «صديقا» شخصيا بسبب تعاطيه مع موضوع السلام، ورغم «الهدايا» التي قدمها له، وليس أقلها إعطاء إسرائيل وضعية تجعل منها شبه عضو في الاتحاد الأوروبي. وتعتبر هذه المصادر أن «مصداقية الغرب على المحك»؛ إذ كيف يمكن له أن ينصب نفسه مدافعا عن حرية الإنسان والتعبير والإصلاح في البلدان العربية، وأن يغض الطرف عن وضع الشعب الفلسطيني وعن الاستيطان وعن مطالبته بدولة.

أما العامل الثالث فيمزج السياسة الداخلية بالسياسة الخارجية، إذ إن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد عام من الآن، وتأخر الرئيس ساركوزي عن منافسيه تجعله في حاجة إلى إنجاز ما في السياسة الخارجية ليعود بقوة إلى المسرح الداخلي، خصوصا أن ترؤسه مجموعتي الـ8 والـ20 الاقتصاديتين لم يكن له تأثير ملموس على وضعيته الداخلية.

وثمة «ميدانان» يستطيع ساركوزي أن يستثمر فيهما؛ هما: ليبيا، والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وفي الحالة الأولى، يأمل برحيل سريع للعقيد معمر القذافي، بحيث يلحق برئيس ساحل العاج، لوران غباغبو، الذي أخرجته الطوافات والمدرعات العسكرية الفرنسية من قصره في أبيدجان. ويأمل في الثانية تحقيق «اختراق ما» مدخله الاعتراف الفرنسي «والأوروبي» بالدولة الفلسطينية، بحيث تضع الجانب الإسرائيلي تحت الضغط وتدفعه «أخيرا» إلى تحقيق اتفاق السلام.

وأفادت مصادر فلسطينية شاركت في لقاءات الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في باريس بأن ساركوزي «التزم» العمل واتخاذ مبادرات سياسية في الأسابيع والأشهر المقبلة من أجل تسهيل العودة إلى مفاوضات تكون «مغايرة تماما» لما حصل حتى الآن وتنحصر في آليات الوصول إلى الدولة الفلسطينية وتطبيق «المحددات» المعروفة والمقبولة دوليا للحل، أي إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع تبادل محدود للأراضي وضمانات أمنية للطرفين وحل مقبول لموضوع اللاجئين، والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، أو للدولتين.

وأكدت المصادر الفلسطينية أن «مؤتمر المانحين» الذي ينتظر أن يعقد مبدئيا أواخر يونيو (حزيران) المقبل سيكون «سياسيا اقتصاديا». وسيكون غرضه توفير «الآليات» المطلوبة لوضع هذه المبادئ موضع التنفيذ، وسيطلب من إسرائيل الإجابة الدقيقة عن سؤال واضح: هل تقبل دولة فلسطينية هذه مكوناتها؟

وستنطلق في الأيام المقبلة اجتماعات ثنائية فرنسية - فلسطينية للتحضير للمؤتمر. وتؤكد باريس أن لديها «مجموعة أفكار» ستطرحها في الوقت المناسب، وأنها تريد لمؤتمر يونيو (حزيران) أن يكون «القاطرة» التي ستهيئ الوصول إلى استحقاق سبتمبر في الأمم المتحدة.

ويتبدى مما تقوله المصادر الفلسطينية الرهان على موقف حازم فرنسي – أوروبي، والخيبة التامة من واشنطن بعد الآمال العريضة التي أثارها الرئيس أوباما. غير أن التفاؤل الفلسطيني يمكن أن يصطدم بعقبتين: الأولى، حاجة باريس إلى إقناع شركائها الأوروبيين باتخاذ موقف متقدم من الصراع، يكون بعيدا جدا عما تريده إسرائيل وواشنطن. والثاني الحملة الرئاسية الفرنسية ووجود جهات مكسوبة الولاء ليس فقط لإسرائيل، وإنما لليمين الإسرائيلي المتشدد داخل البرلمان وحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية «الحاكم»، وفي الإعلام، وبين صفوف «المثقفين» الفرنسيين.

وعلى أي حال، تريد باريس الإسراع في الارتقاء بعلاقاتها مع الجانب الفلسطيني واستجابتها لإقامة «علاقات استراتيجية» معه. وسيبرز ذلك سريعا من خلال الاجتماع الحكومي المشترك بين الطرفين في رام الله بحضور رئيس الحكومة، فرنسوا فيون، ومجموعة كبيرة من الوزراء مع نظرائهم الفلسطينيين لتحديد مضمون هذه العلاقة وآليات السير بها.