الهدوء يعم السليمانية.. وارتياح شعبي لإخلاء ساحة السراي

رئيس حكومة إقليم كردستان يجدد دعوته إلى المعارضة للحوار

الهدوء يعود إلى السليمانية بعد أسابيع من الاضطرابات («الشرق الأوسط»)
TT

أمضت ساحة السراي في مدينة السليمانية، ثاني أكبر مدن إقليم كردستان العراق، أمس، أول جمعة هادئة بعد عدة أسابيع من الاضطرابات إثر انطلاق المظاهرات الاحتجاجية التي تميزت بها أيام الجمع حيث ضخامة حشود المحتجين عبر مشاركتهم في مراسيم إقامة صلاة الجمعة وإلقاء الخطب الدينية بالساحة المذكورة.

وبعد أن نشرت السلطات المحلية أعدادا كبيرة من قواتها الأمنية في الساحة ورفعت منبر الخطابة الذي يستخدمه خطباء المظاهرات لشحن المواطنين، عاد الهدوء النسبي إلى المدينة بشكل عام. ورغم كثافة انتشار القوات الأمنية التي لاحظتها «الشرق الأوسط» في جولتها بالمدينة أمس، بدت مظاهر الارتياح على العديد من المواطنين وأصحاب المحلات الواقعة بمركز المدينة، في ظل ترقب شعبي لاستئناف جولة أخرى من الحوار بين أحزاب المعارضة والسلطة بهدف إنهاء الاحتجاجات وتكريس الأمن والاستقرار في المدينة، وهذا ما أكده رئيس حكومة الإقليم برهم صالح في تصريح مقتضب لـ«الشرق الأوسط» بمكتبه الرسمي في السليمانية عندما شدد على «أهمية وضرورة الحوار والتفاوض لإيجاد الحلول الواقعية للأزمة السياسية الحالية بكردستان».

وقال صالح «نشر القوات الأمنية في المدينة يهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار إليها بعد عدة أسابيع من الاضطرابات الأمنية التي ألحقت أضرارا بالغة بمصالح المواطنين، ونحن كحكومة الإقليم مسؤولون عن حماية مصالح الناس، ولذلك اضطررنا إلى اتخاذ بعض الإجراءات الأمنية وفي الإطار القانوني تحديدا لمنع البعض ممن يريدون إثارة المشكلات وتطويل الأزمة لأهداف خاصة بعيدة عن المطالب الشعبية التي سبق أن أكدنا مرارا على أننا سنلتزم بها وسنعمل على تحقيقها في إطارها الشرعي، ومع ذلك فإن تلك الإجراءات الأمنية لا تعني أننا أغلقنا باب الحوار، بل إننا نصر على الحوار والتفاوض وندعو جميع الأطراف إلى الجلوس على طاولة الحوار لنبحث معا عن الأسس الكفيلة بتجاوز هذه المرحلة والمضي قدما نحو الإصلاحات المطلوبة التي هي إحدى أهم أولويات حكومة الإقليم في الوقت الراهن». وأضاف صالح «لقد أكدنا للقوات الأمنية على ضرورة التعامل بشكل حضاري مع المواطنين وفي إطار القانون والإجراءات الأصولية، ولن نقبل من أي مسؤول أو عنصر أمني أن يتعامل مع المواطنين بشكل متعسف، وسنحاسب كل من يتجاوز حدود القانون في التعامل مع الأحداث». وكان صالح أوصى الأجهزة الأمنية بمدينة السليمانية بأن تكون إجراءاتها إزاء الأحداث المستجدة أو التي حدثت سابقا، أصولية وقانونية بالكامل، وعدم إبقاء أي شخص في المعتقلات دون الأوراق التحقيقية، فيما أوصى الادعاء العام بأن يتابع بجدية أوضاع المعتقلات وجميع الذين لديهم شكاوى أو وجهت لهم تهم، وأوصى محافظ السليمانية بتشكيل هيئة من المحامين المتطوعين لتقديم الدعم القانوني له عند الضرورة.

وفي السياق ذاته دعت اللجنة الأمنية بالسليمانية مواطنيها إلى الانصراف لمزاولة حياتهم الطبيعية بعد أيام من عودة الهدوء إلى المدينة إثر نشر القوات الأمنية، ولكنها حذرت من وجود محاولات من بعض الأطراف التي تحاول التربص بالوضع الأمني المستقر حاليا في السليمانية، ودعت المواطنين إلى التعاون مع السلطات الأمنية من أجل تثبيت هذا الواقع المستقر بالمدينة.

وفي لقاءات متعددة لـ«الشرق الأوسط» مع عدد من المواطنين وأصحاب المحلات التجارية بساحة السراي وشارعي «مولوي» و«كاوه» أعربوا عن ارتياحهم لعودة الهدوء إلى المدينة، وقال آسو أبو بكر، وهو عامل تبييض جدران «أنا أشعر بالارتياح لعودة الهدوء، ولكني أدعو الحكومة إلى عدم إهمال مطالب الشعب لكي لا يخرجوا مرة أخرى إلى الشوارع للاحتجاج». ويقول طه ملا علي، وهو يعمل بمحل لبيع الألبسة النسائية بشارع «مولوي»: «هناك من يقول إن أعمالنا لم تتأثر، صحيح أن أصحاب العربات الذين يبيعون الباقلاء والساندويتشات في الساحة كانت تجارتهم رائجة، ولكننا عانينا طوال الفترة السابقة من الكساد، فلا يريد أي مواطن أن يأتي إلى هنا ليتعرض إلى الرصاص أو الرشق بالحجارة، كنت أحترم خروج هؤلاء الناس إلى المظاهرة في البداية وكنت أؤيدهم رغم الخسائر التي تلحق بتجارتي، ولكن عندما تحولت المظاهرات إلى العنف، حتى أنا عن نفسي كنت خائفا من فتح محلي وهو مصدر رزقي، فكيف الحال بالمشترين الذين كانوا يفضلون التسوق الليلي من السوبر ماركت بدل الشراء من محلاتنا؟! نعم لقد أثرت هذه الأحداث على مصدر رزقنا». واستعادت السيدة بدرية أحمد طمأنينتها وهي تسكن خلف الجامع الكبير بالمدينة القريب من ساحة السراي، وهي تتحدث قائلة «لم أوافق على مشاركة أبنائي في المظاهرات خوفا عليهم، ولكنهم كانوا يتحدونني بالخروج للتفرج على ما يحدث في الساحة، وكنت أنتظر يوميا عودتهم بقلق، والحمد لله انتهت هذه الحالة، وأقول إن الأمر طال أكثر من اللازم، وكان المفروض أن ينتهي منذ وقت أطول، ومع ذلك فإني أحمد الله لأن الوضع عاد إلى طبيعته».

ولكن الشاب دياري كانت له وجهة نظر أخرى، حيث يرى أن إنزال هذا العدد الكبير من القوات الأمنية إلى الساحة وشوارع المدينة سيزيد من غضب الجماهير، ويقول «ما نراه اليوم يشبه البارحة عندما كانت قوات أمن صدام تنزل إلى شوارع السليمانية لقمع الناس، الوضع لا يختلف مطلقا ما دام الأساس هو استخدام القوة لمنع المظاهرات، وعلى كل حال فإن كل هؤلاء الشباب الذين خرجوا وصمدوا لأكثر من شهرين مطالبين بحقوقهم لم يخرجوا للنزهة، بل كانت لهم مطالب مشروعة، ولذلك لن يركعوا أمام إجراءات السلطة، والشارع أصبح ملكنا كما يقولون وسوف ننتظر قليلا لنعرف ماذا ستفعل الحكومة، عندها سنرى إن كانت الحكومة ومن يقودونها يستطيعون أن يقهروا إرادة هذا الشعب».