الرسومات الجدارية في القاهرة تؤرخ للثورات العربية

القائمون عليها يرونها وسيلة للتعبير عن الذات وانعكاسا لنبض الشارع

TT

تنتشر على جدران القاهرة تلك الأيام رسومات فنية ذات أبعاد سياسية، شكلها فنانون موهوبون بحرفية عالية.. مستخدمين ألوانا زاهية تمجد ثورة 25 يناير والثورات العربية الأخرى.

تلك الرسومات تنتمي إلى فن عالمي يدعى «الغرافيتي» Graphitti، وهو فن احتجاجي غالبا ما يعكس اعتراضا على الأوضاع السائدة. والغرافيتي ينفذ على الجدران وفي الأماكن العامة في كل دول العالم، ومن دون إذن مسبق، ودائما ما يحمل رسالة سياسية واضحة.

وإذا كان ميدان التحرير نفسه يخلو من الجدران، التي تصلح لممارسة هذا الفن، فإن جدران الشوارع المحيطة به شهدت تباريا فنيا شديد الوطيس بين شباب الفنانين المصريين في تمجيد الثورة وشهدائها. والمثير أن تلك الجداريات تحاكي تطورات الثورة بشكل بديع، بل ويمكن تأريخ الثورة من خلالها.. فهناك جداريات عن شهداء الثورة وأخرى عن الرئيس السابق مبارك وجداريات عديدة تعلن احترامها للجيش المصري. وعندما ثارت الفتنة الطائفية المصطنعة بين المسلمين والأقباط ظهرت جداريات تنبذ الطائفية، راسمة المصريين كيد واحدة، ثم جداريات لإطلاق سراح بعض المعتقلين الذين تعرضوا لمحاكمات عسكرية.

ومع بروز ثورات عربية في ليبيا ثم اليمن وسورية، ظهرت جداريات تساند تلك الثورات وتبرز التضامن العربي. ففي ضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة)، حيث تبرز جهود جمع المساعدات الإنسانية للشعب الليبي، ظهرت على الجدران جداريات حاملة رسالة تضامن بين الشعبين المصري والليبي، تتزين بعلم ليبيا القديم ثلاثي الألوان الأحمر والأسود والأخضر، والذي اتخذه الثوار رمزا منذ بداية الأحداث.

ويوضح محمد عبد المنعم (25 عاما)، فنان تشكيلي، أن تلك الجداريات تحمل رسائل سياسية واضحة وتعكس القضايا المثارة في المجتمع، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «أعبر عما بداخلي بتلك الجداريات، البعض يكتب أو يهتف.. وأنا أرسم، وسأظل أرسم».

أما أحمد سلامة (24 عاما)، فيرى أن الغرافيتي وسيلته للتعبير عن نبض الشارع، موضحا بقوله: «أحاول أن أنقل ما يحدث حولي من وجهة نظري». سلامة، الذي استخدم 6 علب من الطلاء غالي الثمن ليرسم صورة صديقه الشهيد كريم جوار منزله، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «الغرافيتي أبقى كريم حيا في الأرض.. كما في السماء».

عدوى الجداريات انتقلت للثوار في ليبيا، الذين استخدموا فن الغرافيتي ليردوا شتائم القذافي لهم الصاع صاعين بجداريات لاذعة وجريئة.. وهي الجداريات التي حلت محل ملصقات كتاب القذافي الأخضر، والتي سيطرت على جدران ليبيا لأربعة عقود.

وربما لا يعرف الكثيرون أن فن الغرافيتي، الذي تعود أصوله إلى أيام الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية، انتعش في العصر الحديث من داخل الوطن العربي.. إذ شهد الجدار الإسرائيلي العازل، الذي قسم الأرض وشتت الأهل، رسومات ولوحات فنية بديعة تؤرخ للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة لحقوق الإنسان، في صورة سلمية للاحتجاجات الفلسطينية.