تطوير التعليم في البرازيل.. مهمة انبرت لها الشركات

مؤسسات بديلة عن المدارس الحكومية تعتمد طرقا عصرية وتمنح فرصا أكبر لأبناء الفقراء

فلافيا ويتزيل.. تدرس لأطفال روضة في مدرسة براديسكو التي تعلمت فيها («واشنطن بوست»)
TT

تفتخر البرازيل بأنها قوة اقتصادية صاعدة تلعب دورا في التجارة العالمية. لكن الكثير من البرازيليين يتساءلون ما إذا كان نظام التعليم الحكومي الذي يناضل من أجل أن يتعلم به 50 مليون تلميذ يستطيع أن يخرج شبابا على مستوى عال من العلم حتى تتمكن البرازيل من منافسة الصين وكوريا الجنوبية.

عندما سمعت هيلويزا سليفيرا عن وجود أماكن في أكاديمية محلية من دون مصاريف اتخذت مكانها في الصف عند الثالثة صباحا مع مجموعة من الآباء الذين يملأهم الأمل وحصلت على مكان لابنها رافائيل البالغ من العمر خمسة أعوام. ويدير المدرسة الجناح الخيري لمصرف «براديسكو»، ثاني أكبر مصرف في البرازيل والذي يقدم 100 فرصة للتعلم للأسر المحتاجة في حي أوزاسكو بساو باولو. وتقول سليفيرا وهي تقهقه من الفرحة بينما تتذكر قبول ابنها في يناير (كانون الثاني) الماضي: «أعتقد أنه أصبح لديه الآن مستقبل».

تدير شركات ومؤسسات في كل أنحاء البرازيل ومن بينها مصرف «براديسكو» مدارس وتبتكر طرق تدريس جديدة لتحسين إدارة المدارس. والذين يقدمون منحا تعليمية لديهم أماكن محدودة ولا تتعدى المنح التي يقدمونها نقطة في محيط في ظل الحاجة الكبيرة للتعليم في البرازيل كما يوضح المتحدث باسم وزير التعليم البرازيلي. لكن بالنسبة إلى الكثير من الآباء، يعد الانخراط المتزايد في مجال التعليم مؤشرا يبعث على الأمل في ظل ما يقولونه عن وضع التعليم الحكومي في البرازيل.

ورغم أن دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2007 أوضحت صعوبة تقييم بعض البرامج وعدم جدوى بعضها، يجذب انخراط القطاع الخاص في التعليم الاهتمام حيث أصبح البرازيليون أكثر وعيا بالحاجة إلى إصلاحه. ومن بين الشركات التي تقود تلك المبادرة شركات ذات شأن في اقتصاد البرازيل. من تلك الشركات «غيرداو» المصنعة للفولاذ و«جي بي إس» لتغليف اللحم و«إمبراير» المصنعة للطائرات التي تدير مدرسة تضم 600 طالب. كما تشارك شركات صغيرة في هذه المبادرة منها «بورتو سيغورو» للتأمين والتي تبنت مدرستين حكوميتين وطورت نظام الإدارة بهما.

ويقول فرناندو روسيتي، مدير مجموعة المؤسسات والشركات المسؤولة عن إدارة البرامج التعليمية: «يمكنني القول إن الآلاف وربما عشرات الآلاف من الشركات تشترك في هذا الأمر. وتحتاج البرازيل في ظل توجهها نحو العولمة واتجاه اقتصادها إلى التطور، إلى المزيد من القوى العاملة المتعلمة».

وتقول بريسيلا كروز، مديرة مؤسسة «أول فور إديوكيشين» السياسية في ساو باولو، إن المبادرات التي أطلقتها هذه الشركات والتي تقدر بمليار دولار في العام تسلط الضوء على «أزمة التعليم المسكوت عنها في البرازيل».

بعض الإحصاءات التي جمعتها مؤسستها قاسية ومريرة، حيث تبلغ نسبة الذين أتموا الدراسة الثانوية 58%، وهناك فقط 25% منهم تعلموا ما ينبغي تعلمه في دراسات اللغة البرتغالية. أما فيما يتعلق بالرياضيات، فالوضع أسوأ، حيث تبلغ النسبة 11%.

وبحسب برنامج تقييم الطلاب الدولي عام 2009، يأتي الطلبة البرازيليون في مرتبة متأخرة في القراءة والرياضيات والعلوم حينما تتم مقارنة درجاتهم بأطفال من 65 دولة. لكن هناك بعض التحسن.

إلا أن نسبة الالتحاق بالمدارس ارتفعت عنها منذ خمسة عشر عاما، وازدادت ميزانية وزارة التعليم بمقدار ثلاثة أمثال منذ عام 2003. ورغم تدني درجات الطلبة، يظهرون تحسنا سريعا في المستوى الدراسي، على حد تصريحات الحكومة التي تعتقد أن الطلبة البرازيليين يستطيعون الوصول إلى مستوى أقرانهم في الدول الأوروبية والآسيوية خلال عشرة أعوام. لكن الخبراء يقولون إن هذا قد يستغرق وقتا أطول. وتقول دينيس أغويار، مديرة مؤسسة «براديسكو» إن هذه الدولة التي تبلغ مساحتها مساحة قارة وتضم 190 مليون نسمة لا يمكن مقارنتها بفنلندا أو كوريا الجنوبية فيما يتعلق بالتعليم الحكومي. يقع على عاتق الدولة تعليم الأطفال في الأمازون والأحياء الحضرية والمدن الريفية النائية.

وقالت إن النظام التعليمي في البرازيل متأخر عن الولايات المتحدة التي درست بها بنحو عقد من الزمن. وأضافت دينيس الحاصلة على درجة الماجستير في التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة من جامعة نيويورك: «العمل في مجال التعليم في البرازيل ليس سهلا. فإصلاح التعليم يتم ببطء شديد».

وأنشأ أمادور أغويار، جد دينيس ومؤسس مصرف «براديسكو» أول مدرسة للفقراء عام 1962. ورغم أنه وصل إلى الصف الرابع فقط، تقول دينيس: «إنه كان يعرف أن التعليم هو أهم شيء للإنسان». وتدير اليوم مؤسسة «براديسكو» 40 مدرسة بها أكثر من 51 ألف طالب من مرحلة الروضة إلى المرحلة الثانوية. ويفوق هذا العدد نظام التعليم الحكومي في واشنطن وأكبر برنامج من نوعه في البرازيل. وتضم المدارس العصرية الحديثة مختبرات للعلوم ومكتبات وغرفا دراسية مجهزة ويلتحق بها الطلبة مجانا ويحصلون على كتب وأدوات مدرسية ووجبات والزي الرسمي للمدرسة.

لكن المؤسسة تركز جل جهودها على تدريب المعلمين. وتقدم المؤسسة تدريبا مستمرا للمعلمين ويتم تشجيعهم على قضاء وقت في البحث ويتقاضون رواتب أكبر من المعلمين الذي يعملون في المدارس الحكومية بـ50%. وتريد دينيس أن يسمح معلموها للطلبة بالتقدم بهدف ضمان تمكن كل الأطفال ممن هم دون السابعة.

من بين الذين يستطيعون مشاهدة مدى ثراء البيئة الجديدة، مارشيلو أمارالا، معلم الرياضيات الذي بلغ من العمر 34 عاما. قبل المجيء إلى مدرسة «براديسكو» كان مارشيلو يعمل خلال فترة الصباح في مدرسة مدينة أوزاسكو وفي فترة المساء في مدرسة تديرها ولاية ساو باولو وفي الليل في مدرسة خاصة. ويوضح قائلا: «لقد كنت أعمل 70 ساعة أسبوعيا»، مشيرا إلى أن تلك كانت الطريقة الوحيدة حتى يستطيع أن يلبي احتياجاته المعيشية.

وأوضح أنه يتقاضى أجرا أكبر من العمل في مدرسة «براديسكو» ولديه متسع من الوقت للقيام بأبحاث وتحضير الدروس.

في أحد الأيام كانت المدرسة تموج بالنشاط والحركة، حيث كان غويليرم ليما، 14 عاما، يعمل على إنسان آلي ليشارك في مسابقات. وأتمت جيوفانا سيلفا، 13 عاما، ملخصا لكتاب باللغة الإنجليزية قرأته. وفي مختبر العلوم كان أنطونيو غيلارد يعلم طلاب الصف الثامن كيفية التمييز بين التفاعلات الكيميائية والفيزيائية.

ومن بين كل المعلمين كانت فلافيا ويتزيل، 28 عاما، أفضل من يعرف النظام التعليمي في المدرسة، فقد تلقت تعليمها بها. وعادت إلى تعليم أطفال في الخامسة من العمر تعجّ الغرف الدراسية التي يتعلمون بها باللعب الجديدة والمكعبات والكتب. وقالت: «لقد تغيرت حياتي بالطريقة نفسها. أشعر الآن أنني أريد مساعدة هؤلاء الأطفال على تغيير حياتهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»