مصراتة.. «ذات الرمال» تلتقط أنفاسها

ثالث أكبر المدن الليبية رأس حربة في وجه أي طغيان

TT

بعد أن صمدت في مواجهة حصار القذافي وقصفها المتواصل على مدى نحو شهرين، مسطرة ملحمة في البطولة والنضال، ها هي «مصراتة» واحة البحر والصحراء تلتقط أنفاسها على يد الثوار الليبيين، بعد أعلنوا تحريرها أمس من قبضة قوات القذافي، ولتنتصب ثالث أكبر المدن الليبية كرأس حربة في وجه أي طغيان على مر الزمان.

قبل الحصار كان عدد سكان مصراتة يقدر بنحو ستمائة ألف نسمة. وذلك بعد العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي، حيث تبعد عن الأولى نحو 210 كم إلى الشرق، و825 كم من بنغازي إلى الغرب، وتتميز مصراتة بموقع فريد على البحر المتوسط عند الحافة الغربية لخليج السدرة.

لقبت المدينة بـ«ذات الرمال» لوجود كثبان رملية عالية تحيط بها منذ آلاف السنين تمتد من شرقها من قرية قصر أحمد، التي يوجد بها ميناء قصر أحمد والمنطقة الحرة، وحتى غربها حيث قرية الدافنية، وتعتبر من أفضل المدن الليبية تنظيما وتخطيطا، وتتميز بخصوبة أراضيها. يعود اسم مصراتة إلى قبيلة مسراتة وهي بطن من بطون بني اللهان من قبيلة هوارة، ذكرها ابن خلدون ورسم الاسم بالسين بدلا من الصاد وليس كما هو الآن مصراتة.

تعود جذور مدينة مصراتة إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام مثلما أوردت مصادر تاريخية مختلفة، ذكرت أيضا أن الفينيقيين هم من أسسوا هذه المدينة في الأجزاء الشمالية الغربية من الساحل الليبي قبل ألف عام من ميلاد المسيح، كما كانت تعتبر واحدة من المحطات التجارية التي أقاموها على امتداد شاطئ البحر المتوسط.

جمعت مصراتة منذ القدم بين طبيعة سياحية جذابة ونشاط تجاري وصناعي مزدهر وفره لها موقعها الجغرافي المميز، وتتميز بسهولها الخضراء التي تنتشر فوقها أشجار الزيتون والنخيل بشكل كثيف. كما أن لها أهمية اقتصادية كبيرة لتفردها وغناها بمعدن الحديد والصلب، وله مجمع ضخم يعمل به أكثر من ستة آلاف مستخدم، وقد شهدت المدينة نهضة عمرانية ضخمة منذ سبعينات القرن الماضي، بسبب تحولها إلى منطقة جذب للسكان وتشجيع الدولة على الاستثمار هناك ومنح الكثير من المزايا للمستثمرين، من خلال المنطقة الحرة التي تم إنشاؤها بمصراتة. وهي منطقة محررة من كافة القيود الضريبية والجمركية والتجارية، تأسست بموجب قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 495 لعام 2000، ويمنح القرار حق الإعفاء من متطلبات التسجيل في سجلات الموردين والمصدرين والسجل التجاري، وأيضا الإعفاء من أي قيود أو أنظمة رقابية باستثناء الأنشطة التي تتعلق بالعقيدة أو الأخلاق أو الأمن الوطني.

لمصراتة دور كبير في حركة الجهاد برز منذ بداية الغزو الإيطالي على ليبيا عام 1911، ولكونها تشكل مطمعا بسبب موقعها الجغرافي، وقد تمركز المجاهدون بها بقيادة المجاهد رمضان السويحلي، الذي تسلم من بعده دفة القيادة أخواه أحمد وسعدون، وقد كان سعدون من أبطال معركة «المشرك» التي استشهد فيها.

وشهدت مدينة مصراتة الكثير من معارك الجهاد وأهمها معركة رأس الطوبة ومعركة شهداء الرميلة، وحدثت بها بعض أسوأ جرائم الاحتلال الإيطالي وهي جريمة مذبحة حوش آل ماطوس.

ويذكر أن مصراتة تأسست فيها أول جمهورية عربية «الجمهورية الطرابلسية» التي كان صاحب فكرة إنشائها المجاهد رمضان السويحلي بعد معركة القرضابية الشهيرة. وكانت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أدانت الحصار الذي فرض على مدينة مصراتة، وتقول إن قصفها بالقنابل العنقودية «قد يرقى إلى مستوى الجرائم الدولية»، وتزامن صدور هذا الموقف مع وصول أولى المساعدات الإنسانية للمحاصرين في المدينة من مواطنين وعمال أجانب.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»