مقتل 4 في جبلة قرب اللاذقية.. وحملة اعتقالات وتواصل استقالات مسؤولين في درعا

100 مثقف وإعلامي سوري يصدرون بيانا يدين القمع ويطالب زملاءهم بقول الحقيقة

محتجون سوريون يهربون لتلافي إطلاق النار من القوى الأمنية أثناء الاحتجاجات التي شهدتها دمشق أول من أمس (رويترز)
TT

قتل أربعة أشخاص وأصيب عشرات آخرون بجروح أمس عندما أطلقت قوات الأمن السورية النار عشوائيا في مدينة جبلة القريبة من اللاذقية شمال غربي سورية، كما أكد شاهد عيان وناشط حقوقي، فيما ارتفعت حصيلة قتلى المظاهرات التي شهدتها عدة مدن سورية الجمعة والسبت إلى أكثر من 120 شخصا، بحسب ناشطين. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «أكثر من 3 آلاف متظاهر تجمعوا بالقرب من بانياس على الطريق العام المؤدي من مدينة اللاذقية الساحلية (غرب) إلى دمشق، معلنين اعتصامهم! تضامنا مع أهل جبلة».

ثم أضاف المرصد لاحقا أن «المتظاهرين دخلوا إلى بانياس خوفا من الاعتقال لينتقلوا من حالة الاعتصام إلى التظاهر».

وقال شاهد عيان إن آلاف السوريين هتفوا أمس منادين بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد في جنازة محتجين على قوات الأمن في بلدة نوى بجنوب البلاد. وقال شاهد العيان إن أربعة أشخاص قتلوا يوم السبت في نوى على بعد نحو 25 كيلومترا إلى الشمال من درعا حيث بدأت أولى المظاهرات ضد حكم الأسد عندما تجمعوا للاحتجاج على إطلاق نار وقع في وقت سابق. جاء ذلك بينما دان مثقفون وإعلاميون سوريون أمس يصل عددهم إلى نحو 100 وفقا لوكالة الأنباء الألمانية في بيان «الممارسات القمعية للنظام السوري» ضد المتظاهرين مطالبين بحوار يضم جميع أطياف الشعب السوري ويحقق مطالب التغيير السلمي حسب وكالتي الأنباء الفرنسية والألمانية.

وذكر الموقعون، ومن بينهم حكم البابا وهالة محمد وحازم العظمة ولؤي حسين: «نحن الكتاب والصحافيين السوريين نوجه هذا البيان الاحتجاجي ضد الممارسات القمعية للنظام السوري ضد المتظاهرين ونترحم على جميع شهداء الانتفاضة السورية ضد النظام، ونؤكد على حق التظاهر وكل ما يطرح من شعارات الوحدة الوطنية والمطالبة بالحرية».

وطالب الموقعون على البيان «بإجراء حوار وطني شامل يضم جميع أطياف الشعب السوري يحقق مطالب التغيير السلمي في سورية». كما دان البيان «ممارسات الإعلام السوري بالتضليل والكذب وعدم إظهار الحقيقة».

وناشد الموقعون «الصحافيين والإعلاميين الشرفاء في المؤسسات الإعلامية السورية أن يتوقفوا عن أداء عملهم الرسمي وأن يعلنوا انسحابهم من اتحاد الصحافيين في سورية احتجاجا على هذا الاتحاد الفاشل والأمني حفاظا على شرف المهنة الذي يقتضي الوقوف إلى جانب الشعب وإظهار الحقائق كما هي وعدم المشاركة في التضليل».

كما دان الموقعون «صمت كثير من المثقفين السوريين الذين لم يكسروا بعد قيود الخوف» مطالبين إياهم «بإعلان موقف واضح من الممارسات القمعية للنظام السوري بوصفهم جزءا من الشعب السوري البطل ومن نخبة يفترض أن تكون سباقة إلى قول الحقيقة وأن لا تبقى في مؤخرة الركب وإلا فإنها ستبقى خارج التاريخ وحركته».

ووقع على البيان أكثر من 100 شخصية من بينهم أيضا حسام ميرو وحسين الجمو وإبراهيم اليوسف وشعبان عبود ورزان سرية ويعرب العيسو ورضوان زيادة وياسين الحاج صالح ومحمد علي الاتاسي.

كما وقعت عليه رابطة الكتاب والصحافيين الكرد في سورية وبينهم خالد خليفة ومنذر بدر حلوم وسمر يزبك وزياد العبد الله ومنذر المصري ومرح البقاعي وعبير اسبر وممدوح عزام وروز ياسين حسن ورشا عمران ومنظمة «صحافيون بلا صحف».

في غضون ذلك، قال ناشطون إن المحتجين الداعين للديمقراطية في سورية لن ترضيهم خطوات الإصلاح التي يقوم بها النظام وإنهم مصممون على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد بعد مقتل 100 متظاهر يوم الجمعة.

وقالوا إن ارتفاع أعداد القتلى يظهر أن الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس السوري بما في ذلك رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة وقال الناشط عمار القربي لـ«رويترز»: «ما حصل يوم الجمعة هو نقطة تحول. لقد فشل النظام في اختبار الإصلاحات. لقد فشلوا فشلا ذريعا وأثبتوا أن تلك الإصلاحات كانت على الورق فقط وليس في الشارع». وأضاف أن الشعب السوري نفد صبره مع كل يوم.. لقد تعبوا من الوعود.. الناس أعطت السلطات الوقت الكافي لكنها لا تزال تستخدم سياسة القمع. وقال: «أخشى أن يكون كل ما يريده الشعب الآن هو إسقاط النظام». وقال ناشط آخر من خارج دمشق إن السلطات يجب أن توقف التعامل بالطريقة الأمنية. وأضاف: «الله وحده يعلم إلى أين نتجه الآن».

ويقول نشطاء إن عدم وجود شخصية أو مجموعة واحدة وراء الاحتجاجات يعني أن ما يحركها هو الغضب والرغبة في تحدي السلطات بقدر ما تحركهم مطالبهم.

وقال محام يعمل في مجال حقوق الإنسان في دمشق: «الناس الذين يحركهم الغضب لسقوط قتلى لن يعودوا إلى ديارهم في هدوء. الأوضاع مخيفة. المستقبل غير واضح». وقال ناشط آخر: «إن العنف يوم الجمعة يعني أن الأسد الذي قال إنه أمر قوات الأمن بعدم إطلاق النار على المتظاهرين إما أنه غير صادق أو أنه لا يحكم». ويقول محللون إن إسقاط النظام في سورية أصعب من تونس ومصر حيث رفض كبار قادة الجيش فتح النار على المتظاهرين.

ويشغل الموالون للعلويين مناصب مهمة في الجيش السوري وتدير عائلة الأسد الأجهزة الأمنية مما يربط مصير كبار الضباط بمصير الأسد.

وقال أحد الناشطين: «لن نتبع النموذج المصري.. إذا تصاعدت الأمور هنا فإننا ننظر إلى نماذج اليمن وليبيا والبحرين. ليس أي منها جيدا». وقد جاء احتفال المسيحيين السوريين أمس بعيد الفصح مؤلما. كثير من المسيحيين لم يشاركوا في صلوات وطقوس العيد، إما خوفا من التشديد الأمني غير المعتاد ووجود المسلحين عند كل ناصية، أو حزنا على شهداء الوطن، وفي الحالين كان أمس يوم تبادل الحسرات. وقد شهدت منطقتا برزة البلد ودوما القريبتان من دمشق ومدينة إزرع في محافظة درعا أمس تشييع جنازات شهداء سقطوا أثناء تشييع جنازات ضحايا مظاهرات يوم «الجمعة العظيمة»، كما وردت أنباء من قرية النعيمة في محافظة درعا عن سقوط عشرات الجرحى برصاص خلال التشييع. وفي مدينة حماة شهد تشييع الشهداء إطلاق نار على المتظاهرين في ساحة العاصي، وقال ناشطون إنه جاء من مقر لحزب البعث الحاكم، وذلك لمنع المتظاهرين الغاضبين من الوصول إلى أي من النصب التذكارية التي تشير لرموز النظام. وتجدد العنف في مدينة جبلة الساحلية أمس وأكدت مصادر حقوقية أن قوات الأمن فرقت بالرصاص الحي احتجاجا نظم مساء السبت أسفر عن شهيد على الأقل وعشرات الجرحى في بلدة جبلة الساحلية بالقرب من اللاذقية عقب احتجاج نظم مساء السبت للمطالبة بالديمقراطية.

وقالت مصادر حقوقية إن «مجموعة من القناصة ورجال الأمن أطلقوا النار في شوارع جبلة بعد زيارة قام بها محافظ اللاذقية الجديد عبد القادر محمد الشيخ إلى البلدة للاستماع إلى مطالب السكان، مما أسفر عن مقتل شخص على الأقل وجرح العشرات» وأوضحت المصادر أن الوضع ما زال متوترا مع أن «جبلة مرت بفترة هدوء صباح السبت، حيث زارها المحافظ وقابل وجهاءها في جامع الإيمان واستمع إلى مطالب السكان وأخذها على محمل الجد ولكن بعد خروج المحافظ تم تطويق جبلة من جميع الأطراف وانتشرت عناصر من الأمن وبدأوا بإطلاق النار». وذكرت مصادر محلية مساء أمس أن ما لا يقل عن أربعة شهداء سقطوا في مدينة جبلة جراء إطلاق كثيف للنار. وفي مدينة حمص قال ناشط آخر إن قوات الأمن اعتقلت منصور العلي وهو شخصية بارزة من الأقلية العلوية الحاكمة بعدما عارض علنا إطلاق قوات الأمن النار على المحتجين المطالبين بالتغيير الديمقراطي.

وقال ناشطون في حمص إن قوى الأمن منعت أمس تشييع الشهداء من جامع النوري الكبير وجامع خالد بن الوليد وجامع النور، والذي سبق وشهد خروج مظاهرات كبيرة وسط المدينة، كما منعت قوات الأمن دفن الشهداء في مقبرة باب الكثيب وسط المدينة، وفرضوا الدفن في مقبرة تل النصر التي تبعد نحو 8 كيلومترات عن المدينة. وبينما داهم الأمن منازل قرب دمشق أثناء ليل أول من أمس، تواصلت استقالة مسؤولين في محافظة درعا الجنوبية احتجاجا على استمرار الأجهزة الأمنية في استخدام الرصاص لقمع المظاهرات. فبعد استقالة النائبين عن درعا في مجلس الشعب السوري ناصر وخليل الرفاعي واستقالة مفتي درعا الشيخ رزق أبا زيد قدم استقالته كل من سليمان أبا زيد ويمان المقداد من المكتب التنفيذي لمحافظة درعا وكذلك بسام الزامل وعبد الكريم الغوثاني عضوا مجلس محافظة درعا عن مدينة انخل.

وناشد الزامل الذي أعلن ورفاقه استقالتهم عبر قناة «الجزيرة» الرئيس بشار الأسد «كف أيدي الأجهزة الأمنية»، مشيرا إلى أن أهالي درعا «ثاروا بسبب ظلم الأجهزة الأمنية»، قائلا: «إذا كان هناك مندسون في درعا فمحافظة درعا كلها مندسون وأنا من المندسين».

في هذه الأثناء ارتفعت وتيرة حملة الاعتقالات والمداهمات التي تشنها السلطات. وقالت مصادر حقوقية: «إن رجال أمن بملابس مدنية مسلحين اقتحموا منازل في ضاحية حرستا بعد منتصف الليل مباشرة واعتقلوا ناشطين فيها وكذلك في منطقة القابون ومدينة تدمر الواقعة وسط البادية السورية والتابعة لمحافظة حمص». وذكرت منظمات حقوقية سورية أن السلطات السورية اعتقلت أول من أمس السبت الناشط الحقوقي دانيال سعود رئيس لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية من منزله في بانياس. وذكرت المنظمات في بيان لها أن «الأمن الجوي السوري اعتقل سعود الذي هو أيضا عضو اللجنة التنفيذية في الشبكة الاورومتوسطية لحقوق الإنسان، على خلفية نشاطه الحقوقي في سورية».

وسعود معتقل سياسي سابق لأكثر من 11 سنة لانتمائه إلى حزب العمل الشيوعي. ودانت المنظمات اعتقاله، معربة عن القلق البالغ على مصيره، وطالبت بالإفراج الفوري عنه دون قيد أو شرط. ودانت المنظمات أيضا «استمرار الأجهزة الأمنية بممارسة الاعتقال التعسفي على نطاق واسع خارج القانون بحق المعارضين السوريين ومناصري الديمقراطية وحقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين وذلك على الرغم من إلغاء حالة الطوارئ في سورية منذ أيام».

ونشرت صفحات المعارضة السورية على موقع «فيس بوك» أمس أيضا لوائح بأسماء أكثر من عشرين شخصا قالت إنهم اعتقلوا بمدينة تدمر والقابون يوم الجمعة، وأشارت إلى اعتقال العشرات في القامشلي، وطالبت بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وكل معتقلي الرأي. ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان أيضا أسماء معتقلين في محافظات ادلب والرقة وحلب، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية اعتقلت العشرات في مدن سورية أخرى لم يتمكن من الحصول على أسمائهم.

على صعيد الروايات الرسمية نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر مسؤول في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تأكيده أن «عدد الشهداء الذين استشهدوا برصاص المجموعات الإجرامية المسلحة بعد ظهر أول من أمس السبت في بلدة نوى التابعة لمحافظة درعا من قوى الأمن ارتفع إلى سبعة شهداء». وأشار المصدر إلى استشهاد عنصرين من القوى الأمنية أحدهما في بلدة المعضمية والثاني في مدينة حمص.

كما أعلنت وزارة الداخلية السورية أن حصيلة الإصابات في صفوف عناصر قوى الأمن الداخلي منذ بداية الأحداث بلغت 286 إصابة «برصاص مجموعات مسلحة»، ونشرت وكالة «سانا» الرسمية أسماء 31 جريحا أصيبوا في عدد من المحافظات السورية.

كما ذكرت «سانا» أنه تم تشييع من مشفى تشرين العسكري يوم أمس «جثامين ثمانية شهداء من القوى الأمنية سبعة منهم استشهدوا في منطقة نوى بمحافظة درعا وواحد في منطقة المعضمية بريف دمشق على يد مجموعات إجرامية مسلحة» وكان لافتا مساء أول من أمس السبت إغلاق المحال التجارية في كثير من الأسواق في عدة مناطق من البلاد في توقيت واحد، وذلك بعد قيام أشخاص بدعوة أصحاب المحلات إلى الإغلاق والمغادرة بسرعة لأن إطلاقا للرصاص سيجري بعد قليل، وخلال دقائق بدت بعض الأسواق في عدة مدن ولا سيما دمشق كأنها في حالة حظر تجول، مما دفع وزارة الداخلية إلى إصدار بيان تطلب من المواطنين «عدم الاستجابة للدعوات التي يقوم بها أشخاص ينتحلون صفات أمنية لإغلاق محالهم». وأهاب مصدر مسؤول بالوزارة بأصحاب المحال التجارية «إبلاغ السلطات المختصة عن أي شخص يتوجه بمثل هذه الدعوات فورا».

من جانب آخر، نقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن أكرم الشعار الطبيب الشرعي في مشفى تشرين العسكري.. قوله إن هناك آثار تنكيل بجثامين شهداء قوات الأمن «بشكل يتنافى مع كل المبادئ والشرائع والقوانين التي تحكم البشرية» موضحا أن «إصابات الشهداء جاءت في الرأس والصدر والظهر والأطراف» مشيرا إلى أن الجثامين شوهت «بالسكاكين والأدوات الحادة». وقالت «سانا» أن بلدة الناعسية في حمص شيعت «شهيدها دانيال فوزي من عناصر الجيش الذي استشهد على يد مجموعة إجرامية مسلحة أثناء تأدية واجبه الوطني».