مقتل مستوطن في نابلس يستغل لإعادة احتلال «قبر يوسف» في المنطقة الفلسطينية المحررة

القتيل هو ابن شقيق وزيرة إسرائيلية متطرفة.. والسلطة تعزو الحادثة إلى غياب التنسيق

رجل شرطة فلسطيني يغلق البوابة الرئيسية للمكان الذي يحوي قبر يوسف في نابلس، أمس (رويترز)
TT

أعلنت السلطة الفلسطينية، أمس، أنها فتحت تحقيقا في ملابسات مقتل مستوطن إسرائيلي برصاص أحد أفراد الأمن الفلسطيني، أثناء عملية تسلل قامت بها مجموعة من المستوطنين إلى قبر يوسف في نابلس شمال الضفة، لأداء طقوس يهودية دينية في اليوم قبل الأخير من عيد الفصح اليهودي.

وفوجئت الشرطة الفلسطينية بمجموعة من المستوطنين تقتحم المكان بعدة سيارات، من دون أي تنسيق بينها وبين الجيش الإسرائيلي الذي لم يتبلغ هو الآخر من قبل المستوطنين بنيتهم زيارة ضريح يوسف، فطلبت الشرطة الفلسطينية من المستوطنين التوقف، فلم يمتثلوا، وهاجموا الشرطة الفلسطينية، حسب الرواية الفلسطينية الرسمية، فأطلقت الشرطة النار، قبل أن يلوذ المستوطنون بالفرار ويعلن لاحقا عن مقتل «بن يوسف ليفنات»، وهو ابن شقيق وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ليمور ليفنات، وأصابت 4 آخرين بجراح، بينهم واحد إصابته خطيرة.

وأعلن الناطق الرسمي باسم الأجهزة الأمنية اللواء عدنان الضميري أن «السلطة الوطنية تحقق في ملابسات الحادث». واتهمت إسرائيل السلطة بالمسؤولية، وقالت السلطة إن غياب التنسيق كان السبب، وإنها تحقق فيما إذا كان عناصرها هم الذين أصابوا المستوطن أم الجيش الإسرائيلي، فيما توعد المستوطنون بالانتقام من الفلسطينيين.

واستنكر وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، بشدة إطلاق النار على «المصلين اليهود» في ضريح يوسف، رغم أن جيشه كان حذر المستوطنين واليهود في الآونة الأخيرة من مغبة زيارة ضريح يوسف في محيط نابلس دون تنسيق «أمني» مسبق مع «الجهات الأمنية». وأصدر باراك تعليماته إلى قيادة الجيش بإجراء تحقيق في ملابسات الحادث، كما طالب السلطة الفلسطينية بإجراء التحقيق في الحادث على وجه السرعة واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد المسؤولين. وتوتر الموقف في شمال الضفة الغربية، وهاجم المستوطنون الشوارع القريبة من المكان والواصلة إلى نابلس، وأغلقوها، وهاجموا وأحرقوا سيارات للفلسطينيين، كما رشقوهم بالحجارة، ورد الفلسطينيون بإلقاء الحجارة على جنود الجيش الإسرائيلي الذين سدوا نابلس وأطلقوا الرصاص على المتظاهرين.

ويحاول قادة المستوطنين اليهود استغلال الحادثة لتحقيق هدفهم في إعادة الاحتلال الإسرائيلي لما يعرف باسم «قبر يوسف» في مدينة نابلس، وهي منطقة محررة تديرها السلطة الفلسطينية ويطمع المستوطنون في السيطرة عليها. ويدعي المستوطنون أن هذا القبر هو ضريح النبي يوسف، عليه السلام، وهو الأمر الذي ينفيه المؤرخون العرب. ويؤكد المؤرخون العرب أن المصريين حنطوا جسد النبي يوسف عند وفاته وهو قائم اليوم في المتحف المصري. ولكن مؤرخين من اليهود قالوا إن اليهود حملوا معهم رفات يوسف عندما غادروا مصر ودفنوه في نابلس. ويرى المؤرخون العرب أن هناك رواية غير مؤكدة تقول إن يوسف دفن في نابلس، ولكن رفاته نقل في مرحلة ما من التاريخ إلى الحرم الإبراهيمي في الخليل، بعضهم يقول إنه داخل الحرم، وبعضهم يقول إن سليمان الحكيم رفض دفن الرفات داخل الحرم وأبقاه في منطقة خارج الحرم الخليلي. ويقول الفلسطينيون إن قبر يوسف في نابلس هو قبر حديث نسبيا ويدفن فيه رفات يوسف دويكات، وهو رجل صديق من صالحي المسلمين ويسمى يوسف الإسلامي. وقد تحول المقام إلى مسجد.

ويرى الفلسطينيون أن إسرائيل تزعم أنه قبر يوسف لأنها أرادت الاحتفاظ به في تسوية بهدف اتخاذه موقعا استراتيجيا على مشارف نابلس، تريده ثكنة عسكرية للتهديد والعدوان ومدرسة دينية للتضليل والتزييف على الرغم من كونه أثرا إسلاميا مسجلا لدى دائرة الأوقاف الإسلامية.

وخلال المفاوضات حول اتفاقيات أوسلو، في سنة 1993، تحول هذا القبر إلى موضوع خلاف فلسطيني، حيث أصرت إسرائيل على إبقائه ضمن المناطق المحتلة. وأصبح بمثابة جيب إسرائيلي داخل مدينة نابلس، ترابط فيه قوة عسكرية. وقد شهد المكان عدة صدامات فلسطينية - إسرائيلية، خصوصا عند اندلاع الانتفاضة الثانية، في سنة 2000، حيث أقدم الفلسطينيون على إحراقه وإحراق ضابط عربي في الجيش الإسرائيلي بداخله، هو مدحت يوسف، ابن قرية بيت جن الجليلية.

في سنة 2007، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، الانسحاب من هذا القبر، على أن يحافظ الفلسطينيون عليه ويسمحوا لفرق يهودية من المؤمنين المسالمين أن يزوروا الضريح ويؤدوا الصلاة فيه. ولكن مجموعة من الفلسطينيين الأصوليين قاموا بترميمه وتحويله إلى مسجد إسلامي. فبدأ المستوطنون اليهود يناضلون من أجل استعادته تحت أيديهم. ورضخت لهم الحكومة وأصبحت تنظم لهم زيارة مسائية يومية للضريح، بمرافقة قوة عسكرية خاصة لهذا الغرض. إلا أن المستوطنين لم يكتفوا، وأقاموا مدرسة احتجاجية قرب الحاجز العسكري المجاور لمدينة نابلس، يعلمون فيها التلاميذ اليهود «كيف فرطت حكومة إسرائيل في أحد مقدسات اليهود الأساسية». وطيلة الوقت كان المستوطنون يهددون بإعادة احتلال القبر. وقد ضبطتهم قوات الشرطة الإسرائيلية عدة مرات ومنعتهم من الدخول، وفي بعض المرات وصل بعضهم إلى القبر وأعادته الشرطة الفلسطينية.

وفي صبيحة يوم أمس، أجرى المستوطنون محاولة أخرى، فحضروا بثلاث سيارات والتفوا على حاجز إسرائيلي ووصلوا إلى الضريح من دون أن يشعر بهم أحد. وفقط هناك، اكتشفتهم قوة شرطة فلسطينية، فحذرتهم بالكلام أولا، فلم يرضخوا. فحذرتهم بإطلاق الرصاص في الهواء ولم يتأثروا. فأطلقت النيران عليهم. وقتلت واحدا منهم، وجرحت 5 آخرين. وعاد الفلسطينيون لإشعال النيران في المكان، ولكن الحريق هذه المرة كان بسيطا. وتمكنت قوات الطوارئ الفلسطينية من السيطرة عليه.

وفي الحال انطلق قادة المستوطنين ومناصروهم الكثيرون في الحكومة الإسرائيلية بالسعي لاستغلال هذه الحادثة لإعادة احتلال القبر، علما بأنه يقع في قلب منطقة فلسطينية مأهولة ما بين نابلس ومخيم بلاطة للاجئين. وقادت الحملة وزيرة الثقافة والعلوم، ليمور ليفنات، لأن المستوطن القتيل، أمس، هو ابن شقيقها. وراحوا يطالبون بإعادة ضم هذه المنطقة إلى حدود إسرائيل ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها. ثم انتشر مئات المستوطنين في مختلف أنحاء الضفة الغربية لينفذوا اعتداءات انتقامية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية.