«مارين» الشابة التي غيرت صورة اليمين المتطرف في فرنسا

«تايم» أدرجتها ضمن المائة المؤثرين

TT

اكتسبت مارين لوبن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي قدرا من الاحترام والتقدير لم يسبق أن حظيت به أسرتها السياسية مع حضور إعلامي واسع ودعم من جهات غير متوقعة جعلها تسجل تقدما في استطلاعات الرأي. فقد حرصت مارين لوبن، 42 عاما، على تجنب الهفوات العنصرية لوالدها جان ماري لوبن المثير للجدل والذي أدين قضائيا أكثر من مرة، وها هي الآن تجني - على ما يبدو - ثمار استراتيجيتها في تحسين صورة حزب الجبهة الوطنية الموصوم بالعنصرية منذ توليها قيادة هذا الحزب في يناير (كانون الثاني) الماضي.

فبعد تقدمها الكبير في استطلاعات الرأي قبل عام من الانتخابات الرئاسية عام 2012، أدرجتها مجلة «تايم» الأميركية بين الشخصيات المائة الأكثر تأثيرا خلال عام 2011، فيما تتزايد في فرنسا المؤشرات التي تدل على أن الجبهة الوطنية باتت حزبا مقبولا، مما يثير أحيانا القلق وأخرى الدهشة.

ويعتزم الصحافي روبير مينار، الرئيس السابق لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، نشر مقال بعنوان «يحيا لوبن» يندد فيه بحملة تستهدف الجبهة الوطنية. ويرى هذا الفوضوي التروتسكي السابق الذي ينفي أن يكون من مؤيدي طروحات اليمين المتطرف أن «مارين لوبن، مثلها مثل جان لوك ميلانشون (حزب اليسار) يقولان الكثير من الأشياء التي تتسم بالمنطق. وإنكار التغييرات التي حصلت داخل الجبهة الوطنية اليوم مع مارين لوبن يعني إنكار الحقيقة الجلية».

وتحرص مارين لوبن على إبقاء حزبها فوق أي شبهات بشأن معاداة السامية وإنكار محرقة اليهود. وفيما كان والدها يصف غرف الغاز بأنها «مجرد تفصيل في تاريخ الحرب العالمية الثانية»، أعلنت هي في فبراير (شباط) الماضي، أن المعسكرات النازية هي «ذروة الوحشية». كما تحرص مارين لوبن، وهي محامية وأم لثلاثة أبناء ومطلقة مرتين، على المجاهرة بقناعاتها العلمانية ولو أثار ذلك استياء الجناح الكاثوليكي المتطرف في حزبها. وهي تتسلح بمبادئ العلمانية هذه لشن حملة شديدة على «أسلمة فرنسا».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن عالم الاجتماع دوني موزيه رئيس معهد ميدياسكوبي قوله: «إنها النسخة المقبولة، الملطفة للمنتج ذاته. على الرغم من بعض المهارة البلاغية، فإن جوهر البرنامج هو ذاته». وفي آخر دليل على هذا الأسلوب الجديد لليمين المتطرف الفرنسي، قررت مارين لوبن الثلاثاء الماضي إقصاء مندوب شاب للجبهة الوطنية إثر ظهوره في صورة يؤدي التحية النازية، مثيرة استنكار شريحة من تنظيمها السياسي في طليعتها والدها.

وكانت زعيمة الجبهة الوطنية الشقراء التي تطلب مخاطبتها باسمها الأول «مارين» حذرت في نهاية الشهر الماضي: «سأكون حازمة وعنيفة إذا اقتضى الأمر، لأننا ضقنا ذرعا بمثل هذه السلوكيات». ويمكن للزعيمة الجديدة للجبهة الوطنية أن تفخر بالنجاح الذي حققه حزبها في الانتخابات المحلية الأخيرة في مارس (آذار) الماضي وباستطلاعات الرأي المؤيدة لها، والتي رجحت آخرها فوزها على الرئيس نيكولا ساركوزي وانتقالها إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

وقد بات حضورها لافتا منذ بضعة أشهر في وسائل الإعلام، سواء كان ذلك نتيجة هذا الدعم الشعبي أو سببا له، لتظهر اليوم أيضا في الصحافة النسائية حيث خصصت لها مجلة «إيل» الأسبوعية ثلاث صفحات في مارس. وحتى إذاعة «راديو جي» اليهودية التي كانت تقاطع والدها، فكرت في دعوتها للمشاركة في برنامج سياسي، غير أنها اضطرت إلى العدول عن ذلك تحت ضغط عدد من المنظمات اليهودية. ورأى دوني موزيه أن «الشعبية التي تحظى بها مارين لوبن مرتبطة بشكل أساسي بنبذ الطريقة التي تمارس بها السياسة في فرنسا منذ عقود سواء من قبل اليمين أو اليسار بالتناوب».

ولفت عالم الاجتماع، الذي يرى أن فرنسا تعاني «نوعا من الضغط النفسي المعمم»، إلى أنه إذا كان خطاب الجبهة الوطنية بات الآن «مقبولا» فإن ذلك ناتج عن «ترسخ الأزمة وتراجع القيم الذي أسهم فيه نيكولا ساركوزي إلى حد بعيد بتهجمه على المرجعيات الآيديولوجية».