الزعيم المحبوب في كرواتيا يصدم مواطنيه بحقائق مؤلمة عن الحرب

ميسيتش تحدث عن تورط كروات في جرائم وأنصف «لاهاي».. ومناهضوه يشنون ضده حملات

ستيبان ميسيتش
TT

أثارت تصريحات أدلى بها الرئيس الكرواتي الأسبق، ستيبان ميسيتش، في الآونة الأخيرة، واتهم فيها بعض الكروات بالوقوف وراء جرائم حرب، إضافة إلى احتمال سرقة وثائق مهمة من مقر الرئاسة بعد وفاة أول رئيس لكرواتيا، فرانيو توجمان، كثيرا من ردود الفعل، ولا تزال تداعياتها تعتمل على صفحات الجرائد، والمواقع الإلكترونية الكرواتية.

وقال ميسيتش، الذي يحظى باحترام وتقدير واسع في بلاده، في حوار نشرته صحيفة «نوفي ليست» الكرواتية، يوم السبت الماضي، إن «الجانب الكرواتي ارتكب (أثناء الحرب) جرائم أكبر مما هو معلوم». وأضاف في الحوار الذي نقلته أيضا عشرات المواقع الإلكترونية مثل «كيب» و«إنفو ماركت»، و«هيرزكوفينا إنفو»، و«انداكس هـ. ر»، و«نيزناسي»، و«آكوس»، و«بيه لينك»، أن «وصم من يقول الحقيقة بأنه ضد الكروات فكرة تسيء لكرواتيا نفسها، فالذي أجرم يجب أن يعاقب، لأنه دون ذلك يبقى وزر الجرائم معلقا في رقبة الشعب». وطلب من منتقديه النظر إلى الأحكام الصادرة من محكمة لاهاي، فهي «لا تحابي أحدا، وليس بين القضاة والكروات ثأر ولا ضغينة». ولفت ميسيتش أنظار شعبه إلى أن «الحقيقة هي التي تكتب استنادا إلى ملفات محكمة لاهاي، وليست المستندة لطوفان الأكاذيب والتلاعب». وهاجم ميسيتش بعض وسائل الإعلام في بلاده، فقال إن «بعض وسائل الإعلام في كرواتيا، لم تمارس عملها بشكل مهني وأخلاقي، مما أكد على أنها لم تصبح ناضجة بعد نحو 20 سنة من الاستقلال». كما انتقد دور الكنيسة في إنكار الجرائم، بقوله إن «الكنيسة زادت من التوترات، وطالبت بالصوم والمواويل بعد صدور الأحكام القضائية، ووصفت قرار محكمة لاهاي بأنه، جريمة ضد المسيح». ولفت الرئيس الكرواتي أنظار شعبه إلى أهمية «التخلي عن الإصرار الكاذب على الخطأ، والاهتمام اللازم بمتطلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لأن الاعتراف بالجرائم ومحاسبة مقترفيها شرط للدخول في الاتحاد».

وقد سببت هذه التصريحات ردود فعل غاضبة، وقام كروات مناهضون للرئيس السابق بشن حملات ضده، وأسس بعضهم موقعا إلكترونيا أسموه «قف ميسيتش»، وحاولوا عبره جمع كل ما يقال عن ميسيتش، وأسرته وعلاقاتهم مع الآخرين. ومن بين مهاجمي ميسيتش، سكرتيرة الرئيس الكرواتي الراحل فرانيو توجمان، فاسنا شكاره، التي تساءلت حول توقيت تصريحات ميسيتش: «إذا كان هناك شيء مفقود في أرشيف الرئاسة، فلماذا لم يعلن عنه ميسيتش في حينه، وليس بعد 11 سنة». وتابعت في تصريحات لموقع «هـ. ر إنداكس» الكرواتي: «جميع الوثائق التي تحمل صفة، سري للغاية، موجودة في مكتب الرئاسة، وإذا كان هناك شيء مفقودا فليقل لنا ميسيتش ما هو». وقال مسؤول ملفات الرئاسة سابقا، إيفان يارنياك، للصحافيين الذين ظلوا يتوافدون على منزله حتى أمس: «إذا كان ميسيتش يعشق الحقيقة إلى هذه الدرجة، فلماذا لم يقدم ما عنده أثناء شهادته في لاهاي». وأردف: «لا أعرف ما إذا كان هناك من قام بأخذ وثائق من الأرشيف، وإذا ما تم ذلك فليقل لنا ميسيتش من أخذها». وزعم بأنه «إذا كانت هناك وثائق تم إخراجها من أرشيف الرئاسة، فهي المتعلقة بالاتحاد الكرواتي الديمقراطي، (الحزب الذي كان يرأسه توجمان حتى رحيله سنة 1999) ولكني لم أر أحدا أخذ مثل هذه الوثائق». وطالب ميسيتش، بالكشف عما شهد به أمام محكمة لاهاي «بطريقة سرية» وذكر بأن «وثائق الدولة كانت في مكان واحد، وكان يرأس المكتب ايفيتسا كوستوفيتسا، ونائب المدير الجنرال كريشمير كاشبار، والمقدم فلادو تشولينا، وأنا كنت بين موظفي الأرشيف». لكنه عاد وأدلى بتصريحات أخرى قال فيها: «جميع الوثائق كانت في مكان واحد، ولكن بعد 3 أيام من مراجعة الوثائق، قمنا بترتيبها على طريقة: هذه متعلقة بالاتحاد الكرواتي الديمقراطي، وهذه متعلقة بالرئيس الراحل، وهذه تبقى في المكتب».

أما نجل الرئيس الكرواتي الأسبق، ميروسلاف توجمان، فقد اتهم ميسيتش، بالكذب ونفى إخراج وثائق من مقر الرئاسة تحمل صفة «سري للغاية» بعيد وفاة والده مباشرة، كما نفى تورطه في عملية إخراج تلك الوثائق.

ولا تزال الحملة متواصلة ضد الرئيس السابق ميسيتش، بيد أن ذلك، كما قال المحلل السياسي الكرواتي، أنس دجوزونوفيتش لـ«الشرق الأوسط»: «لم يوقفه، بل واصل في تحد صارخ لمنتقديه، بيان ما يعلمه عن جرائم الصرب والكروات سواء في البوسنة أو كرواتيا وغيرها، حتى طالب البعض في زغرب مؤخرا بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى». ومع ذلك «لم يتوقف عن توجيه النقد، للجهتين الصربية والكرواتية على السواء، وكان قد خاض معهم صراعات في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية ولذلك يعده الكثيرون، من عقلاء غرب البلقان، وأحد الحكماء، الذين لو كان مثلهم في بلغراد (عاصمة صربيا) لما شهدت المنطقة ويلات حروب الإبادة، ولما عرفت البوسنة تراجيديا، سريبرينتسا، (أكثر من 8 آلاف قتيل) وفلاسينيتسا، التي تم إحياء ذكراها مؤخرا (أكثر من 3 آلاف قتيل) وسراييفو (12 ألف قتيل) وفيشي غراد (أكثر من ثلاثة قتيل) ودرينا، وغيرها».

الحرب التي تشن على ميسيتش، كما قال الكاتب، نجاد لاتيتش لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت منذ عدة عقود، أي قبل توليه الرئاسة في كرواتيا، وتسلمه زمام الأمور فيها، على مدى دورتين متتاليتين، حتى قبيل نهاية العام الماضي، وأعتقد أنه لو كان رئيسا سنة 1992 لما شهدت البوسنة تلك التراجيديا الدامية». وتابع: «لم تسكت ميسيتش الحملات، ولا مواقع (فيس بوك)، والإنترنت عموما، ولا المقالات الصحافية، والندوات التلفزيونية، ولم تهز منه شعرة واحدة».

وفي حين كان الكروات ينعون العدالة الدولية بعد محاكمة الجنرال الكرواتي السابق أنتي غوتوفينا مؤخرا بـ20 سنة سجنا، والجنرال السابق الآخر، شارماك بـ18 سنة سجنا، طلع ميسيتش على الجميع معلنا أن هناك «في الجانب الكرواتي جرائم كثيرة ارتكبت لم تعرف بعد». وجن جنون خصومه، من القوميين الكروات، الذين يقدسون، غوتوفينا، وأطلقوا اسمه على الساحات والشوارع في المدن الكرواتية المختلفة، لا سيما المدن الحدودية، مثل سبليت قرب حدود البوسنة، وعلقوا صوره على لوحات الإعلانات الضخمة، ونصبوا له سرادقات الشكر والثناء.