الفتنة الطائفية تطل على مصر مجددا على الرغم من مبادئ «التآخي» في ثورة «25 يناير»

مسلمون ومسيحيون دعوا لحل القضايا العالقة

TT

عادت الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر لتطل برأسها من جديد، من خلال مظاهرات وأحداث لها صبغة دينية في عدة محافظات في الأيام الأخيرة، مما دفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد للتحذير من مخاطرها. يأتي ذلك خلافا لشعارات رفعتها ثورة 25 يناير من هذا العام، حين تغنت بالوحدة الوطنية والتآخي بين عنصري الأمة. وأدت هذه الثورة لإسقاط نظام الحكم السابق يوم الحادي عشر من فبراير (شباط) الماضي، وأعقبه صلاة للمسلمين وقداس للمسيحيين في ميدان التحرير بوسط القاهرة، مما أسهم في الاعتقاد بأن الحوادث بين أبناء الديانتين لن تتكرر كما كان يحدث من قبل، لكن سرعان ما تفجرت أحداث «فتنة» في قنا والمنيا في جنوب البلاد. ويعتقد المراقبون أن سبب الخلافات التي تقع بين وقت وآخر بين المسيحيين والمسلمين، يرجع لطبيعة نظام الحكم السابق، الذي استمر نحو ثلاثين سنة، قائلين إن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين اتسمت طوال التاريخ بالترابط والتداخل، خاصة في الريف، حتى تغير الأمر في العقود الثلاثة الماضية، حيث اتسمت العلاقة بين «عنصري الأمة» بنوع من التوتر، مع تراجع الدور السياسي للمسيحيين (الأقباط) المصريين في بلادهم. وأضحت انعزالية المسيحيين، مع تنامي الجماعات والتيار الإسلامي، مثار انتقاد بين القوى التقدمية المصرية من المسلمين والمسيحيين أيضا.

ومن أهم القضايا التي تثير حساسيات بين المسلمين والمسيحيين بناء الكنائس وترميم المعابد المسيحية، والعلاقات العاطفية والزواج بين أبناء الطائفتين، أو تغيير أحد أبناء الديانتين لدينه، والأهم: تقلد المسيحيين لمواقع عليا في الدولة. وتقول الدكتورة جورجيت صبحي قليني، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن «التعتيم أو التجاهل لبعض الأحداث بين المسلمين والأقباط، لا يصب في مصلحة الوحدة الوطنية»، وتضيف أنه «من الضروري ألا ننكر الأحداث، أو نبث أخبارا كاذبة على غير الحقيقة، فالاعتراف بالمرض أول الطرق في سبيل تشخيصه تشخيصا صحيحا ومن ثم علاجه».

ومن جانبه، يرى الدكتور إكرام لمعي، رئيس الطائفة الإنجيلية السابق وأستاذ اللاهوت، أن المؤسسات الدينية الرسمية والسلطة متراخية ومنسحبة عن القيام بدورها، وأنها تترك (بعض الدعاة غير المؤهلين) لحل المشاكل بين الجانبين، مضيفا أن الأمر أدى إلى أن ينظر الشارع لمثل هؤلاء الشيوخ باعتبار أن لهم إرادة فوق إرادة الدولة. وأرجع الدكتور لمعي السبب الأساسي وراء تفاقم المنازعات بين المسلمين والمسيحيين (في فترة الحكم الماضية) إلى الأخذ بمبدأ اللجوء للحلول الأهلية والمجالس العرفية بين الطرفين، بعيدا عن سلطة الدولة.

لكن هناك من يعتبر أن ما يحدث حاليا يجافي روح ثورة 25 يناير، التي جمعت بين أبناء الأمة، ووقوفهم صفا واحدا لإسقاط النظام القديم وإعادة بناء البلاد.

ويرى عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية، أن الزمن شهد على حياة المسلمين والمسيحيين في مصر أكثر من أربعة عشر قرنا من التآخي والتحابب إلى أن ظهرت بذور الفتنة بينهما خلال حكم النظام السابق في الثلاثين عاما الماضية، معتبرا أن الإعلام والسلطة كانا جناحي تأجيج الفتنة.

ويشدد أسامة حافظ، المتحدث باسم الجماعة الإسلامية ويقيم بالمنيا - أبرز المحافظات التي تتأجج فيها الفتنة الطائفية من وقت لآخر - على أن الجماعة لا تمانع في أن يكون هناك أقباط في الحكومة والوزارة والمحافظين وأي منصب مهما كان، إلا الولاية العظمي (رئاسة الدولة)، معتبرا أن أي حديث عن أزمة في بناء الكنائس أو المناصب العليا ما هي إلا محاولة للابتزاز وافتعال مشكلة من دون أساس، مطالبا بضرورة وجود لجنة من جميع التخصصات لبناء الكنائس حسب التعداد والكثافة.

ويقول الباحث الإسلامي محمد مورو إن مثل هذه المشاكل تمكن مناقشتها في الأوساط المدنية عن طريق الأحزاب مثلا، ويشارك فيها الجميع، ولكن أن تكون مطالب مرفوعة من الكنيسة التي تجب طاعتها بالنسبة للمسيحيين على عكس شيخ الأزهر مثلا الذي لا تلزم طاعته المسلمين، فذلك يحول البلد عمليا إلى حزبين كبيرين، حزب مسيحي أرثوذكسي بقيادة البطريك وحزب إسلامي بقيادة رئيس الجمهورية.