ضابط شرطة مصري سابق: حذرت من قيام ثورة فخسرت وظيفتي بوزارة الداخلية

روى لـ «الشرق الأوسط» مساهمته في نجاح المظاهرات.. ودعا لاتحاد مدني يواجه التيارات الدينية

الضابط محمد محفوظ يطالع صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

أسهم ضابط شرطة مصري سابق ومؤلف قصص وروايات في نجاح المظاهرات التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، قائلا إنه حذر رؤساءه من قيام ثورة، فردوا عليه بفصله من العمل وخسارته لوظيفته، ودعا الضابط السابق، محمد محفوظ، لاتحاد مدني لموجهة أي محاولة لهيمنة التيارات الدينية على الأغلبية في البرلمان المصري المقبل.

وبعد دوره في الثورة المصرية، أصبح الضابط السابق من الشخصيات التي يشار إليها بالبنان في الإسكندرية، خاصة بين أوساط الشباب الذين يتذكرون كيف كان المشهد عصيبا والحشود تتلاحق وتزحف نحو الأماكن الحيوية والاستراتيجية بالمدينة المصرية الساحلية الجميلة، في الأيام الأولى لثورة 25 يناير. وكيف تعرفوا على الضابط محفوظ وسط كتل بشرية مليونية كانت تجوب كل حارة وشارع.

وفي يوم 28 يناير (كانون الثاني) تحديدا، ووسط الجموع، كان هناك شاب يتقدم حشود المتظاهرين في جسارة غير معتادة، وحين رآه آمرو الجند توقفوا عن مهاجمة المتظاهرين، وأمروا جنودهم بفتح الطريق له ولمن خلفه من المتظاهرين. إنه المقدم محفوظ، الذي كان يشغل رئيس قسم العلاقات العامة بمديرية أمن الإسكندرية، قبل أن يتم فصله من العمل بسبب تأليفه رواية بعنوان «العزبة» تتضمن إسقاطا سياسيا على الرئيس السابق مبارك ونجله جمال. في الثانية من بعد ظهر يوم الجمعة 28 يناير، كانت حشود هائلة من المتظاهرين تتوجه من شرق الإسكندرية باتجاه وسط المدينة، حيث ضاحية فيكتوريا. وكان هناك تشكيل أمني من قوات الأمن المركزي، يغلق طريق الحرية المجاور أمام المتظاهرين المقبلين صوب الضاحية. وبدأت القوات «تذخر» السلاح تمهيدا لإطلاق الرصاص المطاطي والحي لمنع المحتجين من التقدم، إلا أن الآلاف أصروا على تحدي فوهات البنادق.

صاح رائد كان يقود التشكيل الأمني آمرا جنوده بأن يستعدوا للإطلاق لضرب المتظاهرين، وكان من المفترض أن يكون الأمر التالي هو الضرب بالطلقات المطاطية والنارية.. لكن الأمر لم يصدر.. فقد دقق الرائد النظر في وجوه المتظاهرين ليجد زميله المقدم محفوظ الذي يعرفه جيدا، وأخذته الدهشة حين رآه يقود المتظاهرين ويهتف بسقوط النظام. على الفور سمع المتظاهرون صوت الرائد المكلف بقيادة التشكيل الأمني يصيح آمرا جنوده بصوت مرتفع: «امنع الضرب.. كما كنت.. كما كنت». وفوجئ الجميع بالرائد يؤدي التحية العسكرية للمقدم الثائر.. ثم يأمر جنوده بفتح الطريق أمام المتظاهرين، وسط دهشة من الجميع.

وقبل عامين من المظاهرات التي أجبرت الرئيس المصري حسني مبارك على التخلي عن الحكم، يوم الحادي عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي، كانت الصحف المصرية ومواقع الإنترنت تتناقل قصة المقدم محفوظ، بعد قيام وزارة الداخلية بفصله من العمل جراء تأليفه روايته السياسية، التي تضمنت احتجاجه على ما كان يعتقد في مصر في ذلك الوقت بأن مبارك يريد توريث الحكم لابنه جمال، ومن المعروف أن رجال الشرطة في مصر يحظر عليهم انتقاد وزارتهم، أو الاشتغال بالعمل السياسي.

المقدم محفوظ ولد عام 1964 بمدينة الإسكندرية المعروفة تاريخيا بمعارضتها الغريزية للسلطات الحاكمة بالقاهرة، وهو حاصل على الدكتوراه في قضية «حرية التعبير»، بعد أن تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1989. وعقب تخرجه أعلنت وزارة الداخلية حاجتها لموظفين مدنيين للعمل في العلاقات العامة، فتقدم لنيل الوظيفة عن طريق الالتحاق بأكاديمية الشرطة، ليتخرج برتبة ملازم أول، وبدأ العمل ضابطا بالفعل، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى رئيس قسم العلاقات العامة بمديرية أمن الإسكندرية منذ عام 2006. وبعد أن أمضى 20 عاما في وزارة الداخلية تم فصل محفوظ من العمل منذ عامين بسبب مواقفه الرافضة لتزوير الانتخابات، وإصداره روايته السياسية.. وأصبح محفوظ بعد ذلك قاسما مشتركا لجميع الوقفات الاحتجاجية التي كان ينظمها نشطاء بالإسكندرية ضد نظام مبارك. وانضم خلال تلك الفترة أيضا للجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأصبح واحدا من مخططي المظاهرات التي أدت للاحتجاجات المليونية التي أطاحت بحكم مبارك.

ويشرف محفوظ الآن على لجنة الاتصال السياسي من خلال عضويته بالمكتب التنفيذي لائتلاف شباب ثورة 25 يناير بالإسكندرية. ومن مهام هذه اللجنة الاتصال بالمسؤولين وتوصيل مطالب الثوار لهم. ويشدد محفوظ على أهمية تشكيل البرلمان المقرر وإجراء انتخاباته قبل نهاية هذا العام، قائلا إن أعضاءه سيكلفون بسن دستور جديد لمصر، وفي حالة عدم اتحاد القوى المدنية في كيان واحد فإن ذلك سوف يؤدي لتفتيت الأصوات لصالح التيارات الدينية، التي قد يكون لها التمثيل الأكبر في البرلمان المقبل، مما قد يتمخض عنه ميلاد دولة دينية في مصر.

ويعتمد الدكتور محفوظ في كسب العيش على الكتابة في الصحف. وله شقيق محام بالنقض ويعمل معه في العمل السياسي أيضا. ويعتقد محفوظ أن ما رافق مظاهرات يوم 28 يناير من اقتحام للسجون وحرق لأقسام الشرطة هو جزء من مخطط أشرف عليه جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، قائلا إن خطة الانفلات الأمني «خطة معروفة ومعتادة للأجهزة القمعية للنظم الديكتاتورية تقوم بتنفيذه عندما تشعر بأنها على وشك السقوط»، ويدلل على ذلك بما حدث أثناء سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، ونظام الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي. يقول محفوظ إنه كان حريصا على حضور جلسات المحاكمة لضباط الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين في احتجاجات ثورة 25 يناير، ومن بينهم ضباط كبار عمل معهم في السابق، قبل أن يتم فصله من العمل، حيث كان عدد منهم قد اتهمه بعدم الوفاء لوزارة الداخلية لمجرد أنه وقف ضد تزوير الانتخابات النيابية وألف رواية سياسية.

وفي جلسة المحاكمة الأخيرة لمدير أمن الإسكندرية وعدد من الضباط، اقترب محفوظ من قفص الاتهام.. «حيث زملائي السابقين.. نظرت إليهم وأدركت إلى أي حد يشعرون بالخزي لفترة انتمائهم لنظام قمعي قضت عليه الجماهير».