رواد الفضاء يبحثون عن مجالات جديدة للاستكشاف

تقليص الإدارة الأميركية لنشاطات «ناسا» خفض معنويات روادها ودفعهم للعمل في قطاعات خاصة

رائدا الفضاء مايكل جوود (يسار) وجاريت رايزمان خلال رحلة لوكالة «ناسا» (نيويورك تايمز)
TT

ماذا يحدث عندما يكون لديك الأمور الجيدة في الوقت الخطأ؟. هذا هو السؤال الذي يتردد للتو بين رواد الفضاء بوكالة «ناسا»، مع اقتراب انتهاء برنامج رحلات سفن الفضاء الأميركية، وتقلص فرص تحليقها في المستقبل القريب، حيث تقرر انطلاق المكوك «أنديفور» هذا الأسبوع، فيما ستكون رحلة المكوك «أتلانتيس» في شهر يونيو (حزيران) هي آخر مهمة لمكوك أميركي على الإطلاق، ولذا فإن مقاعده قد تم حجزها بالكامل. وقال ليروي تشياو، وهو رائد الفضاء السابق الذي يعمل الآن لحساب شركة ترغب في تقديم رحلات الفضاء للسياح: «المعنويات منخفضة جدا، بسبب الشكوك الكبيرة».

بدأ تقليص برنامج رحلات الفضاء المأهولة التابع لوكالة «ناسا» في عهد الرئيس باراك أوباما، حيث ألغيت برامج سفن «آريز آي وكونستيلاشن»، والتي كان يفترض أن تخلف المركبات الفضائية التي تقل رواد الفضاء إلى القمر، وستقوم «ناسا» بدلا من ذلك بتكليف شركات خارجية بابتكار البدائل.

لذلك، عندما تتوجه عائلة أوباما إلى مركز كنيدي للفضاء في فلوريدا هذا الأسبوع للجلوس مع غابريل غيفوردز، عضو الكونغرس عن ولاية أريزونا وهي تشاهد زوجها مارك كيلي يقلع باتجاه محطة الفضاء الدولية، سيظل هذا المشهد الأخير من نوعه لبعض الوقت. فعلى مدى السنوات القليلة القادمة، سيتنافس رواد الفضاء الأميركيون للحصول على أماكن محدودة على متن المحطة الفضائية الدولية، على متن مركبات الفضاء الروسية «سويوز».

وقالت بيغي ويتسون، رئيسة مكتب رواد الفضاء بوكالة «ناسا» والمسؤولة عن اختيار رواد الفضاء في كل مهمة فضائية: «نأمل أن نتغلب على هذه العقبة ونعود إلى مواصلة الاستكشاف»، مشيرة إلى أن وكالة «ناسا» شهدت مراحل عديدة مثل هذه من قبل.

ربما لا يكون الوضع الحالي سببا في وهن الطموحات المهنية لدى طلاب المدارس الابتدائية، لكن العام الماضي وحده، شهد تخلي عشرين رائد فضاء عن جدول الخدمة الفعلية التابعة لوكالة «ناسا»، واليوم، انخفض عدد رواد الفضاء من 150 عام 2000 إلى 61، حيث كانت «ناسا» تستعد آنذاك لتزويد المحطة الفضائية الدولية برواد الفضاء، مع مركبات الفضاء التي تزودها، بالعاملين. وقد أدى هذا التحول إلى حدوث اختلاف كبير لأشخاص مثل جون غرونسفيلد، الذي يعمل بتلسكوب الفضاء هابل، والذي قاد خمس رحلات لوكالة «ناسا». بعد رحلته الأخيرة في مايو (أيار) 2009، سأل غرونسفيلد الدكتورة ويتسون عن فرصته في العودة إلى الفضاء مرة أخرى، وقال: «لقد كانت صادقة» وقالت «فرصتك شبه معدومة».

وقال غرونسفيلد الذي يبلغ من العمر 52 عاما: لو قالت الدكتورة ويتسون إن هناك فرصة حتى ولو صغيرة في مهمة مثل قيادة محطة الفضاء الدولية، «ربما كنت سأبقى» ولكنها لم تقل ذلك. لذلك، ترك غرونسفيلد «ناسا» في يناير (كانون الثاني) 2010، ليعمل كنائب لمدير معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور، التي تدير تلسكوب الفضاء هابل.

ومن بين رواد الفضاء الذين سببت لهم الحقائق الجديدة مشكلة كبيرة رائد الفضاء سكوت ألتمان الذي قاد أربع رحلات لوكالة «ناسا». وبعد رحلته الأخيرة في عام 2009، رأى الكابتن ألتمان الذي يبلغ من العمر 51 عاما، مؤشرات سيئة، ففي الوقت الذي كان يسعى فيه إلى تحديد ما إذا كان سيواصل في «ناسا» من عدمه، قامت إدارة أوباما باتخاذ قرار بإلغاء برامج «آريز آي وكونستيلاشن»، ولذا أعلن ألتمان في أغسطس (آب) الماضي عزمه الرحيل عن الوكالة. وقال ألتمان، الذي يعمل حاليا في شركة «إيه إس أر سي» للتكنولوجيا والبحوث بولاية ميريلاند، والتي تقوم بالأعمال الهندسية لوكالة «ناسا» وغيرها من الوكالات الفيدرالية، «لقد كانت مغادرة ناسا قرارا صائبا»، ولكن «أشعر بالندم من وقت لآخر».

وتضيف الدكتورة ويتسون: ستقوم وكالة «ناسا» بتوظيف رواد فضاء جدد، حيث ستقوم الوكالة بتعيين من 6 إلى 12 رائد فضاء خلال السنة أو السنتين المقبلتين، بسبب رحيل أو تقاعد الكثير. وإذا قررت وكالة «ناسا» تخفيض معدل الرحلات في محطة الفضاء الدولية من ستة أشهر إلى أربعة أشهر، فهذا يعني الحاجة إلى مزيد من رواد الفضاء. وأشارت الدكتورة ويتسون، التي تعمل أيضا كرائدة فضاء، «لقد أخبرنا المكتب بأكمله بما يجب أن يتوقعه». وفي الوقت نفسه، فإن فرص عمل رواد الفضاء خارج وكالة «ناسا» صغيرة ولكنها متزايدة. وتبحث «فيرجن جالاكتيك» وهي جزء من إمبراطورية ريتشارد برانسون، عن ثلاثة طيارين فضاء لطائرتها الصاروخية «سفينة الفضاء 2»، والتي يتوقع أن تبدأ رحلات السياحة الفضائية العام المقبل. وعلى الرغم من قيام «سفينة الفضاء 2» بقفزات شبه مدارية توفر بضع دقائق من انعدام الوزن، فإن شركات أخرى مثل «بوينغ» ومؤسسة تكنولوجيات استكشاف الفضاء والمعروفة باسم «سبيس إكس» ستقوم بتطوير مركبات فضائية تكون قادرة على الطيران لمحطة الفضاء الدولية وغيرها. من بين من غادروا الوكالة كان غاريت رايزمان، الذي انضم إلى برنامج رواد الفضاء في عام 1998، والذي غادر الوكالة الشهر الماضي للعمل في «سبيس إكس»، والتي أسسها إيلون ماسك، قطب من أقطاب الإنترنت. وكان الدكتور رايزمان قد دوّن تفاصيل رحلة مكوكية لأكثر من ثلاثة أشهر في الفضاء وقام بالعمل على الذراع الروبوتية للمحطة الفضائية. وقال الدكتور رايزمان، الذي يبلغ من العمر 43 عاما: «مهنة رائد الفضاء هي أروع وظيفة على الإطلاق. لقد كان قرارا في غاية الصعوبة أن تترك هذه المهنة طواعية». لو بقي الدكتور رايزمان في وكالة «ناسا»، لحصل على فرصة للسفر مرة أخرى، ولكنه قرر المضي قدما، وهو يعمل الآن على متن صاروخ (فالكون 9) والمركبة الفضائية (التنين) التي يخطط لها أن تأخذ الركاب والبضائع إلى محطة الفضاء الدولية. وأضاف: «إن حلم أي مهندس أن يقوم بتصميم مركبة فضائية. بالنسبة لي، يبدو الأمر وكأنني على حافة عصر ذهبي لرحلات الفضاء، وهذا هو المكان الذي أكون به».

هناك العديد من الشباب الطامحين للعمل مكان رواد الفضاء الذين تركوا وكالة «ناسا» بسبب السن أو عدم وجود فرصة.

وبقدر صرامة المعايير بقدر رومانسية المهمة. وفقا لموقع وكالة «ناسا» على الإنترنت، يجب على المرشحين للعمل رواد الفضاء أن يكونوا قادرين على السباحة لمسافة ثلاثة أطوال حوض السباحة مرتدين طقم الطيران وأحذية التنس؛ بالإضافة إلى درجة متقدمة في مجال العلوم أو الرياضيات. وبالنسبة لمن يرغب في العمل في محطة الفضاء الدولية، تكون المتطلبات أكثر صرامة: حيث يجب عليهم إتقان اللغة الروسية وعلى دراية بعمل الروبوتات، ويتم تدريبهم على السير في الفضاء، ويجب أن يتمتعوا بصحة جيدة تمكنهم من البقاء في الفضاء لمدة ستة أشهر.

وقد ساعدت هذه القائمة الهائلة وكالة «ناسا» على تنحية بعض رواد الفضاء جانبا. وقالت باميلا آن ميلروي، عقيد بسلاح الجو وثاني رائدة فضاء تقوم بقيادة رحلة مكوكية، «عندما تكون في الفضاء تشعر كأنك في مكان سحري». وقد غادرت ميلروي وكالة «ناسا» في عام 2009 بعدما علمت أنه ستكون هناك مناورات مكثفة من قبل رواد الفضاء الذين يسعون إلى قيادة واحدة من الرحلات القليلة المتبقية. وقالت، «لم أكن أريد حقا الوصول إلى الحالة التي أتخلف فيها عن الآخرين متمنية الحصول على إحدى هذه الرحلات». ولا تزال ميلروي تشعر بالحزن بسبب فقدان الفرصة في التحليق على «آريس آي».

*خدمة «نيويورك تايمز»