لبنان: إرباك وانقسام ومخاوف في صفوف القوى الإسلامية جراء تطورات سورية

حزب الله الأكثر قلقا.. واستعداد لكل الاحتمالات الصعبة

TT

تعيش القوى الإسلامية اللبنانية حالة من الارتباك والانقسام والخوف من جراء التطورات الجارية في سورية، فباستثناء حزب التحرير وبعض المجموعات الإسلامية السلفية، التي يتزعمها الشيخ داعي الإسلام الشهال والشيخ عمر بكري فستق، والتي أعلنت دعمها للتحركات الشعبية المعارضة للنظام السوري وشاركت في المسيرة التي دعا إليها الحزب يوم الجمعة الماضي، فإن بقية القوى الإسلامية تقف حائرة تجاه ما يجري في سورية.

فالجماعة الإسلامية (وهي الإطار اللبناني لـ«الإخوان المسلمين») أصدرت بيانا أعلنت فيه دعمها للإصلاحات التي أعلنها الرئيس بشار الأسد، وتفهمها لمطالب الشعب السوري لكنها تواجه بعض الارتباك على صعيد تعاطيها مع التطورات السورية، فعلى الصعيد القيادي تحرص الجماعة على عدم اتخاذ أي مواقف تؤكد دعمها للتحركات الشعبية التي يشارك فيها الإخوان المسلمون السوريون، على أن ذلك لا يلغي وجود حالة من التعاطف لدى بعض قواعد الجماعة وكوادرها مع التطورات من سورية وتضامنهم مع الحراك الشعبي هناك، لكن الجماعة ونظرا لعلاقتها الجيدة مع القيادة السورية الحالية، ولدور سورية في دعم المقاومة وخصوصا حركة حماس، ولأنها لا تريد اتخاذ أي مواقف قد تورطها في صراع مباشر مع القيادة السورية الحالية، فهي حرصت على التعاطي بتوازن دقيق مع ما يجري في سورية والابتعاد عن المشاركة في أي نشاط داعم للحراك الشعبي في سورية، وموقف الجماعة يقترب من موقف حركة حماس، التي يوجد بعض قيادييها في دمشق، وقد أصدرت حماس بيانا أشادت فيه بمواقف القيادة السورية تجاه المقاومة، وأكدت أيضا على تفهمها لمطالب الشعب السوري الإصلاحية، وحقه بالتعبير عن مواقفه، وقد نفت الحركة صدور أي بيان باسم رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، ينتقد فيه المواقف التي أطلقها رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، المنددة بالنظام السوري والداعمة للتحركات الشعبية السورية. وكانت بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية قد نشرت بيانا باسم مشعل يندد فيه بمواقف القرضاوي، وقد أدت مواقف الأخير إلى حصول إشكالات وإرباكات داخل الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، فأعلن رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين (القريب من حزب الله) الشيخ حسان عبد الله تجميد نشاطه في الاتحاد احتجاجا على مواقف الشيخ القرضاوي الداعمة للحركات الشعبية في سورية والمنددة بالتحركات الشعبية في البحرين.

والمعروف عن تجمع العلماء أنه يضم علماء سنة وشيعة، وهو قريب من حزب الله وإيران، كما يضم علماء لهم علاقة جيدة مع النظام الليبي والسوري، كالشيخ عبد الناصر الجبري (المشرف على كلية الدعوة الإسلامية ورئيس حركة الأمة)، وقد عمد الشيخ الجبري إلى نشر مقال في جريدة «الثبات» الأسبوعية (التي يشرف عليها) دفاعا عن العقيد معمر القذافي، مما أدى لاستقالة عدد من مسؤولي الجريدة. وقد عمد التجمع للتضامن مع تحركات الشعب المصري والبحراني والتونسي، لكنه لم يقم بأي نشاط على صعيد التحركات الشعبية في سورية.

أما حزب الله فهو التنظيم الإسلامي اللبناني الأكثر قلقا مما يجري في سورية، نظرا للعلاقة التحالفية مع النظام السوري، ولدور سورية في دعم المقاومة وعلاقتها مع إيران، فالحزب عمد عبر وسائل إعلامه وتصريحات بعض قيادييه للدفاع عن النظام السوري، ولم يصدر أي بيان مؤيد للتحركات الشعبية السورية على الرغم من أنه دافع عن كل التحركات الشعبية في الدول العربية، وأقام احتفالات ولقاءات تضامنية معها.

ويتحدث المسؤولون في حزب الله في مجالسهم الخاصة عن اطمئنانهم لقدرة النظام في سورية في التعاطي مع الأزمة الداخلية، وهم يشيدون بالخطوات الإصلاحية التي يقوم بها الرئيس بشار الأسد، لكن ذلك لا يخفي حالة القلق الشديد لدى بعض كوادر الحزب من التطورات الجارية في سورية واحتمال تطور الأمور نحو حرب أهلية أو تقسيم أو عجز النظام عن استيعاب التحركات.

وقد أدت التطورات في سورية إلى دفع قيادة الحزب لاستعجال تشكيل الحكومة اللبنانية ومعالجة الثغرات والمشكلات التي تعيق التشكيل، لكن قدرة الحزب على مواجهة المشكلات بدت محدودة قياسا للدور الكبير الذي لعبه في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.

أما على صعيد التيارات السلفية الإسلامية، فباستثناء الشيخ داعي الإسلام الشهال، والشيخ عمر بكري فستق، اللذين أعلنا دعمهما للتحركات الشعبية في سورية، فإن بقية هذه التيارات تعيش حالة من الإرباك وعدم الوضوح في كيفية التعاطي مع التطورات السورية، ومع أن بعض هذه التيارات (كفتح الإسلام، والمجموعات السلفية الجهادية) لهم امتدادات داخل سورية (وهم متهمون من قبل النظام السوري بالمشاركة في العمليات العسكرية)، فإن معظم التيارات السلفية الأخرى تحرص على عدم اتخاذ مواقف معلنة مما يجري، وإن كانت لا تبدو بعيدة عن دعم هذه التحركات.

وتبقى بعض القوى الإسلامية القريبة من حزب الله والداعمة للنظام السوري، كحركة التوحيد الإسلامي (بشقيها: الشق الذي يرأسه الشيخ بلال شعبان، والشق الذي يرأسه الشيخ هاشم منقارة) وتيار الفجر الذي يرأسه الحاج عبد الله الترياقي وجبهة العمل الإسلامي، فقد حرصت هذه القوى على الدفاع عن دور سورية في دعم المقاومة، ورفضت المشاركة في أي تحرك مؤيد للتحركات الشعبية في سورية.

كل هذه المعطيات تكشف عن حجم الإرباك والانقسام الذي تواجهه القوى الإسلامية اللبنانية جراء الوضع في سورية، فجميع هذه القوى تراقب التطورات والأحداث وهي تنتظر ما ستؤول إليه الأوضاع هناك، لأن أي تطور خطر في الوضع السوري سيكون له تداعيات كبرى على صعيد الوضع الإسلامي في لبنان.