أوروبا تصعد الضغوط على دمشق.. و5 عواصم تستدعي السفراء السوريين للاحتجاج

مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: النظام يهتم بصورته.. والعقوبات ستثير انتباهه * مسؤول بريطاني لـ«الشرق الأوسط»: لم نتخل عن الدبلوماسية.. ولكن رد الفعل السوري سلبي

صورة مأخوذة من موقع «يوتيوب» تظهر دبابة للجيش السوري في مدينة درعا أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

بدأت الدول الأوروبية حملة ضغوط منسقة على النظام السوري لحثه على وقف العنف ضد شعبه، فاستدعت 5 دول أوروبية (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا)، مساء أول أمس، السفراء السوريين لديها، لإبلاغهم رسائل احتجاج وإدانات شديدة اللهجة، تسبق على الأرجح إقرار عقوبات أوروبية «انتقائية» على سورية تكون موازية للعقوبات التي تسعى الإدارة الأميركية إلى فرضها. وسيعقد اجتماع لهذا الغرض في بروكسل، غدا، على مستوى سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، للبحث في تحديد طبيعة العقوبات الممكن إقرارها.

وبحسب مصادر فرنسية واسعة الاطلاع في باريس، فإن بعض الدول الأعضاء، وخصوصا الدول الـ5 المذكورة، بصدد إعداد مروحة عقوبات واسعة؛ منها فردية تتناول من يعتبرهم الاتحاد مسؤولين عن عمليات قمع المحتجين، وأخرى عامة مثل وقف المساعدات الأوروبية لسورية، وربما الذهاب إلى تجميد اتفاق الشراكة.

وعلى الرغم من بدء البحث في فرض عقوبات أوروبية على النظام السوري، فقد أكد ناطق باسم الخارجية البريطانية، أمس، لـ«الشرق الأوسط» أن الاتحاد الأوروبي لم يتخل بعد عن الدبلوماسية، وقال إن لندن وباريس تتحدثان إلى المسؤولين في دمشق لإقناعهم بأن هناك «حلا آخر» غير العنف. إلا أن المسؤول البريطاني أضاف أن هذه المحادثات التي تجري عبر الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين الموجودين في دمشق، «لا تبشر بالخير»، وأن رد الفعل السوري ليس إيجابيا. وقال: «المؤشرات التي نحصل عليها من كلمات النظام وأفعاله، بالفعل لا تبشر بالخير، ولذلك نحن نتشاور مع الدول الأوروبية وواشنطن وتركيا وبلدان أخرى، لكي نتمكن بأسرع وقت ممكن، من فرض أكبر قدر من الضغوط على النظام، لكي نقول إن ما يحصل غير مقبول، والمجتمع الدولي مستعد للتصرف».

ويمكن للعقوبات الأوروبية التي قد تفرض على النظام السوري، وخصوصا الاقتصادية منها، أن يكون لها تأثير كبير على سورية، خصوصا أن الاتحاد الأوروبي يعتبر شريكها التجاري الأول. وعبر ناطق باسم الخارجية الاميركية، عن تفاؤله من أن تؤدي العقوبات الأوروبية، المحتمل فرضها على سورية، إلى «تغيير سلوك» النظام. وقال الدبلوماسي الأميركي لـ«الشرق الأوسط» في لندن، أمس: «إن الحكومة السورية حساسة جدا لصورتها في الخارج، وتهتم لها، وقد قامت بجهود كبيرة لإعادة بناء الجسور مع بلدان أوروبية؛ إن كان في العلاقات التجارية أو العلاقات الدبلوماسية، كما خطت خطوات باتجاه إصلاحات اقتصادية». وأضاف: «لذا؛ أعتقد أنهم سيأخذون أي عقوبات إضافية، خصوصا اقتصادية، بشكل جدي، وأتوقع أن يحصل ذلك على انتباههم».

ويأتي ذلك في وقت ينعقد فيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في جلسة خاصة غدا في جنيف، لبحث الوضع المتردي في سورية بعد أن أيد عدد كاف من الدول طلبا تقدمت به الولايات المتحدة. وقال مسؤولون في المنظمة الدولية في بيان إن الطلب الذي تقدمت به الولايات المتحدة لعقد جلسة طارئة للمجلس الذي يضم 47 عضوا نال موافقة 16 دولة منها بريطانيا وفرنسا واليابان. وقال مسؤول بريطاني لـ«الشرق الأوسط» إن الجلسة ستركز على تدهور حقوق الإنسان في سورية، مشيرا إلى أن لندن «ستدفع المجلس نحو تنبي قرار قوي جدا ليظهر أن المجتمع الدولي موحد حول دعم حقوق الشعب السوري وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي رأيناها».

وكانت الخارجية البريطانية قد استدعت السفير السوري في لندن، سامي خيامي، مساء أول من أمس، واجتمع بالوكيل الدائم في الخارجية، سيمون فريزر، وأبلغه إدانة بريطانيا «استعمال العنف غير المقبول ضد المتظاهرين، وخصوصا لجهة نشر الجيش في درعا ودوما، وارتفاع عدد القتلى خلال الأيام الماضية». وجاء في بيان صدر، أمس، عن الخارجية البريطانية، أن الخطوة جاءت بالتنسيق مع عدد من البلدان الأوروبية، «للتشديد على عمق قلق المجتمع الدولي حول أعمال القمع الوحشية في سورية».

وقال البيان إن فريزر «كرر دعوته إلى الحكومة السورية لوقف فوري للاعتداءات على المتظاهرين ولجم قوات الأمن والجيش، وأعلن أن المسؤولين عن العنف ضد المدنيين يجب محاسبتهم». وأضاف أن المسؤول البريطاني «قال إنه من الأساسي أن تستجيب الحكومة السورية لمطالب الشعب السوري بالإصلاحات لا القمع».

وأصدرت الخارجية الفرنسية بيانا شبيها، أمس، وقالت إن باريس «في بادرة منسقة مع بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا» استدعت السفيرة السورية لمياء شكور، التي استقبلها السفير هيرفيه لادسوس، مدير مكتب الوزير ألان جوبيه الذي كرر أمامها «إدانة فرنسا الشديدة تصاعد أعمال القمع ضد السكان». وعاد لادسوس إلى ما قاله الرئيس نيكولا ساركوزي في روما، أول من أمس، عن أن استخدام العنف الذي أودى بحياة مئات الأشخاص «أمر لا يمكن قبوله».

وارتفعت في باريس في الساعات الأخيرة أصوات تنادي بمواقف أكثر صرامة من النظام السوري. وترى مصادر فرنسية معنية بالملف السوري، أن دمشق «حسمت أمرها واختارت طريق القمع، وهو أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عنه»، خصوصا بعد الدور الريادي الذي قامت به فرنسا في الموضوع الليبي، حيث كانت السباقة إلى دعوة مجلس الأمن إلى فرض عقوبات اقتصادية وتجميد الأموال والسماح باللجوء إلى القوة والقيام بأول عملية قصف جوي في محيط بنغازي لوقف تقدم القوات الموالية للعقيد القذافي.

وفي لندن، بدا وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، وكأنه يرسل رسائل متناقضة للنظام السوري؛ فبعد يوم من حديثه عن إمكانية فرض عقوبات أوروبية ضد النظام، قال، أمس، إنه لا تزال الفرصة سانحة أمام الرئيس السوري، بشار الأسد، لتطبيق الإصلاحات التي وعد بها عند تسلمه السلطة، مشيرا إلى أنه لا يزال ينظر إليه على أنه «وجه إصلاحي»، وأن المجتمع الدولي لا يطلب منه الرحيل الآن.

إلا أن ناطقا باسم الخارجية البريطانية أكد أن التضارب في الرسائل التي تبعثها بريطانيا، هو مقصود، وقال: «سورية تقف على مفترق طرق، هناك فرصة للأسد والمقربين منه أن يخطو خطوة إلى الوراء والابتعاد عن الخطوات القمعية التي نراها في الأيام والأسابيع الأخيرة، والنظر إلى حوار حقيقي وإصلاح حقيقي، ولكن إذا كان النظام مصمما على البقاء على خط القمع، فسيجد أن أوروبا والمجتمع الدولي على استعداد لاتخاذ خطوات قوية تجاه الأمر».

وكشف المسؤول البريطاني أن لندن تنشط على عدة خطوط لبناء إجماع لضرورة التحرك على مستوى المجتمع الدولي حول الأزمة في سورية، مشيرا إلى أن لا جدوى من أن تنظر بريطانيا إلى فرض عقوبات أو اتخاذ خطوات أخرى، بمفردها.

وانضمت ألمانيا، أمس، إلى بريطانيا وفرنسا في تكثيف الضغوط على سورية، وعبرت عن موافقتها على فرض عقوبات على النظام السوري. وقال شتيفن زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أمس، إن بلاده تؤيد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على القيادة السورية، وتريد أن تحاسب دمشق المسؤولين عن العنف ضد المتظاهرين. وأضاف في مؤتمر صحافي: «مثل هذه العقوبات يحتمل أن تقضي بفرض قيود على سفر ساسة سوريين بارزين وتجميد أصول وتجميد مساعدات اقتصادية تتدفق من أوروبا إلى سورية». وبعكس ما حصل في حالة ليبيا حيث أقر مجلس الأمن أولا عقوبات دولية، فإن مسارعة واشنطن والعواصم الأوروبية إلى فرض عقوبات قبل طرح الموضوع على مجلس الأمن الدولي، تعكس التخوف من معارضة روسية وصينية ولبنانية ومن «تردد» بعض الدول الأعضاء مثل جنوب أفريقيا والهند، مما سيستدعي مناقشات شاقة قد تطول أسابيع. ولذا؛ فإن واشنطن وباريس ومعهما العواصم الرئيسية قررتا سلوك الاتجاه الآخر بفرض عقوبات فردية أولا والسعي إلى تعميمها لاحقا.