استمرار الحصار على درعا ودوما.. ومنظمة إنسانية تعلن ارتفاع عدد قتلى المدنيين إلى 453 شخصا

السلطات السورية تستمر في بث «اعترافات لجماعات متطرفة» في درعا ومناطق أخرى

TT

لا تزال منطقتا درعا ودوما تربضان تحت حصار عسكري وأمني مشدد، فيما الحدود السورية ـ الأردنية شبه مغلقة منذ يوم الثلاثاء. وفي وقت شهدت مناطق متفرقة مظاهرات مناهضة للنظام، أعاد النظام السوري نشر «اعترافات لجماعات إرهابية» تحدثت عن دورها في الإضرابات في درعا ومناطق أخرى. ولا تزال الدعوات مستمرة عبر موقع «فيس بوك» للاستمرار في التظاهر لجعل يوم الجمعة «يوم الغضب»، إلا أن دعوات أخرى راحت تظهر لإعلان عصيان مدني عام.

وجاء ذلك في وقت قال فيه المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس إن 453 قتيلا من المدنيين سقطوا منذ بدء الحركة الاحتجاجية في 15 مارس (آذار) ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وقال رامي عبد الرحمن رئيس المرصد ومقره لندن، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن لديه قائمة بأسماء الضحايا المدنيين والمكان الذي سقطوا فيه.

واستمر أمس حصار منطقة دوما الواقعة في ريف دمشق، بالدبابات من كافة الجهات، ويدخل إليها حصرا أهالي دوما، كما يمنع الخروج منها، مع تعتيم إعلامي كامل على ما يجري هناك.

وقال شاهد لوكالة رويترز أمس، إنه رأى قافلة من 30 دبابة سورية على الأقل تتحرك على حاملات دبابات في الطريق الدائري بدمشق أمس. وأضاف أن الدبابات كانت قادمة من جنوب غربي دمشق في اتجاه مرتفعات الجولان الحدودية مع إسرائيل، ومرت بالطريق الدائري، وكانت تتحرك في الاتجاه المؤدي إلى ضاحية دوما الشمالية وإلى مدينة درعا الجنوبية. وتتمركز وحدات من الحرس الجمهوري حول دمشق. وتوجد فرقة آلية أخرى على بعد ما بين 20 و30 كيلومترا جنوب غربي العاصمة ومسؤوليتها الدفاع عن الحدود مع إسرائيل التي يسودها الهدوء منذ وقف لإطلاق النار توسطت فيه الولايات المتحدة عام 1947.

وقال شاهد عيان إن دوما منذ يوم الجمعة «معزولة تماما» حيث الاتصالات والكهرباء مقطوعة، وبعض المواد الغذائية الأساسية والأدوية، و«شهدت خلال الأيام الماضية إطلاق نار كثيفا مع حملة اعتقالات واسعة، والداخل إليها يتعرض لعملية تفتيش دقيقة لأجهزة الهواتف والكومبيوترات وكل شيء وإذا لم يكن دومانيا لا يسمح له بالدخول».

وعن درعا، قال مواطن من المدينة وصل إلى مدينة الرمثا الأردنية لقناة «بي بي سي» العربية، إنه وصل إلى أطراف درعا الساعة السابعة من صباح الثلاثاء، وأضاف: «سمعت إطلاق نار كثيفا من دبابات ومدافع قناصات، رش على كل شيء المواشي وكل شيء، النساء طلعن من المنازل وتم ترحيلهن، الفرقة الرابعة متواجدة هناك».

وفي تقرير للقناة ذاتها، وصف مواطن أردني مشاهدته في درعا التي مكث فيها 5 أيام، وقال: «هناك إطلاق نار على المساجد والمدارس، هناك انقطاع للمياه والكهرباء والاتصالات، بدءا من الثلاثاء والمواد الغذائية، والجيش يستهدف خزانات المياه، القتلى بالمئات والجثث توضع ببرادات الخضار والفواكه». وتحدث شاهد آخر من درعا لم يكشف وجهه، عما جرى الجمعة الماضي، وقال: «بعد الصلاة سلمية لم يحمل أحد أي حجر، وخلال نصف ساعة حصل إطلاق نار لا يوصف، واعتقالات وضرب».

وبينما لاحظ سكان منطقة ركن الدين في مدينة دمشق تواجدا كثيفا لقوى الأمن في عند التقاء شارع برنية مع ركن الدين، في ساعة متأخرة من ليل يوم أول من أمس الثلاثاء فجر الأربعاء، تحدث آخرون عن سماع إطلاق نار كثيف، تضاربت المعلومات حوله، فهناك من قال إنها تهدف لبث الذعر عند السكان وتثبيت الرواية الرسمية عن «ملاحقة المجموعات الإرهابية» قال آخرون إنه كان هناك فعلا ملاحقات. ولم تصدر أي معلومات حول أسباب إطلاق النار في هذه المنطقة.

كما تحدثت مصادر محلية عن عملية اقتحام منازل واعتقالات في منطقة حرستا، وهناك حواجز تفتيش على كافة مداخل حرستا، وحتى المنافذ البرية مغلقة وتوجد عناصر أمن عندها. ويوم الاثنين الماضي «خرجت مظاهرة ليلية بحرستا كانت تنوي التوجه إلى دوما لفك الحصار، إلا أن المتظاهرين لم يتمكنوا من ذلك بسبب الكثافة الأمنية وإطلاق النار». وفي مدينة التل في ريف دمشق خرجت مظاهرة ليلية مساء الثلاثاء، وهتف المتظاهرون «لو قتلوني بالمدفع عن الحرية ما برجع» و«الشعب يريد إسقاط النظام».

وفي دير الزور، قال ناشطون على الـ«فيس بوك» إن شعبة حزب البعث العربي الاشتراكي استدعت الشباب العاملين في حزب البعث وطلب منهم الانضمام إلى قوات الأمن لقمع المتظاهرين، وتم عرض أسلحة عليهم، لكنهم رفضوا رفضا قاطعا. ولم يتم التحقق من هذه المعلومة في ظل التعتيم الإعلامي الذي تفرضه السلطات السورية والتي راحت تتجه نحو تقطيع أوصال المدن والأحياء لمنع التقاء المتظاهرين أو الانضمام إلى بعضهم بعضا، سواء بين الأحياء أو المدن، من خلال إقامة حواجز تفتيش، وسواتر من أكياس رمل.

وفي الرقة، قالت مصادر محلية إن فروع ومقرات الحزب (الحاكم) تكدست بالأعلام وصور الرئيس والعصي، استعدادا ليوم الجمعة الذي من المتوقع أن يكون جمعة غضب، حيث من المنتظر أن يكرر السيناريو ذاته، وهو إخراج مسيرات مؤيدين مسلحين بالعصي للهجوم على المتظاهرين.

وفي اللاذقية، قال ناشطون في تقرير موثق بصور فوتوغرافية بث على موقع «يوتيوب» إنه اشتد الخناق على المتظاهرين وتم تقسيم المناطق التي تشهد مظاهرات إلى قطاعات تخضع لرقابة شديدة، كما تم نشر قوات للجيش في ساحة أوغاريت وسط اللاذقية، وتمت حمايتهم بسواتر رملية. وفي منطقة مخيم الرمل، تمت محاصرة مداخلها الثمانية من قبل الجيش. في منطقة الصليبة ومشروع الصليبة التي انطلقت منها المظاهرات، شوهد تواجد كثيف للأمن. وفي منطقة الشيخ ضاهر، شوهدت حراسة مشددة لتمثال الرئيس السابق حافظ الأسد.

وفي حمص، ورغم التشديد الأمني والحصار، لا تزال المظاهرات تخرج في بعض الأحياء كلما توفرت الفرصة لذلك. وخرجت يوم أمس مظاهرة في حمص باب سباع للتضامن مع دوما ودرعا وجبلة وكل المدن المحاصرة.

في غضون ذلك، قال مصدر عسكري سوري مساء أول من أمس إنه تم «إلقاء القبض على عناصر بعض الخلايا الإرهابية في مدينة درعا، وإنهم يخضعون للتحقيق حاليا، كما تم ضبط كمية من الأسلحة والذخيرة المتنوعة». وأكد المصدر في خبر نقلته وكالة «سانا» الرسمية، أن «وحدات الجيش في مدينة درعا وريفها تابعت مهمتها بملاحقة المجموعات الإرهابية المتطرفة التي طالما استهدفت بعض المواقع العسكرية والقوى الأمنية». وأوضح أن هذه المجموعات قامت «بقطع الطرقات العامة في أكثر من مكان وإجبار المارة على التوقف والاعتداء عليهم بالضرب بعد تجريدهم من حاجياتهم بهدف الترويع وزرع الخوف في نفوس المواطنين». واتهم المصدر تلك «المجموعات بالاعتداء على بعض النقاط العسكرية تجاه الجولان المحتل ما أسفر عن سقوط 3 شهداء و15 جريحا في صفوف الجيش والقوى الأمنية.. ووقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإرهابية المتطرفة».

وفي الإطار نفسه، بث التلفزيون السوري مساء أول من أمس «اعترافات» لشخص قال إنه يدعى مصطفى بن يوسف خليفة عياش وصفه التلفزيون السورية بأحد «أعضاء خلية إرهابية متطرفة ألقي القبض عليها في درعا». وبحسب ما جاء في تقرير التلفزيون السوري ظهر خليفة عياش ليقول: «إنه يسكن في درعا منشية البلد وكان يرى الناس تذهب للجامع العمري وتشارك وتلتقي الشيوخ ومنهم الشيخ أحمد الصياصنة والشيخ مصلح والشيخ رزق». وقال إنه من «بين هؤلاء الشيوخ من كان يدعو إلى تهدئة الوضع ومنهم من يدعو إلى الجهاد قائلين لهم إن من في مواجهتنا هم صهاينة وإن من يموت هو شهيد ونحن نسمع نداءاتهم ومنهم من نعرفهم ومن لا نعرفهم». وقال خليفة عياش أمام الكاميرا إن شخصا اسمه إبراهيم النايف مسالمة أعطاه مبلغا من المال وقدره 50 ألفا وطلب إليه «الخروج إلى الجهاد».

وأضاف خليفة عياش: «سألت إبراهيم مسالمة من الذين يجب أن نقتلهم فالجميع إخوتنا؟ فقال لي هل تعرف بقدر ما يعرف الشيخ أحمد الصياصنة الذي أفتى بأن هؤلاء هم صهاينة ونحن تسلحنا صغارا وكبارا وحتى الطفل الذي يبلغ من العمر 5 سنوات». وقال خليفة عياش «وعدني إبراهيم مسالمة بإعطائي مليون ليرة بعد انتهاء المظاهرة وقدم لي مبلغا مقدما قدره 50 ألفا ووعدني بإعطائي باقي المليون بعد انتهاء المظاهرة لافتا إلى أن كميات السلاح كبيرة جدا وعدد الأشخاص أكثر من 500 شخص».

وعرض التلفزيون صورا لخمس موقوفين قال إنهم «خلية إرهابية متطرفة» ألقي القبض عليها في درعا، كما عرض صورا لأسلحة أوتوماتيكية رشاشة وقناصات ومسدسات وكمية كبيرة من الذخيرة. قال إنهم عثروا عليها عند «الخلية الإرهابية».

كما ذكر التلفزيون السوري أنه في مدينة جبلة تم إلقاء القبض على «مجموعة إرهابية متطرفة» كانت تقوم «بإطلاق النار على المواطنين والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة» وتم ضبط أسلحة حربية بحوزتهم مزودة بمناظير ليلية وقنابل يدوية ومواد متفجرة. من جهة أخرى، نقلت وكالة سانا عن مصدر عسكر ي مسؤول نفيه لحصول انشقاق بين وحدات الجيش السوري، معتبرا أن الأخبار التي دأبت بعض الفضائيات «المغرضة» في الآونة الأخيرة على بثها «تسعى للنيل من سمعة المؤسسة العسكرية ولحرف الأنظار عن حقيقة مخطط المؤامرة...» وفي سياق آخر، قالت «سانا» إن المجند عمر عويجان توجه إلى القناة الفضائية السورية لينفي ما قيل عنه في بعض القنوات الفضائية عن «قيام قوات الأمن بقتله». وفي حديث مع الفضائية السورية قال المجند عويجان «إنه كان في إجازة لرؤية أهله عندما سمع من زملائه أنه قتل على يد الأمن السوري» وقد توجه مباشرة مع أخيه إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون في حمص لتكذيب الرواية.