فروق التوقيت في بيانات الجيش تثير حيرة المصريين

بين صرامة «كله تمام يا أفندم».. ومرونة «كله ماشي»

TT

في الجيش يقولون «كله تمام يا أفندم»، وفي الشارع المصري يقولون «كله ماشي».. لكن بين طرفي هذه المعادلة الصارمة من ناحية، والرخوة من ناحية أخرى، ظلت شيماء، الزوجة الشابة، تتابع بقلق بالغ وسائل الإعلام المصرية والعربية، كل يوم تتنقل بين المحطات الفضائية، متلهفة لأن تلتقط بصيصا من النور يطمئنها على وضع زوجها المهندس المصري المغترب في دولة الإمارات العربية منذ ثلاث سنوات، حتى يتمكن من توفير حياة كريمة لها ولابنتها ذات العامين، إضافة إلى والديه اللذين يعولهما.

زاد توتر شيماء إشاعات تناثرت هنا وهناك حول توتر ما في العلاقات بين البلدين، وكلام عن أن آثاره ستنعكس بقوة على العمالة المصرية هناك. ولم تفلح في تهدئة شيماء تصريحات متتابعة لوزير الخارجية ثم رئيس الوزراء المصري، وكذلك تصريحات مؤكدة من وزارة الخارجية الإماراتية وسفيرها في القاهرة، فرغم تقديرها البالغ لهذه التصريحات، فإن هاجس الخوف ظل كما هو، خاصة أن الوضع الراهن في مصر، لا يزال ينهض بصعوبة من عباءة ثورتها المباغتة، وفي ظل تداعيات ملتبسة أحيانا، تتسارع وتيرتها في الداخل والخارج.

لم تهدأ شيماء أو يرتاح لها بال إلا بعد سماعها بيانا للجيش المصري صدر منذ يومين أكد فيه على هدوء الأوضاع.. ما جعلها تقول: «الآن فقط اطمأن قلبي». شيماء ليست الوحيدة من نوعها التي أصبحت تستشعر الأمان في كنف الجيش، بل يشاركها في ذلك ملايين المصريين. ومن باب زيادة الأمان والمحبة، ينتقد - أحيانا - الكثيرون منهم بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليس من حيث محتواها، وإنما من حيث تأخرها عن رصد بعض الأحداث المهمة، في الشارع المصري وعلى الصعيدين العربي والدولي، والرد عليها بصورة قاطعة.. تفسر شيماء هذا الأمر بجملة دالة ومقتضبة قائلة «الجيش ما بيعرفش يمسك العصا من الوسط».

وقريبا من رأي شيماء يرجع محللون سياسيون هذا التأخر إلى أنه نوع من أنواع الرصانة الزائدة التي يمتاز بها العمل العسكري في كل الدول، لكن البعض رأى أنها تمثل فجوة في التوقيت بين الجيش والشارع، أحيانا لا تتحمله بعض الأوضاع الراهنة، مطالبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسؤول عن إدارة شؤون البلاد بالتفاعل بصورة أسرع لحماية المواطن من الوقوع تحت طائلة البلبلة التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. واستشهدوا بعدة مواقف برزت فيها تلك الفجوة، من بينها تأكيدات المجلس العسكري على محاسبة رموز النظام السابق، وكذلك تأكيده على وجود الرئيس السابق حسني مبارك في مدينة شرم الشيخ (قبل البدء في إجراءات التحقيق معه).. وظهر آخرها في البيان الذي حمل عنوان «الرسالة رقم 41»، مؤكدا عدم صحة ما يثار عن تعرض مصر لضغوط خارجية من السعودية أو الإمارات خلال الفترة الأخيرة. وأشار إلى متانة العلاقات معها ودور مصر القومي في الحفاظ على أمن الخليج.

منذ مطلع الثورة أشار المجلس إلى حرصه على عدم التدخل في السياسة الإعلامية لكافة وسائل الإعلام، والتي تنشر ما تراه مناسبا ومتوافقا مع سياستها الخاصة، بكل الحرية. على أن تتحمل تبعات ما تنشره أمام الرأي العام، وفقا لقواعد الحرية، موضحا أن المجلس يتبع الشفافية المطلقة في تعامله مع الجماهير، ودعمه الصادق للإعلام المصري. كما أهاب في معظم رسائله بوسائل الإعلام تحري الدقة في الأنباء التي ينشرونها.. وأفرد المجلس رسالته رقم «42» للتأكيد على اهتمامه بالتواصل مع الشعب المصري، فيما يخص نشر الحقائق والرد على الإشاعات التي من شأنها الإضرار بمنجزات الثورة، وإثارة الفتنة بين الشعب والجيش.

رغم هذا، يتخوف البعض، من أن يؤدي هذا التأخر النسبي في التعامل مع الأمور الحساسة إلى رواج سوق الإشاعات، ما يعرض الثقة في المجلس العسكري للاهتزاز.. في المقابل يرى كثيرون من العاملين في المجال الإعلامي أن تأخر تعليقات الجيش الحاسمة، وما سموه بـ«فارق التوقيت» بين المجلس العسكري والمواطنين، يفتح ثغرة لـ«بعض أصحاب المنافع»، أو من أطلق عليهم الثورة المضادة، لإثارة البلبلة، مؤكدين أن الإعلام لا يجب تحميله مسؤولية ترويج الإشاعات، لأن الإعلام يلاحق الخبر.

ويشير الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إلى أن وسائل الإعلام تحتاج إلى الموازنة بين السبق والمصداقية، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «التحقق من الخبر قد يسفر عن ضياع السبق الصحافي في كثير من الأحيان، ولكنه دائما ما يحتفظ باحترام المتلقي».

ويؤكد علم الدين أنه «لا يوجد تأخر في ردود فعل الجيش، والتي تحتاج في أغلبها إلى روية ودراسة قبل اتخاذ القرارات، وبخاصة في فترة مثل التي تمر بها مصر حاليا، تحتاج إلى إدارة متعقلة للأزمات لا يصلح فيها التسرع»، مضيفا «أن كثيرا من المواقف تكون غير معلنة لأسباب لا نحيط بها علما بصورة كاملة.. ولا يجب أن نضغط على الجيش للتعجل، فهو الوحيد المسؤول عن سلامة هذا البلد، وهو أدرى في هذه المرحلة الدقيقة بالتوقيتات المناسبة لكل إعلان».

المفهوم نفسه أكده أحد الخبراء الأمنيين، طالبا عدم ذكر اسمه، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المجلس العسكري أحيانا يتروى في قراراته حتى يدرس بعض الأمور ذات الحساسية، لأنه مسؤول عن إدارة شؤون البلاد. وهو يبحث عن الطريقة المثلى للوصول إلى بر الأمان، خاصة أنه وضع في موقف لا يحسد عليه، فالجيش أولا وأخيرا له خبرة عسكرية، وحين يطلب منه ممارسة أعمال ذات طابع سياسي، فيجب أن نلتمس له العذر في التأخر قليلا لوزن الأمور».