سفير مصر السابق في تل أبيب: «أم الرشراش» ليست مصرية.. وأشرف مروان لم يكن جاسوسا

محمد بسيوني لـ«الشرق الأوسط»: مبارك لم يقدم أي تنازلات لإسرائيل.. وإيران لها آيديولوجية فارسية .. وأرفض إلغاء معاهدة السلام

محمد بسيوني
TT

في منزله الفخم الذي يغلب عليه طابع الثقافة الشرقية بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، تحدث السفير محمد بسيوني، الذي شغل منصب سفير مصر لدى إسرائيل عشرين عاما متواصلة، عن مستقبل العلاقات المصرية - الإسرائيلية، وعن ظهور التيارات الدينية السلفية في بلاده بشكل لافت بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

كان بسيوني يجلس في صالون بيته بجوار مكتبته الضخمة التي تحتضن كتبا من مختلف مناحي المعرفة، وقال في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» إن مصلحة مصر هي التي حكمت علاقة مبارك بإسرائيل، وأنه لم ير الرئيس السابق يقدم لها أي تنازلات، وأضاف أن إسرائيل كانت تؤيد النظام السابق لأنه يحافظ على معاهدة السلام.

وأضاف بسيوني قائلا إن أرض «أم الرشراش»، التي يقول معارضون مصريون إنها أرض مصرية استولت عليها إسرائيل، ليست أرضا مصرية، مشيرا من خلال خبرته وعمله في إسرائيل إلى أن أشرف مروان صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي لقي مصرعه في لندن قبل ثلاث سنوات، لم يكن جاسوسا لتل أبيب.وإلى تفاصيل الحوار:

* خدمت في الجيش المصري، وعملت لفترة كبيرة في المخابرات العامة، كما عملت لفترة طويلة في السلك الدبلوماسي، إلى أي مدى ترى مستقبل المشهد السياسي في مصر؟

- مستقبل مصر الآن في مرحلة الصياغة والإعداد الدقيق. نظام الحكم الرشيد يستلزم ثلاثة أركان: التطبيق الديمقراطي الصحيح وعدم تأليه الفرد، والشفافية، والمسائلة. والقاطرة التي تدفع كل ذلك هو العلم والبحث العلمي. وهي الأسس الواجب البناء عليها من أجل إقامة دولة مدنية حديثة. وأنا أري أننا على الطريق الصحيح. الانتخابات المتتالية وصياغة الدستور الجديد وفق الجدول الزمني المعلن سيجعل مصر تنتقل إلى مصاف الدول الحديثة.

* هل تري أن فترة الستة أشهر الانتقالية المعلن عنها كافية؟

- أتمنى أن تحقق الفترة المقبلة أهدافنا. وإذا لم تتحقق في التوقيت الزمني المطروح، وكان الوقت غير كاف، فما المانع من مد الجدول الزمني حتى نضمن التطبيق الديمقراطي الصحيح. لا خوف من المجلس العسكري (الحاكم)، لأنه عازف عن الحكم تماما، ويريد إنهاء مهمته الوطنية في أسرع وقت والعودة لثكناته، هم ناس على خلق كريم، فلماذا لا نمد الفترة الانتقالية إذا استدعى الأمر ذلك؟

* مع ازدياد المد الإسلامي المتنامي، وازدياد نفوذ التيار السلفي، يتخوف البعض من سيطرة الإسلاميين على حكم مصر. كيف ترى هذا الأمر؟

- أولا الإخوان المسلمون جزء أصيل من النسيج الوطني المصري إذا التزموا بالقانون، وأما بالنسبة للسلفيين، فأنا لا أقبل التشدد والتطرف، وهذا ليس من الدين في شيء. التطرف غير مطلوب في أي مجال، خاصة في تلك الأيام الصعبة، والفيصل هو القانون، ومن يخالفه عليه تحمل العقوبات. الرأي العام المصري خاصة، والشرقيون عموما، أقرب للدين، وأنا لا أعارض مشاركة «الإخوان» في الحكم ما دام أنهم جاءوا عن طريق العملية الديمقراطية والقانون، ولكن كل هذا سيتوقف على البرنامج الانتخابي الذي لا بد أولا أن يراعي نظام الحكم الرشيد.

* كرئيس سابق للجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى.. البعض يردد أن الأمن القومي المصري على المحك وأن التراب المصري مخترق، ما تعليقك؟

- من منطلق خبرتي.. اكتشاف هذه المخالفات يدل على نشاط الأجهزة الأمنية المصرية، وهو دليل على كفاءتها. أما الشبكات (التجسسية) نفسها فهي لغرض جمع المعلومات التي لا تستطيع جمعها من خلال الإعلام، فيمكنك الحصول على 95% من المعلومات من الإعلام ولكن تتبقى 5% لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال الخلايا السرية.. إسرائيل تتجسس على حاميتها الولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن تتجسس علينا لجمع المعلومات، ولكن الأهم هو قدرتنا على تعقب ذلك، ونحن نحقق نجاحا منقطع النظير في الكشف عن كل جواسيسهم.

* كيف كانت إسرائيل تنظر للرئيس المصري السابق حسني مبارك، ولماذا تعتبر إسرائيل غياب مبارك خسارة لها، وهل تعتقد أن تل أبيب كانت تدعم مشروع التوريث؟

- الإسرائيليون بوجه عام لديهم عاطفة قوية تجاه مصر وكل ما هو مصري، لسببين: زيارة الرئيس السادات لإسرائيل عام 1977، وهي الزيارة التي أعقبها السلام مع إسرائيل، ومن ذلك الحين يعتبرون مصر شريك السلام الأهم.. السبب الثاني، لأن الحاخامات (في إسرائيل) يرون أن مصر استقبلت سيدنا يعقوب وذريته 400 عام، لذلك يوصون بحسن معاملة مصر لاستضافتها اليهود كل تلك الفترة، وهي معلومات لا يعرفها كثيرون. أما النظرة الخاصة لحسني مبارك فجاءت لأنه يلتزم باتفاقية السلام. وللتاريخ؛ لم أر أي تنازلات من مبارك لإسرائيل.

* البعض يقول إن مبارك تساهل كثيرا مع تل أبيب، ويدللون على ذلك مثلا بأنه استقبل رؤساء وزراء إسرائيل عشية قتل الجيش الإسرائيلي جنودا مصريين على الحدود، وكذا أثناء العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين؟

- أرجو أن يفهم من كلامي أنني شاهد على التاريخ. وأنا لا أنافق أحدا، لأنه لا مجال للنفاق الآن أصلا. استقبال (مبارك) لهم في المقام الأول جاء للحفاظ على المسيرة السلمية. العلاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل تختلف عن أي علاقات ثنائية أخري، لأن لها بعدين مميزين؛ أولا عملية المسيرة السلمية، ولا بد أن تحتفظ بعلاقات جيدة مع تل أبيب وبخطوط اتصال قوية لتخدم العرب أولا خاصة في ظل وجود أراض عربية ما زالت تحت الاحتلال وملفات شائكة كثيرة.. النقطة الثانية هي العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي علاقات لا بد أن تمر عن طريق إسرائيل، والفيصل في علاقتنا مع إسرائيل هو أين المصلحة الوطنية والقومية والأمن القومي المصري.

* ما تعليقك على بعض التقارير الصحافية التي رددت أن تل أبيب هي التي طلبت مد خدمتك في إسرائيل لتصل في نهاية المطاف إلى 21 عاما؟

- هذا كلام غير صحيح إطلاقا. إسرائيل دائما تخشى أي رجل قوي ومحترم وفاهم مهمة عمله، ومن ثم تبدأ في محاربته. ودعني أقل لك إنني، ولعشرين عاما، وضعت أمامي لافتة وهي: «أين مصلحة مصر؟» وهي الجملة التي حكمت كل تصرفاتي خلال وجودي في تل أبيب. تتدهور المسيرة السلمية، وتتناقص المطالب العربية رويدا رويدا. هل خسر العرب تلك اللحظة التاريخية التي وفرها السادات عام 1979. بعد ثلاثين عاما.

* متى فكرت في الاستقالة من منصبك كسفير مصري لدى إسرائيل؟

- لم أفكر مطلقا في الاستقالة من منصبي. لا يمكن لرجل القوات المسلحة أن ينسحب أبدا. أنا جندي أخدم الوطن حيثما تطلب مني القيادة ذلك. حاربت كجندي في حربين وشاركت في الإعداد لحرب أكتوبر، وعندما طلب مني الذهاب لتل أبيب اعتبرتها حربا من نوع آخر؛ حرب سياسية بالأفكار لا السلاح.

* كيف تفسر الهجوم على إسرائيل واتفاقية كامب ديفيد من بعض ممن يعتزمون الترشح للرئاسة المصرية؟

- الرأي العام المصري يرضيه إثارة موضوع إسرائيل، لذا فالمرشحون يحاولون اللعب على ذلك الوتر الحساس لإرضاء الجمهور، ولكن لا بد أن يعالج الموضوع بطريقة أكثر جدية.

* البعض يعارض معاهدة السلام ويريد إلغاءها، بدعوى تضرر مصر منها وانتهاك إسرائيل المتكرر لها. أين يقع موقفك من إلغاء الاتفاقية؟ وما مقترحاتك لتعديلها؟

- مبدئيا أرضيتنا المشتركة هي المصلحة الوطنية. أعتقد أن المعاهدة حققت لنا مكاسب مهمة: أولا: تحرير أرض مصر. ثانيا: إخلاء كل مستوطنات سيناء وهو مبدأ في كل الجبهات الأخرى. ثالثا: استرداد حقول البترول. رابعا: انتظام الملاحة في قناة السويس. خامسا: تقليل ميزانية المجهود الحربي. سادسا: ازدياد الاستثمار الأجنبي في مصر. هي نظرية سياسية «Game Win - Win»، فكلانا ربح من المعاهدة. السياسة هي لعبة الأذكياء، فلا بد أن تكون كل الأطراف رابحة، لذا فأنا ضد إلغاء المعاهدة تماما. الذين يعارضون معاهدة السلام لم يقرأوها وأنصحهم بقراءتها أولا. أما بالنسبة للتعديلات التي يمكن طرحها، هي الترتيبات الأمنية.. ولعلمك الترتيبات الأمنية تحقق الحد الأقصى، ووضع سيناء دفاعيا أفضل من وضعنا قبل يونيو (حزيران) عام 1967 وفي حال الحرب يمكننا تحريك عدد أكبر من القوات من الضفة الغربية.

* لو كان الأمر بيدك، هل كنت ستوقع اتفاقية تصدير الغاز وتعقد اتفاقية الكويز (الاقتصادية) مع إسرائيل؟

- دعني أوضح أولا أنه لا يتم توقيع أي اتفاقية إلا بعد مناقشتها من منظور الأمن القومي المصري ومن ناحية علمية، وما دامت الاتفاقيتان في صالح المصلحة الوطنية فأنا أؤيدهما.

* يقال إن جزءا من أرض مصر ما زال محتلا هو منطقة «أم الرشراش»، المجاورة للحدود المصرية - الإسرائيلية. كيف يمكن استعادتها من وجهة نظرك؟

- الحقيقة أنها ليست أرضا مصرية ولم تكن كذلك، فمعاهدة السلام حددت الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل على أساس الحدود الدولية بين مصر وفلسطين زمن الانتداب، وخلاف ذلك يعتبر خارج الحدود المصرية والموضوع عكس قضية طابا تماما.

* في اعتقادك، هل كان أشرف مروان عميلا مزدوجا لمصر وإسرائيل؟

- لم يكن أشرف مروان عميلا لإسرائيل أبدا، ولكنه ساهم في خطة الخداع الاستراتيجي التي أدت لعبور الجيش المصري قناة السويس وتحقيق المفاجأة (ضد إسرائيل).

* وهل هذا يعني أنه كان على اتصال بتل أبيب؟

- كان هناك اتصال بينه وبين إسرائيل، ولكن تلك الاتصالات كانت تحت السيطرة التامة وبعلم المخابرات المصرية.

* مصر شنت هجوما إعلاميا على حزب الله، وأغلقت معبر رفح مع غزة. كيف ترى سياسات النظام السابق تجاه مثل هذه القضايا؟

- مصر قدمت وتقدم وسوف تقدم للفلسطينيين ما لم يقدمه أحد من قبل ولا من بعد، وهي قضية أمن قومي لنا. ومصر ملتزمة تاريخيا بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ونحن نعمل في ذلك المسار من ناحيتين؛ الأمن القومي، والتزامنا التاريخي تجاه الفلسطينيين. ومن المعيب التحدث عن تواطؤ مصري في القضية الفلسطينية. ولكن قناة «الجزيرة» تستغل موضوع المعابر في تصيد الهجوم على مصر، وتزايد على الدور المصري، و(تقول) إن مصر تستغل المعابر للتضييق على غزة، بينما غزة لها سبعة معابر، منها معبر واحد فقط على الجانب المصري وهو معبر أفراد في الأساس، فكيف نتهم مصر بمحاصرة غزة. وما من دولة تترك حدودها مفتوحة بلا ضوابط وروابط.

* كيف ترى العلاقات المصرية مع إيران؟

- مما لا شك فيه أن لإيران آيديولوجية فارسية تتعارض مع القومية العربية، ولكن لا داعي لأن نخلق منها عدوا. نحن نختلف على تسمية الخليج العربي، وبيننا مشكلات عديدة، لعل أهمها الجزر الإماراتية، ولكن لا داعي للتهويل.

* أخيرا.. هل كان ترشيح مصر الدكتور مصطفي الفقي لأمانة الجامعة العربية موفقا؟

- هو من المواضيع الداخلية التي لا أحب الخوض فيها، ولكن الأهم هو بقاء المنصب مصريا، ولكنني أعتقد أنه رجل يحمل خبرة وحنكة وثقافة تؤهله للمنصب الرفيع، وأنا أتمنى له التوفيق.