«القرني» أصغر معتقل بغوانتانامو.. قضيته انهارت بالقاضية بسبب تضارب المعلومات

محاميه: اعتقل في الـ11 من العمر واتهم بأن له علاقة بخلية إرهابية في لندن

محمد القرني
TT

وصفت وثيقة سرية السجين رقم 269 بسجن غوانتانامو، محمد القرني، باعتباره نموذجا للتهديد الإرهابي، وقالت إنه «انتحاري في تنظيم القاعدة» له صلات بخلية في لندن وعلاقات بمتآمرين كبار يخططون لأعمال تلحق دمارا شاملا في مختلف الأنحاء. لكن كان هناك مزيد في ما يتعلق بهذه القصة، كما هي الحال في الأغلب داخل سجن غوانتانامو بكوبا. وبعد مرور ثمانية أشهر على كتابة مسؤولين استخباراتيين عسكريين تقييما حول القرني، تم الكشف عنه أخيرا، قام قاض فيدرالي بفحص الأدلة السرية. وقال القاضي إن «الأدلة بها تناقضات» وتعتمد بدرجة كبيرة على شهادة محتجزين آخرين في غوانتانامو يشك في دقة كلامهما، وحكم في يناير (كانون الثاني) 2009 بإطلاق سرحان القرني. وقامت إدارة أوباما بإرساله إلى تشاد بعد نحو خمسة أشهر من صدور الحكم.

وقد عكس التقييم السري الخاص بالقرني، وكثير من ملفات المحتجزين الآخرين التي اطلعت عليها صحيفة «نيويورك تايمز» ومؤسسات صحافية أخرى، شكوكا قليلة في الخطر الذي ربما كان يمثله. فقد تم تصنيفه باعتباره «شديدة الخطورة»، وأوصى مسؤولون عسكريون بأن لا يتم إطلاق سراحه. ولكن الآن، عند مقارنة نتائج هذا التقييم بمعلومات أخرى نجد أمامنا نموذجا للغموض الذي يكتنف رجال كثر سجنوا في غوانتانامو.

لقد تم إبراز الجوانب الغامضة المتعلقة بالاستخبارات السرية - وحقيقة أن المحققين جمعوا الكم الأكبر من معلوماتهم من مخبرين داخل السجون - في تقارير صحافية، وأثار ذلك انتقادات شديدة من جانب جماعات حقوق الإنسان خلال الأيام الأخيرة. إلا أن بعض المعلقين ممن يقولون إن الحكومة واجهت صعوبات في فرز المعلومات الاستخباراتية في وقت الحرب، أشاروا إلى أن مثل تلك التقارير كانت في معظم الأحيان غير مؤكدة، نظرا لاعتمادها على معلومات قليلة وعلى تخمينات وروايات لشهود لهم أجندات خاصة.

وتساءل جيمس جاي كارافانو، خبير أمن قومي بمؤسسة «هيريتج فاونديشن» في واشنطن قائلا: «لماذا يشعر أحد هنا بالصدمة؟» وأضاف: «تكون الاستخبارات مبهمة في بعض الأحيان».

لم تكن قضية القرني هي القضية الوحيدة التي تنهار حينما تعرضت معلومات غوانتانامو الاستخباراتية للاختبار داخل المحكمة.

فلم يقتنع القضاة بأدلة الحكومة خلال العديد من القضايا لمعتقلين مثلوا أمام المحكمة للنظر في مشروعية احتجازهم، بمن فيهم قاضية فيدرالية أخرى قامت بإسقاط «90%» من التهم الموجهة ضد محتجز شاب من أفغانستان، يدعى محمد جواد، نظرا لاعتمادها على اعتراف أدلى به حكمت بأنه كان نتيجة لـ«عملية تعذيب». وتم إطلاق سراح جواد بعدها بوقت قصير.

وقد ذكر القرني، الذي كان أحد أصغر السجناء في سجن غوانتانامو، أنه تعرض لمعاملة سيئة في السجن، تضمنت الحبس الانفرادي والحرمان من النوم.

ويفيد التقييم الذي أعد عنه في مايو (أيار) 2008 بشكل واضح حقائق أساسية عنه: ولد في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية في عام 1981.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الوثيقة تحوي أدلة محدودة تفيد بأن حتى تلك البيانات ربما لا تكون مؤكدة. وفي مقابلة معه، أشار محامي القرني، كلايف ستافورد سميث، إلى المعلومات الواردة في ملف السجين بأنها «محض هراء». وقال إن القرني كان أصغر بست سنوات مما اعتقد الجيش. وهذا يعني أنه كان في سن الحادية عشرة وليس السابعة عشرة حينما تم اتهامه بأن له علاقة بخلية إرهابية في لندن. قال ستافورد سميث: «بعد مرور سبع سنوات على احتجازه، لم يدركوا حتى كم كان عمره».

ورد في الملف أنه في غوانتانامو اعترف القرني بأنه عضو في تنظيم القاعدة، ثم تراجع بعد ذلك عن أقواله. وجاء في نص الملف، مع شرح بسيط: «تم تقييم اعترافه الأول بأنه صادق».

وتم نسب أقوى البيانات الواردة في التقييم، التي كانت نمطا مميزا في العديد من الملفات، إلى محتجزين آخرين. وفي حالة القرني، كان اثنان منهما؛ هما محتجز يمني وآخر سعودي، أدليا بمعلومات إدانة تم إدراجها في العديد من الملفات.

وبالنسبة لملف القرني، قدم المخبران تفاصيل مهمة. فقد قال أحدهما ويدعى ياسين محمد باسردة، إنه استرجع ذكريات سفره مع القرني وغيره من أعضاء تنظيم القاعدة الآخرين. أما الآخر، عبد الحكيم بخاري، فذكر أنه سمع أن القرني كان عضوا في خلية إرهابية في لندن وزعم أنه «كان سيتغنى بما كان سيفعله ضد الأميركيين» لو تم إطلاق سراحه.

ولم تشر مزاعم الرجلين، منذ إطلاق سراحهما من غوانتانامو، إلى معلومات ربما يمكن أن تضع ادعاءاتهما الخطيرة في إطار سياق محدد واضح.

وحسب مستندات أخرى راجعها قضاة فيدراليون في إطار دعاوى قضائية، لم يكن باسردة مصدرا مطلعا يمكن الاعتماد عليه بسبب معاناته من مشكلات نفسية حادة. كما لم يساعد الرجوع إلى بخاري في تقديم توضيح مهم؛ فقد جاء في الملف الخاص به أنه ضلل المحققين بشكل متعمد و«لم تكن لديه ذكريات عن كثير من الأشياء مثلما ادعى».

وفي حين أثار ملف القرني مخاوف حول بعض الأدلة ضده، أثار أيضا بعض التساؤلات المهمة التي لم تتم الإجابة عنها. لقد زعم أنه كان يصلي في مسجد في كراتشي بباكستان، حينما تم القبض عليه بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وقد استبعد الملف تلك القصة، وأشار إلى أنه كان قد قبض عليه على يد القوات الباكستانية بصحبة مجموعة من المقاتلين في تنظيم القاعدة ممن كانوا يحاولون الفرار من معركة تورا بورا بأفغانستان في ديسمبر (كانون الأول) 2001.

وعلى غرار العديد من الملفات الأخرى، يرسم ملفه صورة للشك: رجل شاب في المكان الخاطئ وفي الوقت الخاطئ. وزعم أن اسمه كان مسجلا على جهاز كومبيوتر خاص بأحد الإرهابيين؛ فقد قيل إنه عنصر يتبع تنظيم القاعدة تربطه صلات بقادة؛ من بينهم أسامة بن لادن، وإنه قد تلقى تدريبا عسكريا، كما وصف بأنه معاد لحراس السجون.

وحتى بعد إطلاق سراح القرني، ما زالت هناك جوانب غامضة حوله. وقد أرسلته إدارة أوباما إلى تشاد، التي يحمل جنسيتها. وتشير وثائق حكومية حصل عليها موقع «ويكيليكس»، الخاص بتسريبات الوثائق السرية، وصحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن الحكومة الأميركية تتابع تعامل الحكومة التشادية مع القرني بعين الريبة.

* خدمة «نيويورك تايمز»