دخلت الأزمة اليمنية أمس نفقا جديدا بعد تبادل السلطة والمعارضة الاتهامات بالسعي لإفشال المبادرة الخليجية المقرر أن توقع بشكل رسمي الاثنين المقبل في العاصمة السعودية الرياض، فقد أدى مقتل وجرح العشرات من المتظاهرين في صنعاء وعدن، أول من أمس، إلى تأزم الموقف حيث اتهمت المعارضة اليمنية السلطة بالسعي للتنصل من اتفاق المبادرة الخليجية ولوحت بعدم الذهاب للتوقيع على الاتفاق إذا لم يتم إدانة قمع المتظاهرين وتوفير الحماية لهم من قبل «الأشقاء والأصدقاء»، هذا في وقت أعربت السفارة الأميركية في صنعاء عن استيائها لأحداث العنف الأخيرة.
وأثار قمع المتظاهرين أمام مبنى التلفزيون اليمني بصنعاء وفي منطقة العريش بعدن، وما أسفر عنه من مقتل 14 متظاهرا وجرح المئات برصاص قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي، وما يسمى بمجاميع «البلاطجة»، ردود فعل منددة من قبل الكثير من الأطراف في الساحة اليمنية، فقد وصفتها أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك بـ«المجزرة الوحشية» وبـ«بشاعة إجرامية صادمة للضمير الإنساني، تجعل منها جرائم ضد الإنسانية»، وقال بيان صادر عن اللقاء المشترك إن ما حدث «يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذا النظام لا يزال يناور ليقدم على المزيد من سفك الدماء، وأنه غير جاد في الالتزام بالاتفاقيات كما كان شأنه دائما»، وأضاف أن «إصراره على مواصلة سفك الدماء بمثل هذه الوحشية يضع جهود الأشقاء في الوصول إلى توقيع الاتفاق الذي أعلن موافقته عليه محل شك كبير، لما عرف عن هذا النظام من المراوغات والمناورات»، وهو ما يؤكد على أنه سيمضي في سفك المزيد من الدماء لإفشال الاتفاق».
وطالبت أحزاب المعارضة اليمنية «الأشقاء والأصدقاء بموقف جاد وواضح لا لبس فيه، إذا ما أريد للاتفاق أن يمضي إلى غايته بنجاح»، وهذا الموقف في نظر المعارضة هو «إدانة هذه المجازر التي ارتكبتها الأجهزة العسكرية والأمنية التي طالما حذرنا ونبهنا من أنها بقياداتها الأسرية والعائلية كانت وما زالت وراء ما أصاب هذا البلد من كوارث». وقالت إن «استمرار هذه القيادات العائلية على رأس هذه الأجهزة سيجعل أي اتفاق لإخراج البلد من أزماته غير ممكن»، واعتبرت أن «المهمة المباشرة للأشقاء والأصدقاء هي حماية المتظاهرين والمعتصمين سلميا»، وقالت أحزاب اللقاء المشترك إنه وفي حالة لم يتحقق ذلك فإنها وشركاءها «سيجدون أنفسهم غير قادرين على المضي في التوقيع على اتفاق تشير الدلائل على أن النظام يريد أن يوظفه لسفك المزيد من دماء الشعب».
في السياق ذاته دعا اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، قائد الفرقة الأولى مدرع، الذي انضم إلى ثورة الشباب، إلى «هبة شعبية لنجدة شباب اليمن وردع الظالمين القتلة الملوثة أيديهم بالدماء الطاهرة التي تسفك كل يوم على امتداد ساحات الاعتصامات في كل محافظات وطننا الحبيب»، وقال الأحمر في بيان صادر عن مكتبه، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن نظام صالح يسعى إلى تفجير الموقف عسكريا، وإن رجال الفرقة الأولى مدرع وفروع القوات المسلحة والأمن «حريصون على عدم إعطاء النظام وزبانيته الفرصة لتفجير الموقف عسكريا»، وندد اللواء الأحمر بـ«الممارسات الوحشية والمجازر البشعة التي يرتكبها النظام وجلاوزته وزبانيته وبلاطجته»، وحمل «رئيس النظام مسؤولية هذه المجازر والاعتداءات التي ترتكب في حق أبناء شعبنا ووطننا دون وازع من دين أو رادع من ضمير».
وفي المقابل أدان حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وحلفاؤه في أحزاب التحالف الوطني ما قالوا إن أحزاب اللقاء المشترك أقدمت عليه من «جريمة الدفع بعناصرها المسلحة وبعض المغرر بهم من الشباب إلى الاعتداء على الشباب المعتصمين في مدينة الثورة الرياضية والممتلكات العامة والخاصة»، وقال بيان صادر عن المؤتمر وحلفائه إن «هذه الأعمال التخريبية التي دفع بها (المشترك) تسقط مزاعم النضال السلمي التي يتشدق بها قادته وتندرج في إطار التصعيد المستمر من قبل تلك الأحزاب لارتكاب أعمال العنف وإشاعة الفوضى والإضرار بمصالح الناس وممتلكاتهم»، وإن «أحزاب (المشترك) تهدف من ممارسة هذه الأعمال إلى سقوط مزيد من الضحايا، بغرض إفشال مبادرة الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في اليمن»، وقال الحزب الحاكم إنه وحلفاءه متمسكون بالمبادرة الخليجية وبالتعامل الإيجابي معها «لإنهاء الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار وإزالة كل مظاهر التوتر والاختلالات الأمنية والأعمال الخارجة عن القانون».
إلى ذلك، أعربت السفارة الأميركية بصنعاء عن استيائها جراء «أعمال العنف في 27 أبريل (نيسان) مما أسفر عن مقتل وجرح المئات من المواطنين اليمنيين»، وقالت السفارة في بيان لها، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «من المثير للقلق أن أحداث العنف وقعت عشية توقيع اتفاق تاريخي بين الحكومة وأحزاب اللقاء المشترك، التي من شأنها تحقيق انتقال السلطة التي تؤدي إلى انتخابات رئاسية جديدة في يوليو (تموز) 2011 عن طريق الوسائل السلمية والديمقراطية والدستورية».
على الصعيد ذاته كشفت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني المعارضة عن إحصائية بعدد ضحايا قمع الاعتصامات والمظاهرات منذ بداية ثورة الشباب مطلع فبراير (شباط) الماضي، وذكرت اللجنة أن 419 قتلوا بالرصاص الحي، وأن أكثر 1700 شخص أصيبوا بالرصاص الحي أيضا، وأكثر من 11000 أصيبوا جراء الغازات السامة، إضافة إلى «الإخفاء قسرا لـ102 من المتظاهرين من ساحات الاعتصام».
وفي المقابل أعلنت وزارة الداخلية اليمنية، مساء أمس، أن 21 رجل أمن قتلوا منذ بدء الاعتصامات، وأن أكثر من 1000 آخرين جرحوا خلال الفترة الماضية.