روسيا تدعو دمشق للتحقيق في قتل المدنيين.. وباريس تطالب باستبعاد سورية من مجلس حقوق الإنسان

بعد يوم من فشل مجلس الأمن في الاتفاق على بيان إدانة للنظام السوري

صورة مأخوذة من موقع «يوتيوب» في تلكلخ أمس («الشرق الأوسط»)
TT

بعد يوم من فشل دول مجلس الأمن الـ15 في التوافق على إصدار بيان إدانة للنظام السوري، بسبب معارضة روسيا والصين ولبنان، دعت روسيا السلطات السورية أمس إلى معاقبة المسؤولين عن حملة قمعية عنيفة ضد المحتجين.

ونقلت وكالة «إيتار تاس» الروسية للأنباء عن أليكسي سازونوف المتحدث باسم الخارجية الروسية قوله إن على السلطات السورية تقديم الجناة للعدالة. وأضافت الوكالة نقلا عن سازونوف: «نعول على دمشق في إجراء تحقيق فعال وشفاف في كل الحوادث التي أدت إلى مقتل الناس وتقديم الجناة للعدالة». ومضى سازونوف يقول: «يجب استبعاد العنف ضد المظاهرات السلمية».

كذلك، قالت وزارة الخارجية الصينية أمس إن على سورية حل المشكلات التي تواجهها بنفسها من خلال المحادثات، في تبرير للسبب الذي جعلها تحجم عن المشاركة في مسعى أوروبي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة العنف هناك. وقال هونغ لي المتحدث باسم الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي دوري في بكين، تعليقا على فشل التوصل إلى إجماع في مجلس الأمن لإدانة سورية: «لم تتمكن الأطراف المختلفة من التوصل إلى توافق. شاركت الصين في المحادثات بموقف بناء». وأضاف: «نعتقد أن على كل الأطراف في سورية حل خلافاتها عبر الحوار السياسي والتعامل بشكل ملائم مع الأزمة الحالية والحفاظ على الاستقرار الوطني والنظام المعتاد».

وبعد فشل مجلس الأمن في الاتفاق على بيان إدانة، تتجه الأنظار اليوم إلى بروكسل حيث سيبحث الاتحاد الأوروبي موضوع فرض عقوبات اقتصادية ومالية على سورية، كما تتجه إلى جنيف حيث يعقد مجلس حقوق الإنسان اجتماعا يخصص للوضع في سورية بناء على طلب دول غربية بينها فرنسا.

وأعربت الخارجية الفرنسية أمس عن «أسفها» لعجز مجلس الأمن عن إصدار بيان يدين عمليات القمع بسبب المعارضة الروسية والصينية وبسبب «ابتعاد المواقف» بين من هو مؤيد ومن هو رافض. غير أن باريس لم تفقد الأمل من إمكانية دفع المجلس إلى اتخاذ موقف موحد رغم الصعوبات الكبيرة التي تحول دون ذلك. وقال الناطق باسم الخارجية برنار فاليرو في المؤتمر الصحافي الإلكتروني أمس إن بلاده تأمل أن يستطيع مجلس الأمن التوصل إلى موقف موحد «قريبا».

ولا تختلف نتيجة المداولات التي جرت في المجلس عما كانت تتوقعه باريس التي تعتبر أن ما كان ممكنا بشأن ليبيا لجهة إصدار قرارين دوليين (1970 و1973) يتيح أحدهما استخدام «الوسائل كافة» ليس متاحا في موضوع سورية «على الأقل في الوقت الحاضر». لكن المصادر الفرنسية تعتبر أن الأمور «يمكن أن تتغير في حال استمرار أعمال القمع الواسعة» ما سيدفع الدول المترددة إلى إعادة النظر في موقفها.

وترصد الأوساط المعنية بانتباه كبير ما سيحدث في المدن السورية اليوم عقب صلاة الجمعة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه ليل أول من أمس إن بلاده التي أدانت مجددا أعمال القمع، وتعمل على أربعة محاور: وطني، ودولي، وأوروبي وعلى مستوى مجلس حقوق الإنسان. وأكدت الخارجية أمس أنها طالبت المجلس المذكور الذي يلتئم اليوم في جلسة خاصة للنظر في الأوضاع في سورية، بأن «يوجه رسالة شديدة اللهجة» إلى سلطات دمشق يدين فيها بقوة «الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان». والأهم من ذلك، أن باريس كشفت عن مطالبتها أعضاء المجلس بعدم الاستجابة لرغبة سورية في أن تكون عضوا في مجلس حقوق الإنسان باعتبار أن عضوية كهذه ستكون «غير لائقة». ويفترض أن يعقد المجلس جلسة في شهر مايو (أيار) المقبل لانتخاب عدد من أعضائه.

وفي السياق عينه، طلبت باريس إطلاق سراح الصحافي الجزائري خالد سيد موهند المحتجز في سورية فورا، كما أعربت عن قلقها من الظروف الصعبة التي يعمل فيها الصحافيون السوريون والأجانب.

وحتى الآن، امتنعت فرنسا، التي كانت سباقة في الدعوة إلى التشدد مع النظام الليبي، عن تخطي «الخط الأحمر» مع سورية بحيث انحصرت مطالبتها في وقف القمع والاستجابة لمطالب المتظاهرين وإجراء إصلاحات جذرية. وكانت باريس أول من اعتبر أن العقيد القذافي «فقد شرعيته» لأنه أعطى الأوامر بإطلاق النار على شعبه.

وحتى وقت قصير، كان ثمة تيار في باريس يدافع عن الرئيس السوري ويعتبر أنه يرغب في إصلاح وبالتالي من «الضروري» إعطاؤه الفرصة لذلك. لكن تطورات الأيام الأخيرة دفعت باريس إلى حسم موقفها وإلى اتخاذ مواقف بالغة التشدد بعد أن بدأت تظهر في الأفق حملات سياسية وإعلامية تندد بـ«ازدواج المعايير»، مما دفع الرئيس ساركوزي والوزير جوبيه إلى التزام خطاب متصلب وتبني الدعوة لفرض عقوبات «انتقائية» على أعضاء في القيادة السورية وعلى الدولة السورية في إطار الاتحاد الأوروبي بسبب صعوبات الحصول عليها في مجلس الأمن.

وكان مجلس الأمن الدولي قد فشل ليل أول من أمس، في التوصل إلى توافق حول بيان مشترك يدين القمع الدموي في سورية، في حين حذرت روسيا من أن «تدخلا أجنبيا» في هذا البلد قد يؤدي إلى «حرب أهلية». وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وزعت منذ الاثنين مشروع بيان بهذا الصدد في مجلس الأمن يدين العنف الذي يستخدمه نظام الرئيس السوري بشار الأسد في حق المتظاهرين ويدعو إلى ضبط النفس. لكن دبلوماسيا طلب عدم كشف هويته قال إنه خلال اجتماع خاص مغلق عقده مجلس الأمن بشأن سورية «سرعان ما اتضح أنه لن يكون هناك تفاهم على بيان».

وقامت روسيا والصين بعرقلة الإعلان، فعمدت دول مجلس الأمن الأخرى بعدما تعذر التوصل إلى اتفاق، إلى عقد اجتماع علني يمكنها خلاله التعبير عن مواقفها. ودعت فرنسا إلى اتخاذ «تدابير شديدة» بحق الرئيس الأسد في حال استمر في عدم التجاوب مع دعوات الأسرة الدولية لوقف أعمال العنف التي أوقعت مئات القتلى منذ منتصف مارس (آذار) الماضي.

وتحدث السفير اللبناني نواف سلام في كلمته عن العلاقات المميزة بين لبنان وسورية، وقال إن «عقول وقلوب» اللبنانيين مع الشعب السوري، وإنهم يدعمون خطوة رفع حالة الطوارئ والإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بشار الأسد.

من جهته، أعرب بشار جعفري المندوب السوري لدى الأمم المتحدة عن ارتياحه لعدم التوصل إلى إعلان مشترك ورأى أن الدول الغربية التي طرحت المبادرة «تفتقر إلى الموضوعية والحياد». وقال للصحافيين: «إننا نرفض كل الاتهامات التي استمعتم إليها». واعتبر الانتقادات الموجهة إلى النظام السوري في مجلس الأمن بمثابة «تشجيع للتطرف والإرهاب»، مؤكدا أن «الثمن سيدفعه أبرياء في سورية والعالم». ورد على الاتهامات الأميركية بحصول سورية على مساعدة إيرانية في قمع المظاهرات بأنها «محاولة هوليوودية» للربط بين الدولتين الحليفتين.