فزع إسرائيلي من المصالحة الفلسطينية وتهديدات بحجز أموال الجمارك وعودة الحواجز العسكرية

نتنياهو: المصالحة تظهر ضعف أبو مازن وتطرح علامات استفهام حول نيات حماس

TT

قبل أن يجف الحبر عن مسودة اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركة فتح وحماس، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من وزراء اليمين بحملة انتقادات وتهديدات باتخاذ إجراءات عقابية شديدة مثل حجب أموال الجمارك «وهي أموال فلسطينية تجبيها إسرائيل لأنه لا توجد للسلطة الفلسطينية ميناء بحري أو مطار».

وكان نتنياهو قد أطلق الشرارة الأولى في هذه الهجمة، ببيان رسمي هاجم فيه الاتفاق حال الإعلان عنه فاعتبره «تخليا من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن طريق السلام». وقال: «على السلطة الفلسطينية أن تختار بين السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس. فلا يمكن أن تحقق سلاما مع حماس وفي الوقت نفسه مع إسرائيل لأن حماس تطمع في تدمير دولة إسرائيل وتقول ذلك علنا. وهي تطلق الصواريخ باتجاه أولادنا».

وقال نتنياهو إن مجرد فكرة المصالحة تدل على ضعف السلطة الفلسطينية وتطرح علامات استفهام حول نيات حماس للسيطرة على الضفة الغربية كما سيطرت على قطاع غزة.

وفي وقت لاحق، خرج عدد من الناطقين باسم نتنياهو يتحدثون عن «براهين جديدة تؤكد رأينا بأن هذه المصالحة معادية للسلام». وأشاروا بذلك إلى تصريحات أحد قادة حماس، الدكتور محمود الزهار، بأن «حكومة الوحدة الفلسطينية المؤقتة لن تستطيع المشاركة في العمل على التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل وبرنامجها لا يتضمن مفاوضات مع إسرائيل أو الاعتراف بها». كما اعتبروا تأييد تركيا من جهة وحركة الإخوان المسلمين في مصر من جهة ثانية دليلا آخر على «احتفاء منظمات الإرهاب بخروج حركة فتح والسلطة الفلسطينية من دائرة المساعي السلمية في المنطقة». وقال الجنرال عوزي ديان، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية والمقرب حاليا من نتنياهو، إنه واثق تماما من أن اتفاق المصالحة هو خطوة تراجعية عن عملية السلام تدل على أن الرئيس الفلسطيني أبو مازن يفضل حماس على السلام مع إسرائيل.

وقال ديان إن المصالحة الفلسطينية تلحق ضررا كبيرا بإسرائيل وستتيح لحركة حماس أن تنقل ظاهرة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، خصوصا مع إطلاق سراح سجنائها لدى السلطة الفلسطينية.

ومن جهته، قال وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، إن أبو مازن تجاوز الخطوط الحمراء في اتفاقه مع حماس. وحذر من أن الاتفاق سيؤدي إلى إطلاق سراح مئات الفلسطينيين أنصار حماس من السجن الفلسطيني في الضفة الغربية، مما يعني إغراق إسرائيل بالعمليات التفجيرية. وطالب بإجراءات إسرائيلية عسكرية لفرض واقع جديد على المنطقة يحررها من تبعات المصالحة.

لكن هناك قوى بارزة في إسرائيل تصدت لهذا الهلع بقوة، فقال وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، البروفسور شلومو بن عامي، إن «أنباء المصالحة مفرحة لكل من يرِد السلام حقا بيننا وبين الفلسطينيين.. فالمصالحة مع فتح هي إشارة إيجابية تدل على تحرك ما نحو الاعتدال في حركة حماس، وهي في الوقت نفسه هي حجة مناسبة يتذرع بها رافضو السلام في إسرائيل، وفي مقدمتهم نتنياهو، فيزعمون أن أبو مازن يقيم تحالفا مع الإرهاب».

وقال بن عامي، وهو باحث في التاريخ السياسي للشرق، إنه «لا يمكن لأية حكومة في أية دولة عربية أن تحكم من دون أن تشرك الحركات الإسلامية. والمصالحة مع فتح هي الوصفة الأفضل لأخذ حماس نحو الاعتدال السياسي». ونفى بن عامي ما يقوله اليمين الإسرائيلي من أن أبو مازن أقام حلفا مع الإرهاب، فتساءل: الرجل الذي يدير حملة دولية من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا يمكن أن يكون قد عقد حلفا مع الإرهاب، وهذا فضلا عن تصريحاته طيلة سنين طويلة وآخرها في مطلع الأسبوع «بأنه لا يوافق حتى على انتفاضة ولا أن يقذف حجرا واحدا في النضال من أجل الدولة».

وأشاد بن عامي بالحكومة المصرية الجديدة التي ساهمت في إنجاز المصالحة الفلسطينية، وقال إن هذه الخطوة تصب في صالح إسرائيل. وحذر الإسرائيليين المتحمسين لبث الهلع في صفوف المواطنين من هذه المصالحة: «غدا سنجد الولايات المتحدة وقد غيرت موقفها من حكومة فتح - حماس المشتركة، فماذا سنقول للجمهور الإسرائيلي عندئذ؟».

وقال يوسي بيلين، أحد مهندسي اتفاقيات أوسلو عندما شغل منصب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، إن الرد الرسمي الإسرائيلي على المصالحة ليس هستيريا فحسب، بل فيه الكثير من العهر. «فحتى قبل أيام قليلة فقط كان نتنياهو ورفاقه في اليمين يسخرون من أن أبو مازن لا يمثل الشعب الفلسطيني وأن شعبه منقسم ما بين غزة ورام الله وأن إسرائيل تحتاج إلى عنوان فلسطيني واحد وغيرها. فها هو أبو مازن ينجح في تحقيق الوحدة الفلسطينية من وراء قيادته. فما الذي نريده منه بالضبط؟ وكيف سيحترمنا العالم الآن؟». وحذر بيلين من أن العالم الغربي سيعترف بالحكومة الفلسطينية الجديدة وهذا يؤدي إلى عزلة خانقة لإسرائيل. وقال: «العالم العربي كله سيقف إلى جانب هذه المصالحة، فأية رسالة نتقدم بها نحوه؟».

وأضاف بيلين أنه كما يعرف الرئيس الفلسطيني وبرنامجه السياسي، فإن الحكومة الفلسطينية الجديدة ستؤيد التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار مع إسرائيل، مما سيهيئ الفرصة لأجواء جديدة تساعد على إجراء مفاوضات سلام حقيقية.

من جهة أخرى، تميز رد قيادات الأجهزة الأمنية في إسرائيل بالتروي وانتظار «كم من الوقت سيدوم شهر العسل بين فتح وحماس». وقال مصدر أمني كبير، في تصريحات لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن «إعلان المصالحة في القاهرة هو مجرد إعلان أولي يحتاج إلى مزيد من المفاوضات بين الطرفين لتطبيقه. وقد سبق وشهدنا مهرجانات احتفالية لدى الفلسطينيين بعد إعلان المصالحة، ثم تعرقلت المحادثات حول التفاصيل وعاد الطرفان إلى صراعات أقسى من ذي قبل. وعليه، ينبغي التروي حتى نرى كيف ستتطور أمور هذا الاتفاق. فالخلافات بين الطرفين الفلسطينيين أكبر بكثير من الأمور المتفق عليها. وأما إذا تحول إلى اتفاق جدي، فإن الأمور ستؤدي إلى زلزال في كل شيء وسيكون على إسرائيل أن تتابع بعيون مفتوحة التطورات».

وكشف مصدر عسكري عن أن هناك خطة في أدراج الجيش الإسرائيلي لمجابهة تطور كهذا (المصالحة). فإذا نجم عنه تدهور أمني بأي مستوى كان، سنعرف كيف نرد بالطريقة المناسبة. وقال إن قيادة لواء المركز في الجيش الإسرائيلي ترصد كيف يطبق الاتفاق على الأرض في الضفة الغربية وستتعامل بما يتلاءم.