محاولة إثارة ثورة في الصين من شقة في مانهاتن

معارض صيني ترعرع في أميركا ينسق مع 25 ناشطا في العالم لإعداد الاحتجاجات من خلال الإنترنت

المدون الصيني الذي اختار لنفسه اسم جايوس غراكوس يعمل من جهازي كومبيوتر في شقة بنيويورك (»نيويورك تايمز»)
TT

من شاشتي كومبيوتر في غرفة نوم ذات جدران مطلية باللون الأخضر في جنوب مانهاتن، يعمل شاب صيني يبلغ من العمر 27 عاما على إثارة ثورة شعبية.

وبعد شهرين من دعوات انتشرت على شبكة الإنترنت للقيام بثورة على النسق التونسي والمصري في الصين، ما زال أحد المعارضين القلائل المثابرين يحاول تأسيس حركة احتجاجية داخل الصين. وفشلت محاولات في التحريض على القيام بأي مظاهرات ضخمة في الشوارع، إلا أنها أدت إلى التعرض للتنكيل من قبل السلطات.

ورغم عمليات الاعتقال الواسعة التي طالت نشطاء ضمنهم الفنان الشهير آي ويوي، لم يوقف الذين بادروا إلى الدفع باتجاه التغيير نشاطهم. فهم يحرصون على عدم الكشف عن هويتهم خاصة داخل الصين حيث يتواصلون مع مؤيديهم خارج ما يطلقون عليه سور الرقابة العظيم عبر البريد الإلكتروني «جي ميل» وبرنامج المحادثة «سكايبي» ورسائل البرودكاست.

وقال أحد المدونين في جنوب المدينة والذي تلقى تعليمه العادي ثم الجامعي في نيويورك: «إن مجموعتنا تتسع وتمتد». وطلب أن نناديه باسم جايوس غراكوس تيمنا باسم الإصلاحي الروماني القديم، لكنه يستخدم اسما مستعارا آخر على الإنترنت هو هوا جي أو «شقيق الزهرة».

وتحدث بثقة عن قوة مجموعته التي تتكون من 25 ناشطا على الإنترنت داخل وخارج الصين، في كل من باريس وسيول وهونغ كونغ وأستراليا وتايوان للتأثير على كبار قادة الصين. وكان أول من ينشر أوقات وأماكن تجمع المحتجين بمساعدة شريك له في الصين ويظل من أقوى الأصوات المنادية إلى القيام بثورة على غرار الثورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط على حد قول نشطاء على شبكة الإنترنت. وقال: «إن ثورة الياسمين مثل علم يحمله من يشاء».

وهذا هو الأمل الذي يحدو المعارضين والقلق الذي يساور السلطات الصينية. وبالنسبة إلى الطرفين تمثل آلاف من الاحتجاجات المتفرقة التي تشهدها الصين كل عام لأسباب مختلفة منها الإحساس بالظلم في قضايا بيئية ومصادرة الأراضي والفساد حركة وطنية محتملة.

وقال سام زريفي، مدير برنامج آسيا والمحيط الهادي بمنظمة العفو الدولية: «يبدو أن الدولة تخشى من سهولة تحويل الاحتجاجات المحدودة إلى أمر كبير ذي معنى». لكن لم ينجح بطل الإنترنت حتى هذه اللحظة في حشد جماعات المصالح تحت راية واحدة هي التغيير السياسي. وخلال احتجاجين كبيرين مؤخرا، قام سائقو الشاحنات بإعاقة المرور في حوض بناء السفن في شنغهاي بسبب ارتفاع الأسعار، كما قام سكان نانجيغ بتعطيل قطع أشجار ذات نوع أيقوني فرنسي، لم يسع المنظمون إلى محاكاة ثورة الياسمين أو يظهروا أي إشارة إلى معرفتهم بها بالأساس.

ويتساءل بعض النشطاء عن قيمة هذه الجهود المبذولة، مشيرين إلى أن الدعوات إلى احتجاجات واسعة النطاق لم تنجح سوى في إثارة الحكومة ودفعها نحو القبض على عدد كبير من النشطاء منذ فبراير (شباط) الماضي. ويقول بو زيكيانغ، أحد أبرز المحامين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ومن مؤيدي الإصلاح الديمقراطي في الصين: «إنها محاولة تثير الإعجاب للحصول على حرية التعبير، لكننا لم نر أي تغير غير متوقع يلوح في الأفق. على العكس نرى خوف الحزب الشيوعي الصيني. لذا من الصعب رؤية أي تأثير لهذا على المدى القريب».

ظهرت أول دعوة إلى ثورة الياسمين من خلال حساب على موقع «تويتر» باسم «ميميسكريت0» الذي سرعان ما انهمرت عليه رسائل تشكيك وأغلق في النهاية على حد قول معارضين في الخارج. وتبنى الدعوة بعد ذلك موقع «بوكسن» باللغة الصينية يدار من شمال كارولينا قبل أن يعاني من هجوم شرس في نهاية فبراير الماضي. واستمرت هذه الهجمات لعرقلة الموقع الذي يعرف باسم «ويي تشي» أو «واطسون مينغ». وبعد الهجوم على موقع «بوكسن»، اتصل المدون الذي يطلق على نفسه اسم جايوس غراكوس بنشطاء في الصين لإطلاق مدونة molihuaxingdong.blogspot.com أو ثورة الياسمين على «غوغل» من أجل الحفاظ على الصخب على الإنترنت. وكانت وكالة «أسوشييتد بريس» أول جهة تشير إلى دوره.

وسجل أكثر من 600 ألف زائر، أي ما يزيد على نصف من يقيمون في الصين، على المدونة وتضمنت قائمة العناوين الإلكترونية لمجموعة أكثر من ثلاثة آلاف اسم.

وقال غراكوس، وهو جالس على مكتب أسود في شقة صديقته بمورنينيغ سايد هايتس حيث يقيم، إن مجموعته تحمي نفسها من الفيروسات باستخدام نظام التشغيل «لينوكس» وفتح الملفات المرفقة برسائل البريد الإلكتروني من خلال أجهزة «آي باد» حيث يتميز الاثنان بأنهما أقل تعرضا لخطر تلك الفيروسات. ولتأمين اتصالاته استخدم واحدا من تطبيقات «غوغل» يرسل كودا مميزا يتغير كل دقيقة إلى هاتفه الجوال بحيث يتمكن من الدخول على بريده الإلكتروني.

لا تمثل هذه الإجراءات الاحترازية المتوفرة في السوق حربا على الفضاء الإلكتروني. فقد أقر غراكوس أنه يثق في «غوغل». ويقول: «إذا انهار موقع غوغل سنشعر بالقلق على أماننا. لكننا نعتقد أن لدى غوغل مهندسين أفضل من الذين لدى الحكومة الصينية».

ورغم عمله، لا تزال الثورة محلية. ولم يتجمع أي محتجين في شوارع الصين تحت شعار ثورة الياسمين منذ أواخر شهر فبراير الماضي. فقط تراقب الشرطة الدعوات إلى الاحتجاج كل يوم أحد وتغطي مناطق في بكين وشانغهاي ومدن أخرى في محاولة لرصد التجمعات المنسقة.

ويقول النشطاء إن ردود فعل المسؤولين تثبت أن حركتهم لا تزال تثير قلق السلطات. ويقول فينغ شونغد، أحد المنظمين على الإنترنت والذي شارك في احتجاجات ميدان تيانانمين عام 1989 في مكالمة هاتفية من سان فرانسيسكو حيث يقيم حاليا: «هدفنا حاليا هو دفع قوات الشرطة إلى التجمع في تلك المناطق. وجود الشرطة بالنسبة لنا ثورة ياسمين».

ويعد فينغ من المقيمين في الخارج ممن شاركوا في احتجاجات تيانانمين والذين يسعون إلى دعم جيل المعارضين من خلال الإنترنت. وينظم الذين شاركوا في احتجاجات ميدان تيانانمين والأعضاء في الحزب الديمقراطي المحظور مظاهرات في تايمز سكوير كل ليلة سبت تجذب عددا من المحتجين بعضهم يرتدي قبعات سوداء مكتوب عليها باللون الأبيض «ديمقراطية». وقال فو شينكي، الذي يعمل من أجل إرساء الديمقراطية في الصين منذ السبعينات وأحد منظمي المظاهرات: «إذا استمر الصينيون في المطالبة بالديمقراطية، سنظل نستجيب في تايمز سكوير».

ويقول غراكوس إنه يستشير دوما أعضاء الحزب المنفي خاصة وانغ جونتاو الذي يعد أحد قادة الحزب. ويضيف: «عندما يكون لدي تساؤلات اتصل به لأنني ما زلت يافعا». ويوضح أن متوسط أعمار المشاركين في مجموعة الياسمين 22 عاما.

كان وانغ يجلس وأعلى رأسه صورة لميدان تيانانمين في مقر الحزب المتواضع في فلاشينغ بحي كوينز. ويقول إنه كانت هناك مناقشة بين المعارضين حول ما إذا كانت الصين مستعدة إلى ثورة تندلع من خلال الإنترنت وبتنسيق من جيل جديد. وأوضح: «نحن متحمسون لثورة الياسمين لأننا نرى أن الشباب الصيني يريد العودة إلى الشارع». وفي الوقت الذي لا يوجد فيه أي دليل واضح على أن هذا شعور عام، من الواضح أن السلطات الصينية تستعد لهذا الاحتمال.

وتفاعل نظام أمن الإنترنت التابع للدولة سريعا مع الدعاوى إلى القيام بثورة على حد قول نشطاء، حيث تساعد تلك الرسائل الإلكترونية التي تحمل فيروسات وترسل إلى المعارضين والتي ربما تحتوي على مواعيد الاحتجاجات في نشر النبأ دون قصد.

*شارك مارك ماكدونالد في إعداد التقرير من سيول

*خدمة «نيويورك تايمز»