ساحة «جامع الفنا» تغرق في الحزن وتحاول جاهدة العودة إلى طبيعتها

الحرفيون في ساحة «البهجة والسرور» مصدومون.. ويخشون المستقبل

TT

صبيحة يوم التفجير، الذي هز ساحة جامع الفنا، بمراكش، توارت الشمس الدافئة، على غير العادة، وتركت زرقة السماء مكانها للون الرمادي. غابت الشمس عن سماء مراكش، لكن مروضي الثعابين والقردة وأرباب عربات العصير والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، وغيرهم من حرفيي الساحة، كانوا حاضرين، لتلبية حاجيات سياح الداخل والخارج، الذين لا يفوتون فرصة زيارة مراكش دون المرور على الساحة والاستمتاع بفرادتها وسحرها. كانت عقارب الساعة تقترب من الساعة 11:45 صباحا، حين هز انفجار عنيف الساحة، سمع دويه في الشوارع والأحياء القريبة. تتبعت الآذان والأعناق مصدر الانفجار، لتتوقف الأعين عند موقع مقهى «أركانة». بدا الانفجار كبيرا، غطى على ضجيج الساحة في هذه اللحظة من النهار، كما هد الطابق العلوي من المقهى.

وقال عبد الكريم نشاط، الذي يعمل نادلا بـ«أركانة» لـ«الشرق الأوسط»: «كنت في الطابق الأول حين وقع الانفجار. لم يكن انفجارا كان في قوته أشبه بصوت الرعد. كنت في الجهة الخلفية من الطابق. وكنت أدير ظهري لجهة الانفجار». من جهته، قال رشيد بن معروف، الذي يملك عربة عصير برتقال على بعد أمتار من المقهى لـ«الشرق الأوسط»: «أدرت وجهي صوب مكان المقهى لأتعرف على التوقيت من الساعة المعلقة على واجهة المقهى، فشاهدت دخانا غريبا يتصاعد من الطابق الأول تبعه اشتعال قليل للنار قبل أن يحدث انفجار قوي، هز كياني. لم أشعر حين هرعت نحو المقهى، قبل أن أتراجع لفترة خوفا من تجدد الانفجار». من جهتها قالت ثريا حرة، التي تشتغل قرب المقهى، لـ«الشرق الأوسط»: «كان الانفجار قويا، إلى درجة أن بعض الباعة أغمي عليهم بعد مشاهدة مشهد تطاير الجثث».

خلال عشر دقائق من وقوع الانفجار، حضر رجال الوقاية المدنية وسيارات الإسعاف ورجال الأمن بمختلف تخصصاتهم، حيث تم تطويق سوق «البهجة» المحاذي للمقهى. «انفجار قنينات غاز»، كان هذا أول سبب ذهبت إليه التخمينات، الشيء الذي أبرز أن الانفجار كان مفاجئا وغير متوقع بالمرة، لكن، شيئا فشيئا، بعد تجميع المعطيات الأولية، ومعاينة مخلفات الانفجار، مال الجميع نحو فرضية العمل الإرهابي. توزع أفراد الشرطة العلمية في مكان الانفجار قصد تجميع الأدلة، حيث تم التركيز، بشكل خاص على الطابق الأول من البناية، المكونة من طابقين. ترك الحادث ارتباكا كبيرا وسط الساحة، خاصة أن المقهى يتوسط الساحة، فضلا عن أن التوقيت تزامن مع منتصف النهار حيث يتم الإقبال بشكل مكثف على المقاهي والمطاعم.

المراسلون، كانوا يحاولون جهدهم تجميع أكبر عدد من المعطيات، تحت ضغط الوقت، قبل إرسال التقارير الإخبارية. تضارب الشهادات التي تم تجميعها حول طبيعة الانفجار، جعلت الجميع في حيرة من أمره، بين من يتحدث، في شهادته، عن عمل انتحاري، ومن يتحدث عن حقيبة تم وضعها قبل أن تنفجر من طرف شخص قيل إنه اعتاد التردد على المقهى، بل ذهبت بعض الشهادات إلى أن الانتحاري طلب كأس عصير قبل أن يفجر نفسه وسط المقهى. كان الاستياء كبيرا في صفوف المراكشيين، الذين تجمهروا في محيط مكان الحادث، خاصة أن الانفجار أسفر عن عدد كبير من الضحايا، وكانت الصدمة عنوانا وعلامة ارتسمت على وجوه الجميع، خاصة الحرفيين والعاملين بالقطاع السياحي الذين عبروا عن تخوفهم من أن يؤثر الحادث سلبا على صورة مراكش، كوجهة سياحية. على إيقاع «الحزن» و«الصدمة» و«التخوف» و«الترقب»، حاولت الساحة أمس لملمة جراحها، والعودة إلى حياتها الطبيعة. تعرف ساحة جامع الفنا بأنها الساحة الوحيدة في المغرب، وربما في العالم، التي لا يؤثر في نشاطها لا برد الشتاء ولا حر الصيف، كما لا تتأثر لا بمباريات المونديال ولا منافسات الأولمبياد، لكن، وعلى غير العادة، هذه المرة، سيخف إيقاع الحركة المعتادة، حيث بدت الساحة حزينة خلال الليلة الأولى التي تلت التفجير، إلى درجة أن أرباب المطاعم والحكواتيين والمغنين فضلوا التخلف عن تنشيط الساحة، فافتقدت دخان مطاعمها وأصوات مغنيها.

المراكشيون والزوار، الذين اعتادوا التجمهر حول حلقات الغناء والحكي أو الجلوس إلى المطاعم الشعبية، ظلوا متسمرين، حتى ساعات الصباح الأولى، أمام خراب مقهى «أركانة»، وكأنهم يحاولون أن يقنعوا أنفسهم بأن ما وقع قد وقع، فعلا. القاسم المشترك بين المراكشيين، الذين التقتهم «الشرق الأوسط»، كان الاستنكار، قبل أن يختموا حديثهم بالتخوف على مستقبل السياحة في مراكش. حرفيو الساحة، الذين تعتبر الساحة مصدر رزقهم، لا يخفون تخوفهم من المستقبل، خاصة أن المدينة تعتمد على السياحة.

وقال نور الدين الراجي، وهو أحد العاملين في الساحة، لـ«الشرق الأوسط»: «الله يحفظ مراكش»، قبل أن يضيف، جوابا عن سؤال «هل يتخوف من المستقبل؟»، أن «الإرهاب لا لون له، ولا يتقيد بحدود جغرافية، حيث يمكن أن يضرب اليوم في مراكش وغدا في مدينة أخرى، تماما كما حدث في مدريد والدار البيضاء ونيويورك وغيرها، ولذلك فالسائح صار مؤمنا بهذا المعطى، حيث لا يضمن لنفسه ألا يطاله الإرهاب حتى وهو في بلده، ولذلك أرى أن مراكش ستتجاوز محنتها، بشكل تدريجي، وستلملم جراحها، كما سبق أن فعلت مع حادث (أطلس أسني)، في منتصف تسعينات القرن الماضي». في ممر البرانس، القريب من الساحة، كانت الحياة طبيعية، والمقاهي والمطاعم غاصة بالزبائن. غير بعيد، عن الساحة، وفي باقي أحياء المدينة تبدو الحياة طبيعية، لكن أغلب الأحاديث ظلت تدور حول ما جرى. في صباح اليوم الموالي للانفجار، عادت الحياة تدريجيا للساحة، وحده المقهى الذي شهد التفجير، والذي اعتاد السياح شرب كؤوس الشاي وتناول وجبات الأكل فيه، تحول إلى أطلال تجمهر قبالتها السياح والفضوليون بين مستنكر ومتخوف على المستقبل السياحي للمدينة الحمراء.