هاجس «الثورة المضادة» يسيطر على المصريين مع تداعيات الفتنة الطائفية

مصادر لـ «الشرق الأوسط» تحدثت عن معلومات بشأن هوية عناصرها

TT

بينما كان خطباء المساجد في طريقهم لاعتلاء المنابر استعدادا لخطبة الجمعة في مصر، قرعت الكنائس أجراسها على نحو لافت ربما في محاولة لطرد فزع خيم على القاهرة خلال الأسبوع الماضي. استنفار أمني وشعبي وسط أجواء مثقلة بنذر فتنة بين المسلمين والمسيحيين تطل برأسها بطول البلاد، مع تنامي ظهور السلفيين، بينما أصابع الاتهام تشير لما بات يعرف بـ«عناصر الثورة المضادة».

وتقول قيادات من شباب الثورة المصرية إن «الثورة المضادة ليست وهمًا في أذهاننا.. نملك معلومات بشأن عناصرها»، دون الإفصاح عن التفاصيل، لكن آخرين يقدمون تفسيرا لكل حادثة بمعزل عن غيرها من الحوادث التي بدأ تلاحقها يدعو للتساؤل.

سيطر هاجس «الثورة المضادة» على المصريين منذ نجاح الضغط الشعبي في دفع الرئيس المصري حسني مبارك للتخلي عن سلطاته، لكن هذه الهواجس تحولت إلى ما يشبه اليقين مع اعتراف كل من المجلس العسكري وحكومة الدكتور عصام شرف بها.

وفي حين ظل المصريون يحملون «فلول الحزب الوطني (الحاكم سابقا)»، وضباط «جهاز مباحث أمن الدولة» المنحل مسؤولية ما يجري من مظاهرات فئوية يقولون إنها «بالغت في مطالبها»، بالإضافة لهدم سلفيين «مقابر الأولياء»، وتهديدهم باقتحام الأديرة بحثا عمن يقولون إنهن «سيدات مسلمات محتجزات لدى الكنيسة»، قالت مصادر في ائتلاف شباب الثورة المصرية إن لديها معلومات بشأن «هوية» عناصر الثورة المضادة، مشددة على «ثقتها الكاملة بصدق معلوماتها»، مشيرة إلى أن تلك العناصر وراء الظهور اللافت للسلفيين خلال المرحلة الماضية، لكن الائتلاف قال أيضا إنه يرجئ الكشف عما لديه من هذه «المعلومات».

وتسارعت خطى المصريين على طريق تحقيق مطالب الثورة بالضغط على المجلس العسكري الذي ظل يتحسس «موضع قدمه» وهو ما أثار حفيظة الشباب الأكثر جموحا.. يقولون «لقد كسرنا حاجز الخوف في 25 يناير (كانون الثاني)»، لكن «الخوف» ينبعث كـ«عنقاء» من رماد الحزب الوطني الديمقراطي المنحل.

يقول محمد مصطفى وهو ناشط سياسي إن «فيض المشاعر الذي رافق الثورة يتراجع، وأصبحنا أمام واقع جديد.. إذا أردت أن تتعرف عليه فعليك قيادة سيارتك في شوارع القاهرة.. وانتبه جيدا لأنه حتما ستجد من يأتي في الاتجاه المعاكس.. هذه هي الثورة المضادة، المصالح المتضاربة».

لكن مصادر مطلعة قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الأيام المقبلة قد تشهد الكشف عن مزيد من المعلومات حول حقيقة عناصر الثورة المضادة، رافضة الإفصاح عما إذا كانت هذه العناصر أفرادا أم تابعين لمؤسسات، لافتة إلى أنه سيتم التشاور مع المجلس العسكري بشأن هذا الملف لبحث أفضل السبل لمواجهة أهداف تلك العناصر.

لكن مراقبين يرون أن الحديث عن ثورة مضادة به قدر من «المبالغة». ويضيفون بقولهم إن «هناك أحداثا ربما يمكن أن يكون للمستفيدين من النظام السابق دور فيها مثل محاولة الوقيعة بين الثوار والمجلس العسكري، لكن الفتنة الطائفية هي نتاج خلل أصاب المجتمع على مدار سنوات ولن تمحوه الثورة بين عشية وضحاها».

«هناك مستويان من النقاش حول هذا الأمر؛ الأول هو البحث عن هذه العناصر وهذا في تقديري لا معنى له»، هذا ما يراه الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، كبير الباحثين بمعهد كارنيغي للسلام الدولي.

يقول حمزاوي لـ«الشرق الأوسط»: «المستوى الثاني لا يسعى لشخصنة القضية ويناقش الأمر كأزمة بنيوية في المجتمع المصري لأن هناك مصالح أضيرت من التحول الديمقراطي في البلاد، هذه المجموعات لا بد أن تحاول إعاقة مسار الثورة».

ويتابع: «أن تنتظر القبض على عشرين هنا وعشرين هناك لن يقضي على الثورة المضادة، فهيكلية الدولة المصرية التي أقيمت على التعيين والفساد في حاجة لعملية حوار ممتد وتفاوض داخل كل الأطر المجتمعية لتجاوز العثرات بأقل الأضرار الممكنة».

أمام كنيسة بأحد الأحياء الراقية بالعاصمة المصرية تجلى جانب من الأزمة التي تعيشها البلاد. عدد من ضباط الشرطة المسؤولين عن تأمين الكنيسة يجلسون قبالتها، وقد فقدوا كثيرا من هيبتهم في أعقاب الثورة، قال أحدهم: «ممنوع الدخول، الظروف لا تسمح.. إذا أردت أن تنشر هذا انشره واكتب أيضا أننا لا نريد الاستمرار في العمل بالداخلية (وزارة الداخلية)».

تعكس هذه الروح، بحسب مراقبين، أزمة عدد من القطاعات داخل المجتمع المصري، التي هزت الثورة المصرية أركان عالمها وتركتها مكشوفة أمام واقع معاد، كان آخرها تحدي ألوف المتظاهرين لقرار حكومي بتعيين محافظ جديد لمحافظة قنا.

يشير حمزاوي إلى أنه «ورغم التحفظ على كل ما جرى في قنا (بصعيد مصر)، ما كان يرغب فيه الناس هو التفاوض مع الحكومة حول تعيين محافظ مسيحي، يمكننا تحقيق انتقال سياسي منضبط بإجراء هذا التفاوض داخل المجتمع».

لا ينفي شباب الثورة هذه الحقائق لكنهم في المقابل يقولون إن المعلومات بشأن عناصر الثورة المضادة «جدية»، ويضيف أحدهم: «ليس من المنطقي أن تلهث خلف الحرائق هنا وهناك لتطفئها.. هذا أمر يبعثر الجهود. الأفضل ضرب الرأس المدبر مباشرة». وتلفت المصادر إلى أن شخصيات عامة تملك المعلومات ذاتها وقد وصلتها من مصادر مختلفة، معربة عن اعتقادها أن عناصر الثورة المضادة تمثل «خطرا حقيقيا على مسار الثورة».

وتابعت المصادر بقولها: «نحن نتحدث عن خطر وأد مسار التقدم وليس عودة الأوضاع القديمة، وإن شئت الدقة ربما نشهد عودة لنظام مبارك بوجوه جديدة»، معربة عن اعتقادها بأن جماعة الإخوان المسلمين تملك المعلومات ذاتها، وأنها تتحرك وفق هذه المعلومات.. «وتصريحات قيادات (الإخوان) في المرحلة الماضية مرتبطة بما تملك من معلومات بهذا الشأن».

وعلقت الجماعة على ذلك بقولها إن «الثورة المضادة حقيقة لا شك فيها تتكشف المعلومات بشأنها خلال التحقيقات»، وقال الدكتور عصام العريان المتحدث الرسمي باسم الجماعة، عضو مكتب الإرشاد: «انتشار (الإخوان) يتيح لهم التعرف على أبعاد الثورة المضادة والإبلاغ عنها وإفشال مخططاتها.. ولسنا بصدد الإفصاح عن أي معلومات كما لم نكشفها في السابق.. ونتعاون مع كل الجهات التي من مصلحتها الحفاظ على الثورة».