مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: أوصلنا «تحذيرا» للسلطات السورية.. والعقوبات الأسبوع المقبل

قالت إن باريس «تتفهم» موقف لبنان.. وإن دمشق تخاطر بإعادة علاقاتها مع أوروبا إلى مرحلة ما بعد اغتيال الحريري

TT

أفادت مصادر فرنسية رسمية واسعة الاطلاع، «الشرق الأوسط»، أمس، بأن العقوبات التي تتدارسها دول الاتحاد الأوروبي لفرضها على سورية يمكن أن تقرر نهائيا أواسط الأسبوع القادم. وبعد اجتماع لجنة السياسة والأمن التي التأمت أمس في بروكسل، سيعقد اجتماع آخر يوم الاثنين القادم، على أن تقر العقوبات يوم الأربعاء أو الخميس.

وتراهن باريس على العقوبات الأوروبية بشكل كبير لحمل النظام السوري على وقف اللجوء إلى العنف ضد الحركة الاحتجاجية، بعد أن أظهرت مشاورات مجلس الأمن الدولي وجود انقسامات عميقة بين أعضائه وممانعة قوية من قبل روسيا والصين ودول أخرى بينها لبنان حالت دون صدور بيان رئاسي وستحول دون صدور قرار عنه.

وقالت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن المرحلة الحالية في التعاطي مع النظام السوري تقوم على «تكثيف الضغوط» الأوروبية والدولية، وفي إطار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، عليه من أجل حمله بداية على وقف القمع ثم لاحقا على السير في عملية إصلاحية «حقيقية» تستجيب لمطالب المتظاهرين.

وتؤكد هذه المصادر أن مرحلة التعامل «اللين» التي اعتمدتها باريس في مرحلة أولى، وقامت على الحوار والتشجيع على الانفتاح والدعوة إلى إعطاء القيادة السورية الوقت الكافي للتجاوب وحسم قرارها، قد «انتهت»، فيما عنوان المرحلة الحالية هو الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، فضلا عن الإجراءات «الفردية» بحق مجموعة من وجوه النظام البارزة التي تراها باريس ومعها الاتحاد الأوروبي وراء القمع الدامي.

وتنوه المصادر الفرنسية الرسمية بـ«التناغم» التام القائم بين وزير الخارجية آلان جوبيه، والرئيس نيكولا ساركوزي، لجهة الحاجة إلى سياسة «متشددة» إزاء نظام الرئيس الأسد. وليس سرا أن خلافات عميقة كانت قائمة بين الخارجية والإليزيه بصدد الكثير من الملفات الساخنة، بينها الملف السوري أيام الوزير برنار كوشنير، ووجود كلود غيان، وزير الداخلية الحالي في موقع الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية. وكان غيان يشرف على أهم المواضيع الحساسة وبينها الملف السوري، علما بأن صداقة قامت بينه وبين صهر الرئيس الأسد اللواء آصف شوكت، مسؤول أهم جهاز للمخابرات في سورية.

وكشفت المصادر الفرنسية أن الخارجية الفرنسية أوصلت إلى سفيرة سورية لمياء شكور، لدى استدعائها الثلاثاء الماضي إلى مقرها، «تحذيرا» من استمرار القمع على نطاق واسع، وإشارة إلى أن باريس ومعها العواصم العربية الأخرى «ستعمد إلى إقرار تدابير جديدة» في حال استمراره، في إشارة واضحة إلى العقوبات المتنوعة التي يستطيع الاتحاد الأوروبي إقرارها، والتي من شأنها أن تعيد سورية إلى «المربع الأول» لجهة عزلتها الدبلوماسية التي فرضت عليها عام 2005 عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

غير أن باريس لم تصل بعد إلى ما وصلت إليه مع العقيد الليبي معمر القذافي عندما بادرت إلى اعتبار أنه «فاقد للشرعية»، لأنه عمد إلى إعطاء الأوامر بإطلاق النار على شعبه. وليس مطروحا في الوقت الحاضر نقل الموضوع إلى المحكمة الجزائية الدولية على غرار ما حصل في ليبيا. لكن فرنسا تعتبر أن الموقف الدولي من دمشق «يمكن أن يتغير»، بما في ذلك داخل مجلس الأمن الدولي، رابطة ذلك بتطور الأوضاع في سورية نفسها.

وكانت الخارجية الفرنسية قالت أول من أمس إنها لم تفقد الأمل من استصدار إدانة لسورية «في وقت قريب»، مستندة في ذلك إلى الأثر النفسي والسياسي الذي سيحدثه استمرار القمع على المواقف العربية «الجامعة العربية تحديدا»، وعلى الأسرة الدولية، بحيث إن الدول التي عرقلت صدور بيان رئاسي من مجلس الأمن ستجد نفسها عاجزة عن الاستمرار في الدفاع عن النظام السوري. ويحدو باريس الأمل وإن كان ضعيفا أن «تفهم القيادة السورية الرسالة التي أوصلناها بكل الطرق الممكنة»، وأن تغلب الحل السياسي والحوار الجامع وتطلق سراح المعتقلين وتلقي الضوء على المسؤوليات في عمليات القمع، ما من شأنه أن يهدئ المعارضة ويسحب فتيل التفجير من الساحة. أما إذا استمرت حالة الدوران والتصاعد في أعمال العنف، فإن باريس تجد أن ذلك سيفتح الباب أمام «إجراءات أشد»، لأنه «من غير المقبول بتاتا أن يستمر ما هو حاصل في سورية إلى ما لا نهاية». ووصلت إلى باريس في الساعات الأخيرة، كما تؤكد أوساطها، معلومات تتحدث عن «بداية تفسخ» في الدوائر السورية. غير أن هذه المصادر ترفض الخوض في التفاصيل رغبة منها في التعمق في دراستها والاستدلال على تداعياتها.

أما في موضوع موقف لبنان في مجلس الأمن، حيث عارض صدور أي بيان يمس سورية من قريب أو بعيد، فإن باريس تقول إنها «تفهم» موقف بيروت التي لا حكومة فيها، كما أنها لا تريد وضع السلطات اللبنانية في موقف حرج في علاقاتها المعقدة مع دمشق. وتعتبر المصادر الفرنسية أن الموقف اللبناني «يمكن أن يتبدل في حال تطور موقف الجامعة العربية» حيث سيكون لبنان قادرا عندها، لو أراد، أن يحتمي وراء الموقف العربي.