وقفة صامتة بالورود والشموع في «جامع الفنا» تضامنا مع ضحايا تفجير مراكش

الساحة تجاهد لتتجاوز الصدمة.. وجمعيات المجتمع المدني تتحرك

شموع وورود تضامنا مع ضحايا «أركانة» بمراكش (تصوير: الحسني بومسهولي)
TT

بعد يوم على التفجير الذي هز مقهى «أركانة» في مراكش، غصت ساحة جامع الفنا، بحرفييها وزوارها. كل شيء كان يبدو مساء أول من أمس، طبيعيا، والحركة في أوجها، كما لو أن شيئا لم يحدث. وحده التطلع إلى أطلال مقهى «أركانة» يذكر بما وقع. بدا الجميع مصرا على تجاوز ما حدث: الحكواتيون وبائعو العصير والفواكه الجافة وأشرطة الغناء وأرباب المطاعم الشعبية والمغنون والبهلوانيون والسياح والزوار، الجميع يتحرك من أجل أن تسترجع الساحة عافيتها وأن تتجاوز الصدمة في أسرع وقت.

على مدى ساعات المساء، نظمت وقفات صامتة، رفع خلالها المرشدون السياحيون وأرباب وكالات الأسفار وأرباب دور الضيافة وممثلو قطاع التجارة ومحامون وصيادلة والأطباء وفنانون وصحافيون، وغيرهم من ممثلي الجمعيات، التي انخرطت ضمن «تنسيقية جمعيات مراكش ضد الإرهاب» شموعا وورودا بيضاء وضعوها قرب المكان الذي شهد التفجير.

وعرفت الوقفة مشاركة جميع من كان حاضرا في الساحة، حيث تبادل الحاضرون عبارات المواساة. واستنكرت «تنسيقية جمعيات مراكش ضد الإرهاب»، التي رفعت شعار « وقفة بالشموع في ساحة جامع الفنا.. جميعا ضد الإرهاب» في بيان لها، «الأعمال الوحشية والجبانة» التي استهدفت ساحة جامع الفنا، مؤكدة «ضرورة تنفيذ تعليمات الملك محمد السادس حول الحدث في أن يتم التعامل معه لتحقيق بكل شفافية ومصداقية تنويرا للرأي العام وإحالة الجناة على العدالة».

وقال حسين الراجي، رئيس نقابة المحامين في المغرب، لـ«الشرق الأوسط»: «وقفتنا، اليوم، هي لتأكيد أن مغاربة، يرفضون أن يمسوا في شعورهم وفي أمانهم، كما أنها لحظة للتعبير على أن التمسك بفضيلة الحوار لتغيير الأوضاع نحو الأفضل، في بلدنا، وبشكل سلمي، لا تراجع عنه. كما أن الوقفة تبقى رسالة، نقول من خلالها إن يوم 28 أبريل (نيسان) لن يكون ذكرى تخريبية، بل لحظة توحد فيها المغاربة حول هويتهم». وزاد الراجي، قائلا: «المثير في الأمر أن الاعتداء أتى في أوج الحراك الاجتماعي السلمي وفي لحظة انفتحت فيها الدولة على المواطن وتصالحت معه، ولذلك فالذي يقف وراء الاعتداء لن يكون إلا رافضا لهذا التحول، ونحن ندين من نفذه وخطط له، كيفما كانت هويته، كما نطالب بتحقيق شفاف ونزيه».

وندد محمد القنور، نيابة عن الإعلاميين، «بالعمل الإجرامي الذي يتنافى مع الهوية المغربية»، وقال إن «الشموع دلالة على الأمل»، وإن «الأيادي التي تقف خلف ما وقع لن تصل إلى مبتغاها بتدمير تطلعات الشعب المغربي نحو مزيد من الحرية والحداثة وتعميق مبادئ حقوق الإنسان، أما الورود فنحملها للتعاطف مع الضحايا ومع الأجانب الذين ماتوا أو جرحوا، فهم ضيوفنا، وهم زاروا مراكش لأنهم عشقوا المدينة وأحبوا ناسها».

من جهته، قال حسن بوقديد، عضو مكتب «الجمعية الإقليمية للمرشدين والمرافقين السياحيين بجهة مراكش» لـ«الشرق الأوسط»: «إن أي عاقل لا يمكنه إلا أن يستنكر هذا العمل الإجرامي، بكل المقاييس، والذي لا يقبله عقل ولا دين. إن تفجير (أركانة) هو ثاني حدث تشهده مراكش، غير أنه أول حديث يهز المدينة والبلد، بل والعالم، وهو ما يجد تفسيره في كم التنديدات التي صدرت وطنيا ودوليا. نقف، اليوم، كمرشدين سياحيين وأرباب وكالات أسفار وأرباب دور الضيافة وممثلي قطاع التجارة بالجهة، بحكم علاقتنا بالقطاع السياحي، ولأن الضحايا هم سياح. غير أن وقفتنا هي ذات مدلول وهدف إنساني، قبل أن تكون لها الصفة المهنية التي تربطنا بالقطاع».

من جهتها، قالت ماري أوديل، وهي فرنسية مقيمة بالمغرب: «أنا مصدومة بعد كل ما وقع. أنا أقيم في المغرب وأنا أعشق هذا البلد. أنا فرنسية الجنسية، لكن، بقلب مغربي، حتى إني لم أزر فرنسا منذ ثلاث سنوات، وأنا، اليوم، حزينة لأننا نقتل وندمر الحياة باسم الإله. أنا مؤمنة، وما وقع مؤلم، لا يقبله عقل أو دين، ولذلك أحمل وردة بيضاء وشمعة، تعبيرا عن الحزن والألم لقتل الأبرياء. ستتجاوز مراكش محنتها وأتمنى أن تعود الأمور إلى طبيعتها سريعا. ما حدث لن يغير أو يؤثر في درجة عشقنا، كمقيمين، للمدينة وأهلها. عندنا مثل فرنسي، يقول (اذهب حيث شئت مت حيث قدر لك)، وهو يعني أن الإرهاب أعمى ولا يميز بين الجنسيات أو الدول والمدن، وقد ذقنا، في فرنسا، مرارة الإرهاب في منتصف ثمانينات القرن الماضي.