اليمن: جدل حول توقيع الرئيس صالح على المبادرة الخليجية

اجتماع في صنعاء يبحث ضمانات إنهاء الثأر السياسي.. وقتلى مدنيون وعسكريون وعشرات الجرحى في عدن

أحد المحتجين اليمنيين يحمل حجرا أثناء مواجهات مع رجال الأمن في عدن أمس (رويترز)
TT

لا يزال الغموض يلف مصير المبادرة الخليجية لإنهاء الأزمة في اليمن، حيث لم تفلح مساعي أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الدكتور عبد اللطيف الزياني، في حمل الرئيس علي عبد الله صالح على التوقيع على المبادرة، في وقت اشترطت المعارضة توقيع صالح شخصيا على الاتفاق كي توقعه من جانبها، هذا في وقت قتل المزيد من المعتصمين المطالبين بسقوط النظام بمدينة عدن برصاص قوات الجيش.

وبدا الموقف غامضا مساء أمس بعدما أعلن متحدث باسم المعارضة اليمنية لوكالة الصحافة الفرنسية أن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني غادر صنعاء مساء السبت بعدما فشل في الحصول على توقيع الرئيس علي عبد الله صالح على اتفاق تسوية الأزمة.

وأوضح المتحدث باسم أحزاب اللقاء المشترك (معارضة) محمد قحطان أن الزياني غادر صنعاء بعدما رفض الرئيس اليمني توقيع الاتفاق «بصفته رئيس الجمهورية» كما ينص الاتفاق.

وأضاف «هذه نقطة أساسية لن نتنازل عنها لأن المبادرة الخليجية بنيت على أساس أن رئيس الجمهورية هو الذي سيستقيل وليس رئيس الحزب الحاكم».

من جانبه قال سلطان البركاني الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام الحاكم إن «الرئيس صالح مستعد للتوقيع على المبادرة في صنعاء بوصفه رئيس المؤتمر الشعبي العام وليس رئيس الجمهورية».

وكان الزياني وصل السبت إلى صنعاء لدعوة ممثلي السلطة والمعارضة إلى حفل توقيع الاتفاق اليوم الأحد في الرياض وذلك في حضور وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي.

وقالت مصادر رسمية إن اللقاء الذي جمع، مساء أمس، صالح والزياني، بحث «الجوانب المتعلقة بالترتيبات الخاصة بالتوقيع على اتفاق مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في اليمن والآليات التنفيذية لها»، وذكرت المصادر أن الرئيس اليمني أكد للمسؤول الخليجي على أهمية «تنفيذ المبادرة كمنظومة متكاملة غير قابلة للتجزئة والانتقاء»، كما جدد ترحيبه بالمبادرة وضرورة «التعاطي الإيجابي معها»، وأعرب صالح عن «تقديره للجهود والمساعي الخيرة المبذولة من قبل الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وحرصهم على وحدة اليمن وأمنه واستقراره».

وذكرت مصادر سياسية في صنعاء أن الرئيس علي عبد الله صالح رفض التوقيع على المبادرة وأرجع مسألة التوقيع عليها إلى حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب «اللقاء المشترك» المعارضة، وقالت المصادر إن صالح سيوفد مستشاره السياسي الدكتور عبد الكريم الأرياني إلى الرياض للتوقيع نيابة عنه، وحسب ما تسربت من معلومات حول لقاء صالح – الزياني، طلب الأول آلية تنفيذية مكتوبة للمبادرة، وهو الأمر الذي يعني تأجيل مراسم التوقيع الرسمية في الرياض. على ذات الصعيد، اجتمع أمين عام مجلس التعاون الخليجي بعدد من قيادات أحزاب المعارضة في صنعاء التي تسلمت الدعوة الرسمية للحضور إلى الرياض، وحسب المصادر فقد رشحت المعارضة السياسي اليمني المخضرم، محمد سالم باسندوة، رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني المعارضة، لتوقيع الاتفاق، واشترطت المعارضة توقيعها للاتفاق بتوقيع الرئيس علي عبد الله صالح شخصيا له، وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن أحزاب «اللقاء المشترك» شددت على أن يصدر موقف خليجي واضح يدين «استمرار قتل المتظاهرين»، حيث ألقت الأحداث التي وقعت في عدن، أمس، وقبلها مقتل 13 متظاهرا في صنعاء، الأربعاء الماضي، بظلالها على المحادثات التي أجراها المسؤول الخليجي مع أطراف المعارضة التي تطالب بإدانة صريحة لـ«العنف ضد المتظاهرين» وبوقف استهدافهم من قبل القوات الحكومية والمجاميع المسلحة الموالية لها التي باتت تعرف بـ«البلطجية».

وأعرب الرئيس اليمني عن حرصه على عدم إراقة دماء اليمنيين، واجتمع صالح، أمس، بأعضاء الهيئة الوزارية وأعضاء كتلتي الحزب الحاكم في مجلسي النواب والشورى، وكذا أعضاء الأمانة العامة (المكتب السياسي) للحزب، وقالت المصادر إن الاجتماع ناقش التطورات على الساحة الداخلية وجهود دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في اليمن، وهي الأزمة التي قال صالح إن أحزاب «اللقاء المشترك» هي من قامت بافتعالها، وأشار الاجتماع إلى «أهمية أن تحقق الضمانات الواردة في الاتفاق غاياتها في أن تكون ضمانات وطنية لكافة الأطراف في السلطة والمعارضة وبما من شأنه تحقيق الوفاق الوطني وإنهاء الثأر السياسي منذ قيام الوحدة المباركة في 22 مايو (أيار) 1990 وما تلاها وبما يفتح صفحة جديدة من التصالح والتسامح في الوطن ويحقق المصلحة الوطنية العليا ويثري واقع الممارسات الديمقراطية التعددية.

وفي موضوع ذي علاقة صرح مسؤول يمني بارز في حزب المؤتمر الحاكم لـ«سي إن إن» أن رفض الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح السفر إلى الرياض للتوقيع على مبادرة خليجية تنص على تنحيه من السلطة في غضون شهر، مرده خشيته من وقوع انقلاب عسكري حال مغادرته البلاد.

وقال المصدر، الذي رفض تسميته لأنه غير مخول بالحديث في هذا الشأن: «صالح يشعر بأن انقلابا مخططا له قد يقع إذا ما غادر البلاد»، وتابع: «صالح عضو في الحزب الحاكم وله حق إيفاد أعضاء نيابة عنه».

وأوضح المسؤول أن المناقشات جارية ويعمل صالح لإقناع أمين عام مجلس دول التعاون الخليجي، عبد اللطيف بن راشد الزياني، بإمكانية إرسال وفد يمثله إلى الرياض للتوقيع على اتفاق نقل السلطة الذي يتخلى بمقتضاه عن السلطة خلال شهر. وفي السياق ذاته قال طارق الشامي، الناطق باسم حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، إن وفد الحزب سيتوجه إلى السعودية لتوقيع الاتفاق وإن صالح لن يكون ضمن المشاركين. وذكر أن مستشار الرئيس اليمني، عبد الكريم الأرياني، هو من سيوقع على الاتفاقية نيابة عن صالح.

وفي ذات السياق علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن رفض صالح التوقيع على المبادرة يرجع إلى مساواته بباسندوة، وحسب مصدر مقرب من الرئاسة اليمنية فإن صالح قد يقبل التوقيع على المبادرة بصفته الحزبية وليست الرسمية كرئيس دولة، وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن مكان وزمان التوقيع قد يتغير في ضوء المباحثات والمشاورات الجارية في صنعاء.

وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن قال عبد الحفيظ النهاري رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام الحاكم: «إن المبادرة تشكل اتفاقا بين (المؤتمر) وحلفائه و(المشترك) وشركائه، وممثلو الحزبين هم الذين سيوقعون على المبادرة، ويأتي دور الأخ الرئيس في المصادقة عليها وتعميدها بعد توقيع الطرفين عليها» وفي رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كان الرئيس سيوقع على المبادرة اليوم (أمس) قال النهاري: «إن وقع عليها اليوم (أمس) فهذا سيكون بعد أن يوقع عليها ممثلو (المؤتمر) والمعارضة وذلك لتعميدها، وعندها فالذهاب إلى الرياض سيكون لمجرد الاحتفال بروتوكوليا بمناسبة التوقيع على المبادرة» وأضاف النهاري وفيما إذا كان الرئيس سيسافر إلى الرياض لحضور حفل التوقيع قال النهاري: «الرئيس لن يسافر إلى الرياض». وفيما إذا كانت هناك صعوبات تكتنف توقيع أو تنفيذ المبادرة قال النهاري: «لا أتصور أن هناك صعوبات فيما يخص التوقيع على المبادرة لأن الطرفين قد وافقوا عليها والتوجه اليوم إلى التوقيع عليها، غير أن أحزاب اللقاء المشترك ستسعى إلى التصعيد من خلال عدم رفع الاحتجاجات من الشوارع ونحن نأمل من الإخوة في الخليج الضغط على أحزاب اللقاء المشترك لتنفيذ هذا البند من المبادرة» وأضاف النهاري: «أتصور أن يكون هناك مباحثات غدا في الرياض للبحث في آليات تنفيذ هذه المبادرة بما يضمن عدم الإخلال بها».

وفي الأثناء، قال محمد قحطان القيادي في أحزاب اللقاء المشترك إن «المشترك» لن يقبل تعديل المبادرة الخليجية التي تنص حرفيا على أن يوقع عليها الرئيس اليمني والمعارضة. وأضاف قحطان: «لن توقع المعارضة إلا بتوقيع صالح ولن نقبل تعديل الاتفاقية التي تنص على توقيع الرئيس والمعارضة، وكما قبلنا كلام الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي الذين أبلغونا إما أن نقبل المبادرة بنصها حرفيا أو أن لا نقبلها فقبلناها نصا، والآن على الأشقاء الالتزام بنص المبادرة وإجبار صالح على التوقيع شخصيا، فهم الآن أمام اختبار حقيقي»، طبقا لما أورد موقع «عدن برس».

وفيما يخص موقف الشباب في ساحات الاعتصام من المبادرة الخليجية قال الدكتور حبيب الأصبحي القيادي في ساحة الحرية في تعز «إن الشباب المعتصمين لا يقبلون المبادرة لأنها لم تتضمن (التنحي الفوري) و(محاكمة) المتورطين في قتل الشهداء في كافة ساحات الاعتصام» وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط» عما إذا كان الشباب سيرفعون الاعتصامات حال التوقيع على المبادرة قال الأصبحي: «رفع الاعتصامات غير وارد لأن الاعتصامات والمظاهرات والعصيان المدني حقوق دستورية كفلها لنا الدستور، كما أن الاعتصامات هي الوسيلة الوحيدة لضمان تنفيذ المبادرة في حال راوغ النظام في تنفيذها».

وعلى صعيد الأوضاع الأمنية، لقي 3 متظاهرين مصرعهم وجرح ما لا يقل عن 20 آخرين في عملية اقتحام نفذتها قوات الجيش، أمس، لـ«مخيم الشهداء» في حي المنصورة بمدينة عدن، وقال شهود عيان إن دبابات ومدرعات قوات الحرس الجمهوري داهمت المخيم، الذي يعتصم فيه الآلاف من المطالبين بإسقاط النظام، واستخدمت الرصاص الحي في محاولة لفض الاعتصام وتفريق المعتصمين، وحسب مصادر طبية في عدن، فإن القتلى أصيبوا إصابات مباشرة بالرصاص في الرأس والصدر، إضافة إلى أن جميع إصابات الجرحى كانت، أيضا، بالرصاص، وقالت المصادر إن بين القتلى أحد المسعفين الذي كان ينقل الجرحى فوق دراجته النارية.

وذكرت مصادر ميدانية في عدن أن قوات الحرس الجمهوري داهمت العيادات الطبية في المخيم وصادرت معداتها الطبية، كما داهمت عددا من الفنادق المجاورة وحطمت بعض الأسرة، اعتقادا منها أنها تستخدم لإسعاف الجرحى والمصابين، وقد وصفت الحركات الشبابية في عدن، ما جرى بـ«المجزرة»، وتعد عملية الاقتحام هذه هي الأعنف في عدن خلال الأسابيع الأخيرة وبعد مقتل العشرات وجرح المئات برصاص قوات الأمن والحرس الجمهوري الشهرين الماضيين في عدة أحياء بمدينة عدن. كما قتل عسكريان و4 مدنيين السبت في عدن بجنوب اليمن في تبادل لإطلاق النار بين جنود ومسلحين! وفق ما أعلنت وزارة الدفاع اليمنية ومصادر طبية. وقالت الوزارة على موقعها الإلكتروني إن عسكريين! أحدهما ضابط! قتلا برصاص مسلحين في حي المنصورة. وأفاد شهود بأن الجيش هاجم لاحقا مطلقي النار المفترضين الذين كانوا من ضمن مظاهرة مناهضة للنظام في ساحة الشهداء في الحي نفسه. وتزامنت الأحداث الدامية التي شهدتها عدن مع عصيان مدني شامل في مدن المحافظة تلبية لدعوة «شباب الثورة» كإحدى وسائل الضغط على الرئيس علي عبد الله صالح للتنحي عن السلطة.