نجم سابق في «سي آي إيه» يبزغ مجددا عبر البنتاغون

فيكرز أشرف على تسليح الأفغان ضد السوفيات وعمل في أميركا الوسطى وعارض سياسة بوش في العراق

مايكل فيكرز
TT

كان مايكل فيكرز عام 1986 نابغة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وكبير واضعي استراتيجية برنامج تسليح الأفغان في مقاومتهم للاتحاد السوفياتي. وعلى عكس كل التوقعات، غيرت تلك المحاولة مسار الحرب وساعدت في التعجيل بهزيمة الجيش الأحمر. لكن عوضا عن الزهو بالنصر أذهل فيكرز الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 33 عاما رؤساءه باستقالته. ونظرا لاعتقاده أنه لن يكلف بمهمة بهذا الحجم مرة أخرى، اتجه لتحضير الدراسات العليا وبدأ مهنة جديدة. وبعد مرور ربع قرن، عاد فيكرز إلى الحكومة حيث يعيد التاريخ نفسه. ومرة أخرى يحاول المتمردون الأفغان طرد قوة عظمى، وهذه المرة يتولى فيكرز منصبا رفيع المستوى في وزارة الدفاع (البنتاغون) التي كان فيها مسؤولا لمدة الأربعة أعوام الماضية عن قوات العمليات الخاصة التي تلاحق قادة حركة طالبان ومنهم بعض الذين ساعدهم في الثمانينات. وبدأ نجم فيكرز يبزغ مرة أخرى في واشنطن.

الشهر الماضي صدق مجلس الشيوخ على ترشيح الرئيس أوباما لفيكرز لمنصب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات التي تخول له الإشراف على هيئة الأمن القومي ووكالة (سي آي إيه) ومكتب الاستطلاع القومي والأقسام الاستخباراتية الأخرى التي تخصص لها ثلاثة أرباع ما تنفقه الولايات المتحدة على الهيئات الاستخباراتية الخارجية. ومن المتوقع أن يكون مساعدا رئيسيا لليون بانيت الذي رشحه أوباما الأسبوع الحالي لمنصب وزير الدفاع. يقول المسؤولون في الإدارة إن المسار المهني لفيكرز قد لا ينتهي عند هذا الحد. لقد وصل إلى تصفيات منصب الرجل الثاني في وكالة (سي آي إيه) العام الماضي وكان من المحتمل أن ينافس على منصبه القديم كمدير يوما ما.

رفض فيكرز التعليق على هذا الأمر. لكن في مجال يتسم بالغموض والموظفين المبهمين، يصفه مؤيدوه بأنه يجمع بين القوة والذكاء. وقد تم تكريمه في السابق كأفضل موظف قوات خاصة في أحد الأعوام عندما كان رئيسا للقوات الخاصة. إنه من قدامى الذين شاركوا في العمليات السرية في غرينادا وأميركا الوسطى.

وقبل عمله في وكالة «سي آي إيه» تلقى تدريبا على الهبوط بالمظلات خلف خطوط الاتحاد السوفياتي بينما يربط سلاح نووي حول جسده. ويجيد فيكرز كذلك الرماية والفنون القتالية وليس بعيدا عن المشاهد الدموية. ففي عام 1976، عندما كان يدّرس الاشتباك بالأيدي في أكاديمية ويست بوينت، غرس جندي آخر سكين صيد دون قصد في فخذ فيكرز بالقرب من الشريان الفخذي.

ويقول زملاؤه إن ارتداءه نظارات سميكة يوحي بأنه مفكر. وبعد الاستقالة من وكالة «سي آي إيه»، حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا. كما حصل مؤخرا على درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكينز. وتجاوزت أطروحته المائة صفحة. وفي فيلم «حرب تشارلي ويلسون»، الذي تناول الحرب الأفغانية في الثمانينات والذي يقوم على كتاب لجورج كريل، تم تصوير فيكرز كعبقري فيما يتعلق بالميلشيات ولاعب شطرنج حاذقا يمكنه أن يشتبك بهدوء مع عدد من الخصوم في وقت واحد وكأنه أستاذ روسي.

لقد كان أبعد ما يكون عن جذوره في جنوب كاليفورنيا حيث أقر بحصوله على علامات «سي» في المدرسة الثانوية والوصول إلى السنة النهائية بالجامعة قبل أن يتجه إلى الجيش. ويشير أندرو كريبينفيك، الضابط المتقاعد الذي كان أستاذ فيكرز في جامعة جونز هوبكينز وعينه فيما بعد في مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية وهي من المؤسسات الفكرية القومية المؤثرة، أداء فيكرز المتدني في شبابه. وقال: «أحيانا يسأم الموهوبون من العروض التي يتلقاها الأشخاص العاديون».

في مدينة يتم استقطاب أهلها عاش فيكرز وأحرز تقدما بفضل عدم انحيازه. ورغم خدمته للرئيس كموظف سياسي، لم تظهر السجلات أي دليل على تبرعه لأي مرشح أو حزب.

ظل فيكرز بعيدا عن الحكومة الأميركية لعقدين عندما دعاه الرئيس السابق جورج بوش مع ثلاثة خبراء من المؤسسات الفكرية والأكاديمية إلى كامب ديفيد بميريلاند عام 2006 لاستشارتهم في استراتيجية الحرب على العراق. وقال فيكرز إن خطة بوش لإنقاذ الحرب من خلال «زيادة» القوات كانت مضللة، حيث قال له العكس وحثه على القيام بانسحاب جزئي وتوفير المزيد من التدريب لقوات الأمن العراقية.

التزم بوش بخطته التي نُسب لها الفضل في الحد من العنف في العراق في النهاية. لكن أثار فيكرز إعجاب الرئيس وقتها، فأمر دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع حينها، بتعيين رئيس القوات الخاصة السابق الواثق من نفسه.

ويتذكر إليوت كوهين، الأستاذ بجامعة جونز هوبكينز والموظف السابق في وزارة الداخلية وكان في كامب ديفيد ذلك اليوم: «يحب بوش رجال الأفعال لا الأقوال. رغم أنه لم يعمل بنصيحته، فقد خلف لديه انطباعا جيدا».

وتم التصديق على تعيين فيكرز كمساعد لوزير الدفاع لشؤون العمليات الخاصة والصراعات المحدودة في ربيع 2007. وبحلول ذلك الوقت حلّ رجل يعرفه فيكرز من أيام الحرب الباردة محل رامسفيلد، هو روبرت غيتس، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية.

لقد جلبت هذه الصلة الحظ لفيكرز، حيث بعد أن طلب من غيتس البقاء في منصبه بوزارة الدفاع أثناء فترة حكم إدارة أوباما، طلب من فيكرز البقاء في منصبه هو الآخر. وقال الديمقراطيون إن هذا كان سهلا. وقال آدم سميث، النائب الديمقراطي عن واشنطن وعضو لجنة القوات المسلحة والذي حشد دعم البيت الأبيض للإبقاء على فيكرز: «إن ذكاءه وكفاءته أمران مؤكدان».

وأشرف فيكرز على توسيع نطاق العمليات الخاصة حول العالم وما يشمله من شبكة لمكافحة الإرهاب تركز على 20 دولة لها أولوية قصوى. وصرح فيكرز لصحيفة «واشنطن بوست» عام 2007 قائلا: «الحرب على الإرهاب هي حرب غير مباشرة بالأساس. إنها حرب شركاء، لكن بها أيضا قليلا من الحرب في الظل».

ونقل عن فيكرز قوله إنه يشرف بدقة على الحرب عوضا عن الاعتماد على التقارير البيروقراطية التي ترد إليه. وقبل التصديق على تعيينه الشهر الماضي، طلبت منه لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ تفسير التعليق الذي قال فيه إنه قضى نحو 95% من وقته في العمليات. وكتب فيكرز ردا على ذلك أنه «أدى واجبه على أفضل وجه وأن وقته كان يتم تنظيمه بطريقة مناسبة». ووصفه من عمل معه في وزارة الدفاع بأنه منضبط ويحافظ على أسرار العمل حتى أنه خلال النقاشات الداخلية يحاول جاهدا أن يبقي أفكاره لنفسه.

التحق فيكرز بوكالة «سي آي إيه» عام 1983 بعد عقد من عمله في الجيش. وحالفه الحظ وتولى وظيفة واضع استراتيجيات لقوات المهام الخاصة الأفغانية التابعة للوكالة. وفقدت وكالة الاستخبارات أكثر خبرائها بعد حرب فيتنام. وكان فيكرز الذي تولى مسؤولية القوات الخاصة في السابق وصاحب الخبرة الموسوعية بالأسلحة الروسية هو الرجل المناسب.

كان أفراد المقاومة الأفغانية يقاتلون السوفيات ببنادق غير آلية يعود تاريخ صنعها إلى الحرب العالمية الأولى. لكن فيكرز وغاست أفراكوتوس، رئيسه في قوات المهام الخاصة، راهنا على إمكانية فوز الأفغان بالحرب إذا تم إمدادهم بالأسلحة. ووضع فيكرز خطط تسليح وتدريب مجموعة أساسية من 150 ألف مقاتل أفغاني. ويقول نيك برات، وهو عقيد مارينز متقاعد وأحد العاملين لحساب وكالة «سي آي إيه» وعمل مع فيكرز في أفغانستان: «كانت عبقرية مايك تكمن في معرفته أن ذلك لم يكن لينجز بالسكاكين وأوشحة على الرؤوس بل على أيدي محترفي الإمداد والتموين».

كانت الأسلحة والإمدادات تمر عبر باكستان، وتعرّف فيكرز على الكثير من قادة المجاهدين الأفغان. ولا يزال بعضهم يقاتل حتى الآن بعد مرور عقود، لكنهم يقاتلون هذه المرة الولايات المتحدة وحلفاءها ومنهم جلال الدين حقاني قائد شبكة المتمردين في البشتون في شرق أفغانستان وقلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي.

تخلى فيكرز عن العمل في وكالة «سي آي إيه» بعد ثلاث سنوات وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال وعمل في القطاع الخاص لبضع سنوات، لكنه أقرّ بافتقاده الانخراط في مجال الأمن القومي. بدأ عام 1991 القيام بدراسات عليا في جامعة جونز هوبكينز حيث انجذب إلى نظرية عصرية تسمى «ثورة في الشؤون العسكرية». وتقول النظرية إن ما تم تحقيقه من إنجازات تكنولوجية على مدى قرون مثل الأسلحة النووية جعل الحروب تتخذ طابعا ثوريا.

وتوقع مؤيدو النظرية أن يشهد العالم الحديث تحولا كبيرا قد يغير موازين القوى في العالم.

وأثناء تحضيره رسالة الدكتوراه في الدراسات الاستراتيجية، بحث فيكرز في أسباب التحولات السريعة التي شهدتها الحروب النظامية وأورد 18 حالة مختلفة على مر التاريخ بدءا من تطور العجلة الحربية وصولا إلى «ثورة الأسلحة عالية الدقة» خلال الربع الأخير من القرن العشرين.

بعد نحو عقدين من الدراسات، أنهى فيكرز أطروحة الدكتوراه في يوليو (تموز) الماضي. وعبّر في الإهداء عن شكره لزوجته ميلانا التي كانت زميلته في محاضرات كوهين عام 1992 لتشجيعها له «على إتمام الدراسات». ومن المقرر أن يناقش أطروحته بجامعة جونز هوبكينز الشهر الحالي. وقال كوهين: «إذا لم يكن يتجول حول العالم جوا، سألبسه بنفسي العباءة التي يرتديها أثناء مناقشة الأطروحة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بــ«الشرق الأوسط»