«خبراء التعليم» يوصون بتأسيس مرصد بحثي يستند إلى بانوراما إحصائية للمراجع العلمية

السعودية تتصدر عربيا كراسي البحث وتتسنم قائمة المخترعين

TT

أوصت دراسة أكاديمية قدمها مجلس خبراء التربية والتعليم بتأسيس مرصد لدراسة حال البحوث والتطوير، على مستوى الدول العربية مبنية على بانوراما إحصائية تقوم على التحليلات البحثية للمراجع العلمية، منتقدة قصور مساهمة القطاع الخاص في صناعة البحث العلمي في السعودية.

وقصدت الدراسة التي عنونت بـ«الأدوار المتوقعة للقطاع الخاص في دعم صناعة البحث العلمي»، وقدمت مناصفة بين الدكتور أحمد الزهراني، والدكتورة رقية المعايطة، مستشاري مجلس خبراء التربية والتعليم، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، إلى تحليل واقع القطاع الخاص في البيئة الاستراتيجية السائدة ودعمها للبحث والتطوير، ووضع تصور لتحقيق مشاركة فاعلة بين مؤسسات السعودية والمؤسسات التعليمية لدعم القدرات البشرية الوطنية وتهيئتها للإبداع والابتكار.

وجاءت لتسهم في إيجاد حلول لمشكلة التحديات القائمة في قضية التعاون والتنسيق بين مراكز الدراسات والبحوث في الجامعات السعودية، وبين قطاعات الخدمات والإنتاج الصناعي خاصة في ظل وضع الأفكار وتطويرها من خلال البحث والتطوير كرأس المال لإحداث النمو.

وتطرقت الدراسة إلى استعراض مفهوم صناعة البحث العلمي، الذي لا يمكن تحقيقه إلا إذا تمت الإجابة عن جميع الأسئلة التالية: لماذا تم إنتاجها؟ ولمن تم إنتاجها؟ وما الهدف منها؟ وكيف يمكن إقرانها بالتطوير؟ وما علاقتها ببناء مجتمع المعرفة؟ وما علاقتها بالخبرة؟ وهل يكفي إعدادها من الأكاديميين فقط؟ وهل يمكن أن نستغني عن القطاعات الأخرى في مجال الخدمات والإنتاج الصناعي؟ وذلك بهدف بناء المعرفة التي تعتبر محصلة الجمع بين المعلومات والخبرة والقدرة على الحكم، والانتقال من العمل بالبعدين العلمي والتفاني فقط نحو المعرفة المتكاملة، المعرفة التي لا تغفل الإنسانيات وقدراته اللامتناهية في الابتكار والإنتاج المادي والرمزي.

أما دوافع اهتمام القطاعات الخاصة (الخدمات والإنتاج الصناعي) بالبحوث والدراسات، فتتركز جميعها بحسب الدراسة حول تحريرها من قيود الاعتماد على الشركات الأجنبية في معالجة مشكلاتها وتطوير قدراتها الإنتاجية، للمساعدة في تطوير الإنتاج الوطني على أساس من الاعتماد على القدرات الذاتية، والحد من استنزاف الموارد الناجمة عن مبالغة الشركات الأجنبية في تكلفة البحوث العلمية التي تجريها، كذلك الحد من مشكلة الاحتكار لأسرار التطوير والابتكار، وإفساح المجال أمام توفير العمالة الوطنية المدربة والقادرة على تشغيل القطاعات الوطنية وصيانتها بشكل اقتصادي، ومساعدتها على تصميم منتجاتها وتطويرها بما يتلاءم مع الاحتياجات المحلية، وبما يتواءم مع متطلبات خطط التنمية بالسعودية.

كما تنطلق الدراسة من المواءمة بين القطاعات الخدمية والإنتاجية والبحث والتطوير، إذ تعتبر نفقات البحوث والتطوير وحق الاختراع من الأصول غير الملموسة في القوائم المالية للشركات والقطاعات المختلفة، وتعتبر بندا واضحا في القوائم المالية (إذ يقصد بالبحوث «فحص ودراسة مخططة تقوم بها الشركة أو توكلها لجهة متخصصة في هذا المجال، من أجل اكتساب وتفهم معرفة علمية أو فنية جديدة»، أما التطوير فهو «تطبيق نتائج البحوث وغيرها من المعارف على تصميم وإنتاج منج جديد أو محسن»)، حيث صدر عن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين مشروع معيار الأصول غير الملموسة، الذي يهدف إلى تحديد متطلبات القياس والإثبات للأصول غير الملموسة وعرضها والإفصاح عنها في القوائم المالية، بحيث تظهر القوائم المالية بعد المركز المالي للمنشأة ونتائج أعمالها.

واستطاعت الدراسة أن تتوصل إلى واقع القطاع الخاص الوطني في دعم صناعة البحث العلمي ضمن البيئة الاستراتيجية السائدة، من خلال عدة محاور: أولها معرفة مدى الاستفادة من البحوث والدراسات في تطوير القطاع الخاص (الخدمات والإنتاج الصناعي)، إذ على الرغم من الأهمية الكبيرة للدور الذي من المفترض أن تلعبه الجامعات السعودية (بما فيها مخرجات برامج الدراسات العليا)، في تغطية متطلبات القطاع الخاص (الخدمات والإنتاج الصناعي) الوطني من التحديث والتطوير.

وقال الباحثان في دراستيهما: «الاستفادة لم تصل فيه بعد إلى المرحلة التي تسهم فيها بفعالية في إحداث هذا التطوير المطلوب، ويرجع ذلك إلى عدم تحول الجامعات السعودية حتى الوقت الحالي إلى شريك فعال في تغطية متطلبات تحديث وتطوير الخدمات والإنتاج الصناعي الوطني من ناحية، وإلى ضعف علاقات التكامل والتنسيق بين هذه الجامعات وتلك القطاعات».

وأضاف قائلا: «تتسم البحوث العلمية التي من المفترض أن تقوم بها الجامعات السعودية لصالح القطاع الخاص بمحدوديتها، حيث إن الغالبية العظمى من القطاعات الخاصة تعتمد فيه على المنشآت الاستشارية الأجنبية في معالجة مشكلاتها الخدمية والإنتاجية، كما تعتبر البحوث التي يقوم بها الباحثون وأساتذة الجامعات لصالح الخدمات والإنتاج الصناعي في القطاع الخاص محدودة جدا، إذ إن معظم الدراسات التي يقومون بإنتاجها لأغراض الترقيات فقط، كذلك ضعف المختبرات العملية التي تمكن الباحثين من التحقق المبدئي لنتائج دراساتهم وبحوثهم قبل تسليمها إلى القطاع الخاص أو حتى قبل عرض الفكرة على القطاع الخاص».

وحول موقف القطاع الخاص (الخدمات والإنتاج الصناعي) من مسألة البحوث والتطوير، أبانت الدراسة البحثية لضعف العلاقة بين الطرفين انعدام الثقة بينهما، كذلك عدم تخصيص ميزانيات للبحث والتطوير في ميزانيات الشركات بشكل عام، التي يفترض أن تظهر في القوائم المالية المعلنة في الصحف والمجلات المحلية والعالمية، والأهم عدم التوجه إلى الاستثمار في البحث والتطوير، وكيف لا وهي تعمل في أسواق تتمتع بحماية جمركية، وتتلقى دعما حكوميا كبيرا، ولا تتحمس كثيرا للابتكار، فالمخاطرة قليلة في رأسمالها، فهي تفضل التعامل مع مؤسسات البحث العلمي الأجنبي.

وعن ماهية مخرجات التعليم، أكدت الدراسة لمؤشرات النشر العلمي المحكم أن السعودية تتصدر الدول العربية في مجال النشر العلمي، أما بالنسبة إلى مؤشرات الأداء الإبداعي (براءات الاختراع)، تتصدر السعودية الدول العربية في عدد براءات الاختراع، ولكنها ضعيفة الارتباط مع الدورة الإنتاجية والمردود التنموي للبحث العلمي، وهي شبه حكومية، حيث يغيب القطاع الخاص تقريبا في هذا المجال، بسبب قصور نظرته عن إدراك أهميته الاقتصادية.

وتوصلت الدراسة إلى وضع استراتيجية لبناء الشراكات بين القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية، مدخلاتها: تتمثل في بناء ثقافة تنظيمية تؤمن بالبحث والتطوير (أي بالدورة البحثية الإنتاجية التنموية)، كذلك تأهيل الموظفين من خلال التعلم وبناء الكفاءات والمهارات الضرورية لترسيخ ثقافة التعلّم المستمر وإلى تزويدهم بالمهارات التي تساعدهم على الارتقاء بأنفسهم في بيئة الاقتصاد المعرفي، كذلك بناء قاعدة معلومات تكون بمثابة العمود الفقري التي تدعم كادر المؤسسة لأغراض البحث والابتكار، مع ضرورة تكافؤ فرص حصول الموظفين عليها.

أما عملياتها - حسب الدراسة - فتتضمن بناء «هيئة البحث والتطوير» ويكون أعضاؤها ممثلين من قطاعات المنشآت الخاصة وقطاعات المؤسسات التعليمية في المملكة، وتكون المظلة التنسيقية بين الطرفين، تنقل التجارب الفاعلة، تبني مؤشرات الداء الفاعلة لتقييم مدى كفاءة البحث والتطوير في السعودية، ومدى تعاونها في حل المشكلات المجتمعية، كذلك تمنح رخص مزاولة البحث والتطوير بعد تحقق قائمة الشروط اللازمة للقيام بالمهمات، كذلك العمل على «بناء استراتيجية التعاون بين مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية» يتم من خلالها تحليل واقع البحث والتطوير في المملكة، وواقع جميع القطاعات، سواء في المؤسسات الخاصة والمؤسسات التعليمية.

وخلصت الدراسة إلى أن «بناء مجتمع المعرفة هو قرار سياسي يحقق رؤية القيادة العليا في السعودية، الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تحقيق الشراكات بين القطاعات العلمية، التي تمثلها الجامعات ومراكز البحوث والدراسات، والقطاعات الخاصة في المملكة، بحيث يتم بناء منظومة متكاملة تبدأ من البحث إلى التطوير وتحقيق الدورة الإنتاجية في المجتمع السعودي والمساهمة في نهضة المجتمع وتحسين صورتها في الأوساط الاستراتيجية».

قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات تتبلور في: تأسيس مرصد لدراسة حال البحوث والتطوير على مستوى الدول العربية تستند على بانوراما إحصائية تقوم على التحليلات المرجعية للإنتاج العلمي، وإجراء مجموعة من الدراسات البحثية الميدانية للجهات المختصة بتشجيع التنمية التكنولوجية والابتكارات، كذلك لرجال الأعمال والصناعة حول احتياجاتهم وممارساتهم لأنشطة البحث والتنمية وعلاقتهم بالعالم الأكاديمي.