باريس مستعدة للتعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة

نتنياهو في باريس الخميس ومصادر تتوقع محادثات «شاقة» مع ساركوزي

TT

يصل رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى باريس يوم الخميس القادم لإجراء محادثات مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في إطار جولة أوروبية تشمل بريطانيا وفرنسا.

وتأتي هذه الزيارة، التي كانت مقررة أصلا لمواجهة النجاحات التي حققتها الدبلوماسية الفلسطينية في الشهور الماضية، تمهيدا للتوجه إلى الأمم المتحدة والمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر (أيلول) القادم، على خلفية التقارب الفلسطيني والتأهب لتشكيل حكومة فلسطينية موحدة تضع حدا للانقسام وتقوي الموقف الفلسطيني.

وليس اختيار باريس محطة ثانية لجولة نتنياهو محض صدفة بل مرتبط بأمرين اثنين: الأول، الجهود التي تبذلها باريس للدعوة إلى مؤتمر باريس - 2 للدول والهيئات المانحة للدولة الفلسطينية، الذي من المنتظر أن يلتئم في شهر يونيو (حزيران) القادم. والثاني، الدور «الريادي» الذي تريد باريس أن تلعبه على صعيد الملف الفلسطيني و«التزام» الرئيس ساركوزي خلال زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلى باريس «المساعدة» على قيام الدولة الفلسطينية والإعراب عن الاستعداد للاعتراف بها على الرغم من غياب أي اتفاق فلسطيني - إسرائيلي. وسبق لوزير الخارجية آلان جوبيه أن قال إن الموضوع سيطرح للنقاش في سبتمبر أو أكتوبر (تشرين الأول) القادمين. غير أن التقارب «المفاجئ» الذي تحقق الأسبوع الماضي، وتأهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، للتوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة الأربعاء القادم - أدخلا عنصرا جديدا على المعادلة ووفرا لـنتنياهو فرصة «ذهبية» للانقضاض على الاتفاق والتلويح بفزاعة حماس.

وعلى الرغم من «الترحيب» الدولي بالمصالحة الفلسطينية التي كانت مطلبا ثابتا عربيا ودوليا، فإن اقتراب تحقيقها أدخل عامل إرباك وأعاد الأوضاع إلى شبه ما كانت عليه قبل خمس سنوات لجهة الشروط الثلاثة التي فرضتها الرباعية الدولية في عام 2006 للتعاطي مع حماس وهي: وقف العنف والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والاعتراف بإسرائيل.

وما يصح على موقف واشنطن والاتحاد الأوروبي يصح على موقف باريس أيضا، إذ أعلنت الخارجية الفرنسية أن موقفها «لم يتغير» وأنها تربط تواصلها مع حماس بقبولها الشروط الثلاثة المذكورة. غير أن مصادر دبلوماسية أفادت بأن هذا الموقف المبدئي «لا يعني أن فرنسا تريد أن تحشر نفسها مجددا في الزاوية بحيث تمنع من الحراك الدبلوماسي»، كما كان الحال عقب قيام حكومة الوحدة الفلسطينية. لذا، فإنها وجدت المخرج بالإعلان عن استعدادها للعمل مع «حكومة وحدة وطنية (فلسطينية) ملتزمة بالامتناع عن استخدام العنف وبمبادئ مسار السلام». وتضيف باريس أن المصالحة الفلسطينية «ستسهل إعادة توحيد الأراضي الفلسطينية، ولذا فإنها تذهب في الاتجاه الصحيح وتتيح ترقب قيام الدولة الفلسطينية بشكل ملموس بحيث تكون عامل سلام واستقرار في المنطقة، وخصوصا بالنسبة لإسرائيل». ونفت باريس أن تكون لها اتصالات مع حماس.

ولا يبدو صعبا، من الزاوية الفرنسية، أن تلتزم حكومة التكنوقراط الفلسطينية الموعودة مسار السلام ومبادئه وأن تنبذ العنف، باعتبار أن هاتين القاعدتين يشكلان الخط الذي تسير عليه السلطة الفلسطينية والذي يدافع عنه أبو مازن باستمرار.

وتتوقع مصادر سياسية في باريس أن تكون محادثات نتنياهو مع الرئيس ساركوزي «صعبة» بالنظر لتباعد مواقف الطرفين من موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومن موضوع حماس ومن «المقترحات الجديدة» التي سيعمد نتنياهو، كما هو متوقع، إلى طرحها لتطويق الجهود الفلسطينية داخل الاتحاد الأوروبي وعلى الصعيد الدولي. ومن المواضيع الخلافية بين الطرفين إشادة فرنسا بخطوة مصر لجهة فتح معبر رفح واعتبارها خطوة «في الاتجاه الصحيح»، فضلا عن أنها تدعو إسرائيل إلى «تغيير أساسي» لسياستها إزاء غزة وتخفيف القيود المفروضة عليها وتسهيل خروج صادراتها. ولا تخفي المصادر الرئاسية خيبة فرنسا من رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي تعتبره مسؤولا عن تعطيل جهود السلام بسبب التمسك بالاستيطان، فضلا عن خيبتها من التراجع الأميركي المتلاحق عن مواقف أساسية أكدتها الإدارة ثم عملت بعكسها. وعمدت واشنطن في الأشهر الأخيرة إلى تعطيل اجتماع الرباعية في باريس مرتين، الأولى في شهر مارس والثانية في أبريل (نيسان) الحالي. ومع تسلم فرنسا رئاسة مجلس الأمن لشهر مايو (أيار)، فإن هامش تحرك وتأثير الدبلوماسية الفرنسية سيتسع بلا شك، خصوصا بالنسبة للملفات التي تهم العالم العربي المرتبطة بـ«الربيع العربي» أو بالملف الفلسطيني.