الدبابات السورية تقصف الحي القديم في درعا.. والأهالي يحتجون من منازلهم عبر إطلاق تكبيرات

السلطات تشن حملة اعتقالات واسعة.. والنشطاء يدعون إلى مواصلة التظاهر في «أسبوع فك الحصار»

صورة ملتقطة من سيارة عبر هاتف جوال لنقطة تفتيش أقامتها قوات الأمن السورية في دمشق أمس (أ.ب)
TT

أفادت تقارير بأن دبابات الجيش السوري قصفت، أمس، الحي الروماني القديم في مدينة درعا، جنوب سوريا، بينما لا تزال المدينة تحت حصار القوات الأمنية التي شنت حملة اعتقالات واسعة في المدينة لـ«شل» الاحتجاجات المناوئة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتزامن ذلك مع دعوة المعارضة إلى القيام بمظاهرات في عموم البلاد من أجل «فك الحصار» عن درعا.

ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن شاهد عيان قيام الدبابات السورية بقصف الحي القديم غير أنه لم ترد تقارير عن وقوع ضحايا أو خسائر مادية، ووفقا لشاهد العيان، الذي رفض الكشف عن اسمه خوفا من بطش الأجهزة الأمنية، فإن عناصر الأمن منعوا الرجال من مغادرة المنازل بينما سمح للنساء بالخروج في الصباح الباكر لشراء الخبز، غير أنه لم يتم التأكد من تلك التقارير من مصادر منفصلة جراء الحصار الإعلامي الذي تفرضه السلطات.

وبحسب شهود العيان فإن سكان درعا ما زالوا «صامدين» رغم الحصار العسكري الذي تفرضه القوات الأمنية منذ أسبوع على المدينة، وأشار شاهد عيان إلى أن المتظاهرين يمارسون الاحتجاجات من داخل منازلهم عبر التكبيرات التي يطلقونها من النوافذ في تحد واضح للسلطات ولرفع معنويات بعضهم البعض. وقال شاهد العيان إن «بيوتنا متلاصقة مع بعضها البعض، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع مغادرة بيوتنا فإننا نقف عند النوافذ ونصرخ (الله أكبر)، وعندما يسمعنا الجيران فإنهم يستجيبون عبر إطلاق تكبيرات مماثلة».

وتعاني مدينة درعا من نقص في الماء والوقود والكهرباء منذ يوم الاثنين الماضي عندما تقدمت القوات الموالية للنظام السوري لسحق الاحتجاجات في تلك المدينة. كما قامت بقطع الطرق الرئيسية وعزل الأحياء عن بعضها باستخدام الدبابات والعربات فيما اتخذ القناصة من أسطح البنايات مواقع لهم.

وبالإضافة إلى الحصار العسكري الذي تفرضه قوات الأمن، استمرت السلطات في حملة الاعتقالات التي طالت نشطاء ومتظاهرين شاركوا في الاحتجاجات في درعا ومدن أخرى، وقال الناشط الحقوقي عبد الله أبا زيد «إنهم (رجال الأمن) يقومون منذ ساعة مبكرة من صباح اليوم (أمس في درعا) مدعومين بدبابات ومدرعات بالتنقل من حي إلى آخر! ويدخلون البيوت ويعتقلون في كل مرة شخصا أو شخصين»، وأضاف أن «كل الرجال الذين تزيد أعمارهم على 15 عاما عرضة للاعتقال»، مشيرا إلى استجواب مئات الأشخاص منذ الجمعة الماضي. وأوضح أن «القناصة يطلقون النار على كل شيء يتحرك» ويمنعون السكان من رفع «ستة جثث موجودة في الشارع منذ الجمعة! كما أن هناك جرحى لا نستطيع نجدتهم»، وفقا لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

وبحسب أبا زيد فإن «الوضع الإنساني مترد جدا! فليس هناك ماء ولا طعام ولا كهرباء».

ومنذ الاثنين الماضي تحاصر القوات السورية المدينة حيث قتلت 32 شخصا على الأقل يوم الجمعة عندما أطلقت النار على متظاهرين جاءوا من القرى المجاورة حاملين مساعدات! بحسب منظمات تعنى بحقوق الإنسان، كما قتل ستة أشخاص يوم السبت على يد قوات الأمن! بحسب الناشطين.

ومن جانبها، ذكرت الناشطة رزان زيتونة، أن السلطات تسعى إلى «شل» المظاهرات عبر الاعتقالات في درعا وبقية المدن السورية. وقالت زيتونة لوكالة «أسوشييتد برس» إنها تختبئ مع زوجها في مكان ما خشية اعتقالهما وإن السلطات اعتقلت شقيق زوجها الذي يبلغ من العمر 20 عاما فقط من أجل الضغط عليهما لتسليم أنفسهما.

وجاء ذلك بينما أفاد نشطاء بأن السلطات أبلغت ذوي الضحايا الذين سقطوا في مظاهرات الجمعة الماضي بأن ينظموا مراسم تشييع محدودة للضحايا تقتصر على عدد قليل من الأقارب لكي لا تتحول إلى مظاهرات مناوئة للنظام. وكانت السلطات قد أصدرت أوامر مشابهة الأسبوع الماضي، إلا أن أحدا لم يلتزم بها.

غير أن رواية الأجهزة الرسمية حول مجريات الأحداث في سوريا كانت مختلفة، إذ صرح مصدر عسكري سوري بأن «بعض وحدات الجيش والقوى الأمنية تتابع ملاحقة المجموعات الإرهابية المسلحة التي روعت المواطنين الآمنين في درعا واعتدت على المنشآت والممتلكات العامة والخاصة»، وقال إن العملية أسفرت عن «مقتل ستة أفراد من عناصر المجموعات الإرهابية وإلقاء القبض على 149 عنصرا من المطلوبين الفارين من العدالة، إضافة إلى الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة». وأضاف المصدر أن المواجهة أدت إلى «استشهاد أحد المجندين وجرح سبعة آخرين من عناصر الجيش والقوى الأمنية»، حسبما أوردته وكالة الأنباء السورية (سانا). واعتادت السلطات السورية على إلقاء اللوم على «عصابات مسلحة» في تنفيذ أعمال العنف واستهداف المدنيين والعسكريين على حد سواء.

كما أفادت «سانا» بأنه جرى أمس تشييع «جثامين ثلاثة شهداء من الجيش والقوى الأمنية» من مشفى تشرين العسكري بدمشق والمشفى العسكري بحمص، وقالت إن «المجموعات الإرهابية المتطرفة في درعا وحمص» قتلتهم «أثناء تأدية واجبهم»، وهم المجند هيثم جمال الويسي 20 عاما من حلب، منطقة اعزاز قرية احتمالات. والمجند صالح يونس هويت 21 عاما من القامشلي، قرية المكيطة. والمجند إبراهيم رضوان حمدو الفلاحة من حلب، منطقة الباب.

وفي غضون ذلك، استمرت دعوات الأوساط السورية الشعبية والثقافية والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لفك الحصار عن درعا، وجعل الأسبوع الحالي «أسبوع فك الحصار». حيث استمرت المظاهرات في الخروج بعدة مدن ومناطق سورية، منها مظاهرة في حمص من جامع النور في حي الخالدية وأخرى في درايا بريف دمشق، تطالب برفع الحصار عن درعا والسماح بوصول المواد الغذائية، لا سيما حليب الأطفال. إلا أن شركة المطاحن العامة أعلنت أن «لا نقص في مادة الطحين في درعا»، وأنها قامت أمس بشحن نحو 600 طن من الطحين إلى المجينة لـ«تغطية حاجة المحافظة وريفها»، موضحة في بيان رسمي أن «هذه الشحنة لدعم المخزون الاحتياطي».

وقعت نحو 700 شخصية سورية من بينها مخرجون وكتاب وصحافيون بيانا نشر على موقع «فيس بوك» بعنوان «من أجل أطفالنا في درعا» لمطالبة السلطات بإيقاف «الحصار الغذائي» على درعا.

وطالب الموقعون على البيان «الحكومة السورية بإيقاف الحصار الغذائي المفروض على درعا وقراها منذ خمسة أيام! الذي أدى إلى نقص المواد التموينية والضرورية لاستمرار الحياة، وأثر سلبا على الأطفال الأبرياء الذين لا يمكن أن يكونوا مندسين في أي من العصابات أو المشاريع الفتنوية بكل أنواعها».

كما طالب البيان الذي أطلقته الكاتبة والناشطة السورية ريما فليحان الحكومة السورية «بدخول إمدادات غذائية من مواد تموينية وأدوية وأغذية أطفال وبإشراف وزارة الصحة السورية أو الهلال الأحمر». وقالت فليحان: «المسألة تتعلق بمطالب إنسانية! فمهما كان ما يحدث، فلا مبرر لحصار غذائي يدفع ثمنه الأطفال والمدنيون».

وردا على سؤال حول ما حفزها لإطلاق المبادرة، قالت: «لأن ما نراه على الشاشات مؤلم! لا نتحمل أن لا يكون لدى الأطفال حليب وغذاء».

كما دعا الناشطون إلى مظاهرات في درعا أمس وفي ضواحي دمشق اليوم وفي بانياس وجبلة (شمال غربي) بعد غد، وفي حمص وتلبيسه (وسط) وتلكلخ عند الحدود مع لبنان الأربعاء، بينما ينوي المتظاهرون يوم الخميس تنظيم «اعتصامات ليلية» في كل المدن، مؤكدين على موقع التواصل الاجتماعي أن «الحرية قادمة لا محالة. هذا الشعب بذل دماءه وفلذات أكباده وزهرة أبنائه لأجل الحرية وسينال الحرية قريبا. ستزهر دماءكم الزكية يا شهداءنا الأبرار».

وفي مدينة حرستا التابعة لمحافظة ريف دمشق، قالت مصادر محلية إنه تم تخفيف الحصار على حرستا وبات غير مباشر مع بقاء الانتشار الأمني الكثيف في الشوارع دون تمركز في مناطق معينة.

وفي دوما تم الإفراج عن 305 معتقلين من أصل أكثر من 1500 معتقل، كما لوحظ انسحاب قوات الأمن من المدينة وتمركزها على عند المداخل، وما زال الدخول إلى المدينة بموجب البطاقة الشخصية.