نجاد يعاود الظهور.. والجيش والحرس الثوري يدخلان على خط خلافه مع المرشد

معركة الصلاحيات تحولت إلى حرب «تصريحات» بين حكام طهران.. وخاتمي يصف نجاد وتياره بأنهم متحجرون متلاعبون

الرئيس الإيراني محمود نجاد والى يمينه مستشاره اسفنديار رحيم مشائي خلال اجتماع الحكومة الايرانية في طهران أمس (رويترز)
TT

يبدو أن كرة الثلج في الخلاف بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد علي خامنئي بدأت تأخذ حجما أكبر مما كان متوقعا، فالرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد، الذي شابت عملية إعادة انتخابه في يونيو 2009 مزاعم كبيرة بالتزوير، وتلاها مواجهات دامية وعنيفة مع معارضي ترشحه، دخل في خلاف نادر الحدوث مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي. المعركة التي يصفها بعض المراقبين بمعركة الصلاحيات يبدو أنها ستتحول لحرب «التصريحات» بعد أن دخل الكثير من المسؤولين الإيرانيين على خط الخلاف.

بعض نواب البرلمان من المنتمين للتيار المحافظ، هددوا باستجواب الرئيس وإعادة طرح التصويت على الإبقاء عليه أو إقالته. وبعض التقارير الصحافية تحدثت عن أن اثني عشر نائبا قدموا طلبا خطيا لاستجواب الرئيس، لكن رئيس البرلمان وضعه في الدرج، ولم يسفر هذا عن حل من دون إطلاق تصريحات من خصوم أحمدي نجاد، أشارت علنا إلى أن المرشد خامنئي هو من عرقل سابقا استجواب الرئيس.

يشار إلى أن المرشد، وفقا للدستور الإيراني، يملك الكلمة الفصل في كل مسائل الدولة سواء كانت داخلية أو خارجية. كما يمكنه الاعتراض على قرارات الرئيس في أمور حكومية معينة وهو ما ينطبق على تلك الأزمة إلى حد كبير.

أسباب الخلاف الظاهرة للجميع تتجلى في رفض المرشد إقالة الرئيس لوزير الاستخبارات حيدر مصلحي، وهو ما قابله أحمدي نجاد بغيابه المستمر عن نشاطات الحكومة وما يتعلق بنشاطات الرئيس، معبرا عن امتعاضه، حيث سجل أن أحمدي نجاد لم يشارك في اجتماع مجلس الوزراء منذ 22 أبريل (نيسان) الماضي، وأنه لم يظهر على الملأ منذ خمسة أيام دون أن تظهر وسائل إعلام رسمية اهتماما بأخبار الرئيس.

ولكن نجاد ظهر ظهورا خجولا في أول نشاط غير مباشر حيث وجه عبر مكتبه رسالة بمناسبة ما تسميه طهران «اليوم الوطني للخليج الفارسي» لم يتطرق فيها إلى خلافه مع خامنئي. وقالت وكالات أنباء إن نجاد حضر أمس اجتماعا للحكومة، وقبله قال رئيس هيئة الإذاعة الإيرانية إن الرئيس سيعرب عن ولائه لخامنئي. وخسرت بورصة طهران ستة في المائة من قيمتها على مدى أيام التداول الثلاثة الماضية بسبب انعدام اليقين السياسي. ومن دون دعم القائد الأعلى يخاطر أي رئيس إيراني بفقدان القدرة على اتخاذ قرارات جوهرية. وقالت وكالة «فارس» شبه الرسمية للأنباء، نقلا عن عزة الله زرغمي، قوله: «خطابه اليوم أمام الحكومة سوف يحبط كل مؤامرات أعداء الإسلام والثورة، وسوف يظهر أن أعداء الأمة الإيرانية لا تفهم علاقة الأب والابن مع قائد الثورة (خامنئي)».

وكانت بعض المصادر المطلعة من داخل أروقة الحكم في طهران قد تحدثت عن استقالة نجاد، وهو ما لم يتم تأكيده، ولكنه يوحي بأن الخلاف أخذ طورا مختلفا ومتصاعدا. ودخل البرلمان في خضم الخلاف المشتعل بعد أن توسط رئيس مجلس الخبراء محمد رضا مهدوي كني، ورئيس البرلمان علي لاريجاني في الخلاف خشية تصاعده بشكل يصعب السيطرة عليه، ذلك على الرغم من أن الأخير كان قد وجه تحذيرات لأحمدي نجاد في شأن تخطيه صلاحياته الدستورية ومواجهته البرلمان.

ويهدد استمرار الخلاف بين نجاد وخامنئي بانقسام حاد داخل المؤسسة الدينية أكثر مما هو عليه بسبب أزمة الانتخابات الرئاسية المستمرة. وطالبت رابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم والنجف، مراجع الدين المؤيدين للنظام بأن ينأوا بأنفسهم عن المرشد وعن الرئيس. وأشارت الرابطة المدعومة من كبار المرجعيات الدينية، إلى مشروع «تقديس» المرشد المتواصل على الرغم من الاعتراضات، وما يروج له بعض أنصار خامنئي من أن الأخير من أبرز الرجال الممهدين لظهور المهدي المنتظر وقيادة المنطقة إلى حروب مقدسة.

وتأكيدا على بروز الانقسام، دعا آية الله أحمد خاتمي، العضو البارز في «رابطة مدرسي الحوزة العلمية»، وهي الجهة التي دعمت الرئيس الإيراني في مواجهته مع المحافظين في الانتخابات الماضية، الرئيس إلى عدم المبالغة في تقدير قوته السياسية، وتجنب الوقوع في فخ عدم إطاعة الولي الفقيه المرشد علي خامنئي. وقال خاتمي وهو نائب رئيس مجلس الخبراء: «يجب أن يعرف الرئيس أحمدي نجاد أن تصويت الأغلبية لمصلحته لم يكن مطلقا لكنه مشروط بالتزامه بأوامر القائد المعظم».

الجدل حول الصراع بين أكبر قيادتين إيرانيتين امتد إلى الجيش الإيراني وقوات الباسيج (قوات التعبئة الشعبية)، حيث انتقد قائد كتائب الباسيج العميد محمد رضا نقدي الأوضاع السياسية في بلاده وقال: إن الحرس الثوري سيقف في وجه ما سماهم بالمنحرفين، سواء كانوا من القدماء أم الجدد، مشيرا إلى آراء بعض النخب السياسية التي تدعو إلى حصر الثورة في الداخل الإيراني وعدم تقديم العون إلى «المستضعفين».

وحذر ممثل خامنئي في الحرس الثوري، علي سعدي، أحمدي نجاد من مغبة وتبعات أي تباطؤ في تنفيذ سياسات الولي الفقيه، وهو ما سار عليه بعض قادة الحرس الثوري الذين شددوا على أن شرعية أحمدي نجاد رهن بتأييد خامنئي له حتى وإن حصل على مائة في المائة من أصوات الناخبين. وشن عدد آخر من قادة الحرس الثوري هجوما عنيفا على أحمدي نجاد، ولمح بعضهم إلى أنه قد يواجه مصير من سموهم «رؤوس الفتنة» أي زعماء الإصلاح، وهو الإقصاء والسجن، بينما يهدد البرلمان بمصير الرئيس الأسبق أبو الحسن بني صدر وهو العزل والإقالة.

وقال خاتمي في إشارة إلى أحمدي نجاد وتياره إنهم متحجرون متلاعبون بمشاعر الشباب ويجرون البلاد إلى المواجهة ويقدمون المبررات للأعداء الأجانب لكي يعتدوا على الشعوب المسلمة. قال الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي إن تيارا منحرفا عن الإسلام يفرض منهجه على الجمهورية الإسلامية وسيقف يوما في وجه قائد الثورة (علي خامنئي) وسيقتله.

ولمح خاتمي في كلمة له في مدينة مشهد الدينية شمال شرقي إيران، بوضوح إلى الرئيس محمود أحمدي نجاد ومساعديه الذين نعتهم بتيار المتشددين، موضحا أن هذا التيار سيفعل ما فعله الخوارج عندما واجهوا الإمام علي وقتلوه في النهاية، مشيرا إلى أن تيار المنحرفين في إيران سيفعل نفس الشيء مع قائد الثورة.

وتبادل مقربون من المرشد والرئيس المقالات الساخنة، نصرة لمقربيهم، فحسين شريعتمداري، ممثل المرشد خامنئ، والمعروف بأن آراءه تعتبر ضمنيا آراء المرشد الأعلى، كتب في صحيفة «كيهان» المشهورة «أن الرئيس نجاد ليس معصوما وأن قرار المرشد بإعادة وزير الأمن حيدر مصلحي جاء وفق صلاحيته»، مضيفا في مقاله «ينبغي على الرئيس نجاد أن يلتفت إلى المقربين منه لأن هناك خشية من ظهور تيار منحرف في النظام».

وردا على مقال شريعتمداري أكد مجتبي ناوندي الصحافي المقرب من الرئيس الإيراني نجاد أنه لن يتراجع أو يتنازل في خلافه الحالي مع المرشد آية الله علي خامنئي، حسبما أفاد مقاله. ونقل ناوندي على صفحته الإلكترونية إن الرئيس أحمدي نجاد أبلغ مقربين منه بأن خلافه مع المرشد ليس شخصيا ولا يرمي إلى تحديه، إلا أنه مصر على موقفه في ما يتعلق بصلاحياته الدستورية. وقال إن أحمدي نجاد استخار الله وقرر المضي في موقفه ورفض تقديم تنازلات.