كروات البوسنة يخشون انقراضهم

شبابهم يهاجرون وسياسيوهم فشلوا في اقتطاع كيان لهم اقتداء بالصرب

TT

وضع الشاب الكرواتي ماركو تشوفيتش، 22 سنة، بعض مقتنياته على صفحة الإعلانات في موقع إلكتروني، بغرض بيعها، استعدادا للرحيل من البوسنة والالتحاق بوالدته المطلقة في إيطاليا، وذلك بعد أن أنهى دراسته في مجال الاتصالات اللاسلكية، فهو لا يرى أي مستقبل له في المكان الذي ولد فيه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كما ترى لا يوجد مستقبل هنا، أكثر من نصف مليون عاطل عن العمل، ولا يمكن للإنسان أن يعيش على الأمل دون مقومات دنيا على الأقل».

ويريد ماركو أن يصبح واحدا من مئات الشبان الكروات، الذين غادروا البوسنة، لا سيما من مناطق الوسط والشمال، إلى دول أوروبية عديدة مثل ألمانيا، وإيطاليا، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا. وأغلب الكروات هاجروا بعد الحرب، بينما كانت هجرة البوشناق أثناء الحرب، في حين هاجر الصرب أثناء الحرب وبعدها. وقال ماركو: «لم أشعر في يوم من الأيام أنني مختلف، جميع أصدقائي من البوشناق، ورحيلي له علاقة بمستقبلي، وتسييس العرقيات لا يستهويني». وتابع: «لو كانت الأوضاع الاقتصادية جيدة في البوسنة لما فكرت في الرحيل إلى إيطاليا».

ويرى المحلل السياسي، إنيس بينيو، أن «الأوضاع الديمغرافية في البوسنة، يمكن من خلالها فهم المواقف السياسية للطوائف المختلفة، فهي محرض أساسي على تبني مواقف راديكالية في هذا الجانب أو غيره». ويرى أن انخفاض عدد البوشناق والكروات في مناطق السيطرة الصربية (جمهورية صربسكا) داخل البوسنة، يحرض الصرب على استغلال الوضع الديمغرافي لترسيخ حقيقة الدولة داخل الدولة، من خلال بناء مؤسسات موازية على نطاق الكيان لتلك الموجودة في الدولة، مثل الاتحادات الرياضية، وسكك الحديد، والاتصالات، والنقل، والقضاء، والممتلكات العامة، وغيرها.

ويمثل تقلص عدد الكروات، حسب خبراء، محفزا لسياسيي الطائفة حتى يتبنوا مواقف أكثر راديكالية، مثل الاجتماع الذي عقدوه في مدينة موستار نهاية أبريل (نيسان) الماضي، ودعوا فيه لإقامة مناطق إدارية خاصة بالكروات في البوسنة، على غرار كيان صرب البوسنة، وحددوا لكيانهم المفترض حدودا تزيد على حجمهم الديمغرافي الحقيقي داخل البلاد، حيث تقلص عددهم إلى النصف مقارنة لما كانوا عليه قبل الحرب.

ويرى دراغن تشوفيتش، زعيم التجمع الكرواتي الديمقراطي (أكبر حزب كرواتي في البوسنة)، أن قيام دولة طبيعية بحقوق متساوية بين المواطنين، هو «إقامة لدولة بوشناقية في البوسنة»، بمعنى «دولة ذات أغلبية بوشناقية». ويعتبر أن الحل هو تقسيم البلاد بالتساوي على الطوائف الثلاث البوشناق والصرب والكروات. ويرى في ذلك حلا عادلا، وهو ليس موقفا راديكاليا فحسب، بل غير موضوعي وعنصري بامتياز. إذ لم يطالب أحد بتقسيم كرواتيا أو صربيا أو غيرها من دول العالم، على بقية الطوائف الموجودة فيها. وهو ما ردده على مسامع مدير شؤون البلقان في الاتحاد الأوروبي ميروسلاف لايتشاك الذي زار البوسنة في 29 أبريل الماضي.

وقال مصدر في وزارة الخارجية البوسنية لـ«الشرق الأوسط»: «لقد انخفض عدد الكروات في البوسنة من 750 ألف نسمة قبل الحرب إلى أقل من 350 ألف نسمة حاليا، وهذا ما يفسر سر التوتر السياسي على مستوى التجمع الكرواتي بشقيه، فهم يطالبون بكيان ثالث داخل البوسنة على غرار صرب البوسنة لحيازة أرض لطائفة تتناقص باستمرار، خشية انقراضها تماما. وفي هذا الإطار تم عقد اجتماع بين الصرب والكروات بموستار في 25 مارس (آذار) الماضي، تزامنا مع الذكرى السنوية لاجتماع الرئيسين السابقين الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش والكرواتي فرانيو توجمان سنة 1991، الذي اتفقا فيه على تقسيم البوسنة». واعتبر مصدر الخارجية البوسنية أن ذلك كان «محاولة للعب دور سياسي وتقسيم البوسنة، بين طوائفها الثلاث دون اعتبار للبعد الديمغرافي، وقد يكون أحد محركات السياسة الصربية في البوسنة يتغذى من نفس الشعور الكرواتي في البلاد، فهم أدرى بالتحولات الديمغرافية داخل ساحتهم، إذ إن الوضع الاقتصادي داخل كيان صرب البوسنة أكثر قتامة منه في الفيدرالية البوشناقية الكرواتية، وهما الكيانان اللذان تتكون منهما البوسنة».

وأشار الرئيس الكرواتي ايفو يوسيبوفيتش، إلى معضلة الكروات في البوسنة، لكنه لم يلق باللائمة على هجرة الكروات والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الكثير من أبناء الشعب البوسني بمختلف طوائفه، ولكنه عزا ذلك إلى كثرة البوشناق في البوسنة مما أغضب الكثير من الساسة البوشناق. ويرى مصدر وزارة الخارجية أن «كثرة البوشناق كما وردت في تصريحات يوسيبوفيتش، منقولة إليه من قبل بعض كروات البوسنة وليست من بنات أفكاره».