الثوار يعيدون تنظيم صفوفهم

حرب ضروس حولت أجدابيا إلى مدينة أشباح

TT

ساد صمت موحش أروقة المستشفى المركزي، وطويت الفرش على الأسرّة القابلة للطي، ووضعت نقالات الجرحى في الخزانات، وجلس الأطباء والممرضات في حالة انتظار، فقد خلا المستشفى خلال الأسبوعين الماضيين مع تحول المدينة من ساحة حرب ضروس إلى مدينة أشباح.

ومع توقف القتال بدأ الثوار في التمركز في جيوب للمقاومة في المدينة، فيما يقف آخرون في حالة تأهب على البوابة الغربية، وفي أقصى الغرب باتجاه الطريق السريع تقوم قوات الثوار بالبحث عن آثار للقوات الموالية للعقيد الليبي معمر القذافي التي ربما تكون متوجهة إليهم.

في الوقت ذاته، عاد بعض الجنود المتطوعين في صفوف الثوار إلى بنغازي، العاصمة الحالية للمعارضة في شرق البلاد، لتلقي التدريب الذي يحتاجونه بشدة.

ويعد تمركز الثوار دليلا على وجود تحول في استراتيجية الثوار الساعين إلى الإطاحة بالقذافي. وخلال الأسابيع الأولى من هذا الصراع حارب الثوار بصورة غير منظمة على طول الطريق الساحلي، متقدمين بشكل غير منسق ضد القوات المدعومة من الحكومة، الأفضل تسليحا. وقد حصد هذا القتال الكثير من الخسائر البشرية، واستنزف احتياطيات الذخيرة، مما أدخل البلاد في مأزق مرير.

ويؤكد قادة الثوار أنهم يعملون في الوقت الراهن على إعادة تنظيم صفوفهم وتوفير التدريب اللازم للإعداد لتقدم جديد، لكن الهدوء المؤقت في جبهات القتال يمكن أن يعني أيضا أن تتمكن قوات القذافي هي الأخرى من إعادة تنظيم صفوفها على الناحية الأخرى من الخطوط الأمامية للمعركة.

ويقول جلال الجلال، المتحدث باسم المتمردين في بنغازي «يحاول المتمردون بالأساس إعادة ترتيب صفوفهم، وإعادة تقييم الأوضاع بصورة جيدة». وفي هذه الأثناء، يقوم المتمردون بحفر الخنادق لتعزيز مواقعهم والبحث عن نقاط مراقبة على قمم التلال لمراقبة قوات القذافي وإقامة نظام اتصالات آمن. ويؤكد جلال على أمله في أن يتمكن الثوار من تجاوز العقبات التي واجهتهم في المرحلة الماضية عندما قام بعض الثوار غير المدربين باتخاذ قرارات بالتقدم بصورة مستقلة دون خطط للسيطرة على الأرض. وقال «في الماضي كان المضي قدما يعني التقهقر مرة أخرى».

بيد أن بعض المراقبين الغربيين يرون عدم إمكانية تحقيق المتمردين النصر على قوات القذافي، وأنه لا توجد مساحة زمنية كافية لتدريب هؤلاء الجنود الذين لم يحملوا سلاحا قبل نشوب الصراع. وعوضا عن ذلك يأمل المتمردون في أن يؤدي القصف الجوي لحلف شمال الأطلسي والعقوبات الاقتصادية إلى ابتعاد الدائرة الضيقة للقذافي عنه، الأمر الذي يصعب على العقيد البقاء في السلطة، بحسب ما ذكره مراقب غربي في بنغازي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مفوض بالحديث إلى وسائل الإعلام. وقال المراقب «لن يتمكنوا من الانتصار بجيشهم هذا».

وبعد أسابيع من المعارك المدوية وأصوات المدفعية، توقف إطلاق النار في هذه المدينة الاستراتيجية التي كانت بمثابة الجبهة الأخيرة قبل أن تسيطر قوات القذافي بشكل رئيسي على غرب البلاد.

وعلى بعد 20 كيلومترا غرب أجدابيا، قام الثوار باستكشاف الطريق بحثا، لكنهم لم يتقدموا باتجاه قوات للقذافي، المتمركزة في مدينة البريقة ورأس لانوف النفطية. ويقوم الجنود المنشقون عن الجيش الليبي والمنضوون تحت راية الجيش الوطني الليبي التابع للثوار بحراسة الطريق الرئيسي من الناحية الغربية للمدينة. وقد أقنع هؤلاء الجنود ما يقرب من 5.000 متطوع كان يتقدمون بصورة عشوائية باتجاه الغرب بالعودة إلى بنغازي للتدريب، بحسب العقيد حامد الحاسي، أول قائد ينشق عن قوات العقيد القذافي. وقال الحاسي «لدينا مشكلة مع الشباب المتمركزين على البوابة الغربية، إنهم يرغبون في التحرك قدما والاشتباك مع قوات القذافي. لكن الجنود المحنكين فقط هم الأكثر استعدادا الآن لخوض المعركة».

وقف الحاسي على طريق ترابي خارج البوابة المحاطة بدبابات متفحمة تابعة لقوات القذافي أصابتها طائرات حلف الناتو الشهر الماضي. كما دمر المتمردون القوس الأخضر الذي يقف على المدخل الغربي للمدينة خشية أن يستعمل كهدف. ويقول الحاسي «تبدو الآن هدنة مفروضة على كلا الطرفين».

وأشار إلى أن القتال المباشر الأخير دار الأسبوع الماضي في البريقة، وأن قوات القذافي لا تزال متمركزة في تلك المدينة، وأن قوات المتمردين تحاصرها، وقال «نحن ننتظر في صبر».

وفي مستشفى أجدابيا يقف سليمان الرفادي (41 عاما)، وهو طبيب من مدينة درنة الواقعة شرق ليبيا، في الرواق الخالي مرتديا لباس الجراحين الأزرق، فعلى مدى 56 يوما عمل الرفادي على معالجة الإصابات النارية وتضميد الجراح وإحصاء القتلى في معارك أجدابيا وفي أقصى الغرب. ويقول الرفادي «نحن مستعدون لحالة الطوارئ، والآن بات الوضع هادئا تماما ولم يعد هناك مرضى».

أعلم القادة العسكريون قائدي سيارات الإسعاف بعدم التوجه خارج أجدابيا بمسافة 20 كيلومترا، حيث تقف محطة تموين الوقود في نقطة متوسطة بين أجدابيا والبريقة، خشية أن تطالهم نيران قوات القذافي. وكان المرضى الوحيدون الذين استقبلتهم المستشفى مؤخرا بعض حالات لجنود يعانون من الزائدة الدودية وخفقان القلب. ولم تكن بين الحالات سوى حالة واحدة لمتمرد مصاب بجرح ناتج عن شظايا وتم إحضاره إلى المستشفى خلال الأيام العشرة الماضية.وقد أصدر جيش الثوار أوامر إلى مقاتليه بعدم التحرك حتى تصل أوامر جديدة، وقال الطبيب «قبل أسبوعين لم تكن هناك سيطرة، والآن بات الجيش الوطني الليبي يسيطر على الأوضاع بشكل كامل. وسيكون المقاتلون أكثر دموية عندما يستأنف القتال مرة أخرى. فهذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»