آلاف الليبيين الفارين من جحيم القذافي يتمتعون بكرم الضيافة في تونس

عمدة تطوان التونسية: الكرم والأخوة كانا دائما يحتلان أسبقية على المشكلات

TT

منذ قرن مضى، أنزل المستعمرون الإيطاليون، الفارين من سكان الجبال الغربية النائية في ليبيا، إلى هذه القاعدة الأمامية التونسية التي جلدتها الرياح، لكي يقيم عدد كبير منهم فيها بشكل دائم.

ومع وقوع هذه الهضاب الصحراوية تحت الحصار مجددا، لكن هذه المرة من قبل جيوش العقيد الليبي معمر القذافي، كرر نحو 30 ألف ليبي رحلة أسلافهم. وقد فتح المئات من التونسيين، بعضهم من النزلاء على هذه الملاجئ السابقة، بشكل مدهش، منازلهم إلى هذه الأسر الليبية منذ بداية شهر أبريل (نيسان) الحالي، عندما واصلت قوات العقيد القذافي هجماتها. وليست هناك مخيمات مترامية الأطراف للاجئين على الحدود، وكانت هناك فقط مجموعتان متواضعتان من الخيام تضم نحو ألفين و500 فرد. وتعيش الغالبية العظمى من القادمين الجدد الآن مع أسر تونسية هنا في قرى مجاورة، وهي منطقة كانت تؤوي في الأوقات العادية 150 ألف مقيم فقط.

وقال فراس كيال، المتحدث الرسمي في تونس باسم المفوضة السامية للاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة «إنها المرة الأولى التي أرى فيها مثل هذه الاستجابة الرائعة». وأضاف أن هذا الكرم هو الشيء الأكثر جدارة بالملاحظة، نظرا للتحديات التي تواجه تونس في أعقاب ثورتها الخاصة، التي أنهت 23 عاما من الحكم المستغل للرئيس زين العابدين بن علي، وموجات سابقة من اللاجئين الليبيين خلال العام الحالي في الشمال؛ حتى إن بعض اللاجئين شعروا بالحيرة إزاء هذه الاستجابة الرائعة.

وتساءلت مارين أبو زاخر، البالغة من العمر 22 عاما، والتي كانت قد فرت من مدينة يفرن الليبية المحاصرة في بداية الشهر الحالي «هل تمنح منزلك لشخص لا تعرفه من دولة أخرى؟»، وتحدثت مارين في غرفة الرسم البهيجة من البيت التي كانت هي و10 من أقاربها يقتسمونها الآن مع أسرة محلية، حيث انتقل المالك بنفسه وزوجته وأبنائه الثلاثة إلى الطابق الأرضي الذي لم يتم تشطيبه، وتركوا الطابق الثاني المريح والمعطر لضيوفهم.

وقالت أبو زاخر «لم نعرف حتى كيف نشكرهم على فعل شيء مثل هذا». وقد وصف عبد الله عوايا (35 عاما)، مالك البيت، وهو رجل نحيف وأسمر، ما فعله كمسألة التزام وفخر. وقال «هذه عاداتنا. وإذا كان هناك شيء نأكله فسوف نأكله معا. وإذا لم يكن هناك شيء نأكله، فلن نأكل معا». وكان معظم اللاجئين قد وصلوا إلى الحدود وهم يحملون القليل من الملابس على ظهورهم ويخافون على الأبناء الذين خلفوهم وراءهم لقتال ميليشيات القذافي، وتم استيعابهم بسرعة من قبل المقيمين المحليين الذين كان قد اجتذب تعاطفهم وتشجيعهم الجيد إعجاب الليبيين وعمال المساعدة الدولية على حد سواء.

كما أثنى كيال على كرم الحكومة التونسية، التي أبقت حدودها مفتوحة منذ بداية الصراع الليبي. وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 276 ألف شخص، معظمهم من العمال الأجانب، قد فروا من ليبيا في اتجاه تونس. وعندما سئلوا عن استعدادهم لتوفير ملجأ للغرباء، أحب سكان تطوان أن يستشهدوا بحكمة محلية رائعة تقول «المسافرون يبكون عند وصولهم إلى هذا المكان المقفر، لكنهم يرحلون عنه والدموع في عيونهم».

وعلى الرغم من وفرة النوايا الحسنة، فإن المدينة والمناطق المحيطة بها تشعر بضغط بفعل وصول عدد كبير جدا من اللاجئين. وقد أفسح شفق ثورة يناير (كانون الثاني) الصاخبة المجال أمام إحباطات قديمة، مع شكوى الناس من ركود الاقتصاد وعدم كفاية البنية الأساسية وانتشار البطالة. وتختفي قوات الشرطة، وهي أذناب الحكومة المخلوعة، بشكل كبير من الشوارع. وقد لجأ أفراد قوات الشرطة إلى الاختباء بعد الثورة. ويشعر عدد كبير منهم بالقلق من أن الحكومة الانتقالية في بلادهم قد فشلت في التخلص مما سموه بعقود طويلة من الإهمال لمنطقة الجنوب التونسي القاحل.

وقال علي مورو، عمدة تطوان «الكرم والأخوة كانا دائما يحتلان أسبقية على المشكلات». لكنه أشار إلى أن شاحنات من المساعدات كانت قد تدفقت على المدينة من مدن بعيدة جدا مثل تونس، العاصمة، التي تقع على بعد 300 ميل إلى الشمال، في رد على الطلبات التي تلقتها العاصمة من المدينة.

وقد تم فتح ثلاثة مراكز تنسيق محلية، أسكنت الأسر الليبية في المنازل، ووزعت سلعا غذائية مجانية مثل الكسكس والمعكرونة والحليب والطماطم، بالإضافة إلى مراتب وبطانيات الأسرة. وتم وضع الأطفال الليبيين في مدارس محلية، وقد فتح أطباء وممرضات عيادة تقدم خدمة الرعاية الطبية المجانية.

وقال مورو «لقد تعاملنا مع هذا الأمر على أنه التزام إنساني وديني، والتزام تجاه الإخوة، ويقدر الليبيون جهودنا بالفعل». وأضاف مورو بقوله «هذا واجب علينا»، لكنه يشعر بالقلق لأنه من المتوقع عودة الآلاف من الشبان الذين يعملون في أوروبا، الذين يعتمد الاقتصاد هنا على تحويلاتهم إلى حد كبير، إلى منازلهم قريبا من أجل حضور حفلات الزفاف الصيفية التقليدية، والتصويت في الانتخابات التشريعية التاريخية المزمع إجراؤها في شهر يوليو (تموز) المقبل، والبقاء خلال شهر رمضان المبارك، الذي يصادف شهر أغسطس (آب) خلال العام الحالي. وأضاف مورو أن حرارة الصيف من المؤكد أيضا أن تسهم في زيادة التوترات.

وقد أصبح الغذاء أيضا يمثل مشكلة لأن المخابز المحلية، التي لا تبدو قادرة على تلبية الطلب المرتفع، كانت قد بدأت في إغلاق أبوابها مبكرا، بعد بيع آخر دفعة من الخبز موجودة لديها.

وما أثار استياء عدد كبير من السكان المحليين المحافظين، حسبما أشار مورو، إقبال عدد من اللاجئين الليبيين على احتساء الخمور، النادرة في ليبيا، بفندق «سانغو»، وهو أحد ثلاثة منشآت فقط في تطوان مرخص لها ببيع الكحول. وارتفعت المبيعات الليلية لخمور «سيلتيا»، وهي بيرة محلية، بمقدار ثمانية أضعاف تقريبا، حتى وصلت إلى 180 زجاجة.

وقال ضب عبد القادر (28 عاما)، الذي يعمل في المناوبة الليلية بالحانة الموجودة في فندق سانغو «يجب أن يكونوا موجودين هناك للقتال، لا أن يأتوا إلى هنا لشرب الخمر». وقال إن رجالا ليبيين أحضروا أربع عاهرات إلى الحانة خلال الأسبوع الماضي، واندلعت معركة. لكن قال إنه كان سعيدا بوجوده في موقع يمكنه من المساعدة؛ حيث تستضيف عائلته 22 ليبيا في تطوان.

وبطريقة معينة، كانت المحنة الاقتصادية للمنطقة هي التي سمحت بمثل هذه الضيافة؛ حيث يدير مراكز التنسيق التي تأسست لإدارة الأزمة 40 فردا من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل، وهم أفراد قليلون من الآلاف الذين يشغلون المقاهي المتواضعة في المدينة خلال فترات الظهيرة. وتعيش عشرات الأسر الليبية في المنازل الخالية لسكان المدينة الذين رحلوا للعمل في أوروبا.

ويستضيف محمد زعاري (60 عاما) ست أسرة ليبية في مقهاه الواقع بضواحي مدينة تطوان، والذي كان شاغرا منذ أن أغلقه قبل عامين لأسباب مالية. وقال زعاري، وهو سائق حافلة بلدية متقاعد «إنهم إخواننا، وجيراننا. ونحن سعداء لأن نقدم لهم خدمة». وعندما سئل عما إذا كان يشعر بالقلق من أن الوضع قد يصبح غير محتمل مع الوصول المتوقع لآلاف المغتربين في الشهور القادمة، ضحك فقط ووصف نفسه بأنه رجل «متفائل». واعترف زعاري بأن التونسيين كانوا يحتقرون الليبيين في كثير من الأحيان، ويعتبرونهم أفرادا من الكسالى في دولة غنية بالنفط. لكنه تعهد بإيواء اللاجئين ما دام ذلك ضروريا. وقال «حاولنا إظهار أننا قادرون للعالم، وأننا نبذل جهدا، ونحن فخورون بذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»