وزير خارجية فرنسا يحذر النظام السوري من السقوط في حال استمر القمع

جوبيه قال إن باريس تعمل مع شريكاتها الأوروبيات على بلورة عقوبات فردية واقتصادية ضد دمشق

TT

خطت الدبلوماسية الفرنسية خطوة جديدة في تصعيد مواقفها إزاء السلطات السورية، إذ تحدثت للمرة الأولى عن «سقوط» النظام في حال تواصل لجوؤه إلى العنف والقمع. وهذه المرة الأولى التي يرد فيها على لسان مسؤول فرنسي كلام علني عن انهيار النظام السوري.

وجاء ذلك أمس في تصريحات صباحية أدلى بها وزير الخارجية الفرنسية آلان جوبيه لإذاعة «أوروبا رقم 1» وقال فيها حرفيا: «إذا استمر النظام السوري في هذه الطريق (القمع) فإنه سيسقط هذا اليوم أو ذاك، لكنه سيسقط». وأردف جوبيه قائلا: «اليوم، هناك توق للحرية والديمقراطية ويتعين «على النظام» أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار، ولكن اللجوء إلى القمع وإطلاق النار على الجماهير أمر لا يمكن قبوله مهما تكن هوية البلد الذي يقوم بذلك». وإزاء الاتهامات التي توجه للدبلوماسية الفرنسية بالغموض أو بالكيل بمكيالين مقارنة مع التعامل مع النظام الليبي، رد جوبيه قائلا: «إن موقف فرنسا في غاية الوضوح، إذ نحن أدنا كل الذين ارتكبوا هذا النوع من الجرائم وسنستمر في إدانتهم بأقصى الشدة» مضيفا أن باريس تعمل مع شريكاتها الأوروبيات على بلورة عقوبات ستفرض على النظام السوري، وهي من نوعين: عقوبات فردية تتناول عددا من رموزه «حرمانها من التأشيرات والسفر إلى البلدان الأوروبية، تجميد موجوداتها في البنوك... وغيره» وأخرى اقتصادية «وقف المساعدات المباشرة لسوريا، تجميد البحث في اتفاقية الشراكة» فضلا عن وقف تصدير المعدات الدفاعية إليها أو تلك التي تكون ذات استعمال مزدوج.

وجاءت تصريحات جوبيه، الذي يلتزم موقفا متشددا من النظام السوري، فيما كان منتظرا أن ينعقد في بروكسل اجتماع على مستوى الخبراء لمتابعة البحث في لوائح العقوبات التي تأمل باريس أن يتم إقرارها خلال الأسبوع الحالي. غير أن مصادر فرنسية واسعة الاطلاع «خففت» من وقع تصريحات جوبيه الذي هو أول مسؤول غربي يتحدث عن سقوط النظام في سوريا. وتنظر هذه المصادر إلى كلام جوبيه على أنه «تحذير» أكثر مما هو دعوة لإسقاط النظام. غير أنه يدل، في أي حال، على تشدد في الموقف من دمشق رغم اعتراف المصادر الفرنسية بـ«صعوبة» الوضع السوري والتداخلات الإقليمية للتطورات التي تتفاعل فيها على الملفات اللبنانية والفلسطينية والعراقية والإيرانية وموضوع السلام في الشرق الأوسط والأقليات وخلافها.

جدير بالذكر أن الوزير الفرنسي كان أول من تحدث عن «نهاية» عهد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عندما اعتبره «منتهيا» وذلك منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في صنعاء. وحتى تاريخه، لم تلجأ باريس إلى وسيلتي ضغط إضافيتين لجأت إليهما في التعاطي مع التطورات في ليبيا، وأولهما اعتبار أن النظام السوري فقد الشرعية بسبب القمع الذي يلجأ إليه والثاني التلويح بمحكمة الجزاء الدولية.

وقالت مصادر فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن المرحلة الحالية في التعاطي مع النظام السوري تقوم على «تكثيف الضغوط» الأوروبية والدولية وفي إطار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف على دمشق من أجل حملها، بداية، على وقف القمع ثم، لاحقا، على السير في عملية إصلاحية «حقيقية» تستجيب لمطالب المتظاهرين. وتؤكد هذه المصادر أن مرحلة التعامل «اللين» التي اعتمدتها باريس في مرحلة أولى والتي قامت على الحوار والتشجيع على الانفتاح والدعوة إلى إعطاء القيادة السورية الوقت الكافي للتجاوب وحسم قرارها قد «انتهت»، فيما عنوان المرحلة الحالية هي الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية فضلا عن الإجراءات «الفردية» بحق مجموعة من وجوه النظام البارزة التي تراها باريس ومعها الاتحاد الأوروبي وراء القمع الدامي.

وتعتبر باريس أن النظام السوري اختار «منطق القمع» وغلبه على «منطق الحوار أو الإصلاحات» التي وعد بها.. وكان يحدو باريس الأمل، وإن كان ضعيفا، أن «تفهم القيادة السورية الرسالة التي أوصلناها بكل الطرق الممكنة» وأن تغلب الحل السياسي والحوار الجامع وتطلق سراح المعتقلين وتلقي الضوء على المسؤوليات في عمليات القمع ما من شأنه أن يهدئ المعارضة ويسحب فتيل التفجير من الساحة. أما إذا استمرت حالة الدوران والتصاعد في أعمال العنف، فإن باريس تجد أن ذلك سيفتح الباب أمام «إجراءات أشد» لأنه «من غير المقبول بتاتا أن يستمر ما هو حاصل في سوريا إلى ما لا نهاية».

وتتوقع المصادر الفرنسية أن تلعب باريس دورا أقوى في الموضع السوري خلال شهر مايو (أيار) الجاري بفضل ترؤسها لمجلس الأمن الدولي. وتقول المصادر الفرنسية إن مواقف الدول التي عارضت إدانة سوريا في مجلس الأمن وعلى رأسها روسيا والصين ولبنان أو دول أخرى يمكن أن يتغير إذا استمرت عمليات القمع بوتيرة عالية. وأوصلت باريس بالقنوات الدبلوماسية تحذيرات واضحة للقيادة السورية مفادها أن استمرار نهجها سيعني عزلتها مجددا وإعادتها إلى المربع الأول الذي كانت فيه بعد إخراج قواتها من لبنان عام 2005. وأمس أدانت الخارجية الفرنسية مجددا استمرار عمليات القمع وحملة التوقيفات الواسعة التي تنفذها القوى الأمنية السورية ودعت سلطات دمشق إلى إقامة حوار سياسي مع «كل القوى السياسية من أجل إيجاد مخرج من الأزمة الراهنة».