أهالي درعا يتحدون الحصار الإعلامي عبر الشبكات الخليوية الأردنية.. والثريا والبلوتوث

يعملون وفقا لقاعدة «انشر تؤجر».. ونشطاء لـ «الشرق الأوسط»: طوبى لمن أضاف الكاميرا إلى الهواتف الجوالة

TT

مع بداية الأحداث في سوريا واشتداد العنف ضد المتظاهرين في مدينة درعا كان البديل الطبيعي لأي إعلام تلفزيوني يقوم بتغطية الأحداث، في ظل منع وصول مراسليه إلى بؤر الاحتجاجات في سوريا، اللجوء إلى «شهود العيان» لتغطية تلك الأحداث.

ومع احتدام الأحداث وفي إطار تغطيتها للتطورات الدامية دار الحوار التالي بين إحدى القنوات التلفزيونية وأحد شهود العيان من درعا:

المذيع: «معنا الآن شاهد عيان من مدينة درعا. أبو أحمد، ما الذي يحدث الآن في درعا الآن؟» شاهد العيان: «الأمور سيئة للغاية، الجثث في الشوارع، وإطلاق عشوائي للرصاص، والجيش دخل المدينة... هناك انقطاع للتيار الكهربائي والاتصالات بشكل كامل ونقص في المواد التموينية».

وفي إطار مجاراته لشاهد العيان يسال المذيع: «ولكن أبو أحمد، إذا كانت الاتصالات مقطوعة فبماذا تتصل بنا الآن؟ ألا تستخدم الهاتف؟».

يرتبك أبو أحمد قليلا ويقول: «إنه خط أردني يا أخي...».

إنه خط أردني فعلا، وهو إحدى الوسائل التي اعتمدها سكان درعا المحاصرة للتواصل مع العالم الخارجي خلال الأيام الماضية للأزمة. ولكن كيف يتم ذلك؟

لعله من سوء حظ النظام في سوريا أن شرارة الانتفاضة الشعبية انطلقت من درعا، المحافظة الحدودية مع المملكة الأردنية والتي تربط أهلها صلات قرابة ومصاهرة مع سكان مدينة الرمثة الأردنية الحدودية، إضافة إلى الروابط العشائرية بين الطرفين، فالكم الهائل من مشاهد الدماء التي بثتها المواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية والتي شهدتها مدينة درعا تطرح سؤالا مفاده: كيف تسربت هذه الصور التي التقطت جميعها تقريبا بكاميرات الهاتف الجوال، على الرغم من الحصار وقطع الاتصالات التي تشهدها المحافظة الحدودية؟

هناك عدة طرق لجأ إليها الدرعاويون لفك الحصار الإلكتروني على الأقل، ولعل أهم تلك الطرق كان شبكات الاتصال الخليوية الأردنية: «زين» و«أورانج» و«أمنية»، التي يجري التقاطها بسهولة في مناطق عدة من درعا بحكم القرب الجغرافي، كما أن من السهل الحصول على شرائح خليوية لهذه الشبكات واستخدامها من درعا للتواصل مع العالم الخارجي والتواصل بالدرجة الأولى مع الإعلام التلفزيوني والإذاعي لنقل الصورة من الداخل، أما طريقة الحصول على هذه الشرائح فهناك البعض ممن كانوا يمتلكون هذه الشرائح قبل بدء الأحداث، بينما تمكن البعض الآخر من الحصول عليها مع اشتداد الأزمة عبر تمريرها من الحدود الأردنية بمساعدة أحد الأقارب، لكن المخابرات السورية أدركت خطورة ذلك، فما كان منها إلا أن تحركت لضبطه.

ويذكر موقع «عكس السير» السوري الواسع الانتشار في سوريا والمحسوب على الحكومة أن الحكومة الأردنية دعت شركات الاتصالات التي تعمل في المملكة («زين» و«أورانج» و«أمنية») إلى حجب خدمات الاتصال عن درعا، لكن الأمر لا يعتمد فقط على الخطوط الخليوية الأردنية، حيث أكدت مجموعة من النشطاء على الإنترنت لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عددا لا بأس به ممن يستخدمون أجهزة «الثريا» الفضائية للاتصال، والتي يتم شحنها من الخارج وهربت إلى درعا أيضا بنفس الطريقة التي هربت بها شرائح الجوال الأردنية، وهو ما يقطع الطريق على عزل درعا عن الإعلام الخارجي.

يبقى السؤال عن الطريقة التي يتم من خلالها تهريب مقاطع الفيديو التي تصور دخول مدرعات الجيش ودباباته إلى درعا، والبلد محاصر. يقول أحد النشطاء على الإنترنت في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «طوبى للذي أضاف الكاميرا إلى الهاتف الجوال.. وطوبي لمن اخترع البلوتوث»، ففي سوريا كلها يكاد لا يخلو جيب أحدهم من جهاز خليوي بكاميرا ذات دقة جيدة، وهو كافٍ لتصوير كل ما يقع أمام عينه من أحداث من مكان حصين أو حتى في مواجهة دبابة مثلا أو تحت وابل من الرصاص الحي الذي تطلقه قوات النظام المختلفة، وبعد ذلك يأتي الدور على البلوتوث على قاعدة «انشر تؤجر»، ولا بد أن تصل هذه المقاطع إلى من يقوم بتحميلها على الإنترنت، هذا إذا لم يقم أشخاص بعينهم بنقلها بواسطة البلوتوث إلى قريب له على الحدود الأردنية ويطلب منه أن يحملها على الإنترنت.

كل تلك المحاولات والتخريجات التي يبتكرها الناس تأتي كنتيجة طبيعية لمنع السلطات السورية وسائل الإعلام العربية والعالمية من تغطية الأحداث، وهو ما دفع بالبعض لاستخدام بعض مواقع الإنترنت التي تمكنك من بث الصورة مباشرة من مكان ما بحيث يمكن تلقيها ببساطة من خلال رابط معين في مكان آخر، كموقع http://www.ustream.tv/ الذي دعت صفحات المعارضة السورية على الـ«فيس بوك» لاستخدامه من داخل المناطق السورية المنتفضة لبث الأحداث مباشرة، وهو ما حدث بالفعل حيث إنه كان بالإمكان التقاط صور مباشرة لاحتجاجات متفرقة من ضمنها احتجاجات في محافظة حمص السورية تطالب بإسقاط النظام على الرغم من عدم دقة الصورة، بينما تبقى أساليب أخرى يتم استخدمها لكسر الحصار المعلوماتي عن درعا ومناطق أخرى، غير معروفة حتى الآن، من ضمنها ربما استخدام الإنترنت الفضائي أو تقنيات أخرى لا نستطيع تأكيدها حتى الآن.