الناشط السياسي حسن مصطفى لـ «الشرق الأوسط»: مشكلة التمويل هي أخطر ما يواجه شباب الثورة

مفجر شرارة نهاية «أمن الدولة» المصري: كله يرجع على واحد.. كلمة السر يوم 25 يناير

حسن مصطفى يتصفح جريدة الشرق الأوسط («الشرق الاوسط»)
TT

لم يدر بخلد ضباط جهاز مباحث أمن الدولة أن هذا الشاب السكندري المعارض، الذي كان أحد الذين تم اعتقالهم عام 2008 في أحداث إضراب «6 أبريل» الشهير، كصورة مصغرة من ثورة 25 يناير، ثم توالى اعتقاله وتعذيبه بعدها عشرات المرات على أيديهم، قد يكون هو نفسه أول من يفجر شرارة القضاء التام على جهازهم، الذي بث الرعب في نفوس المصريين عبر سنوات حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

حسن مصطفى، 29 عاما، خريج كلية السياحة والفنادق بجامعة الإسكندرية، ويعمل موظفا بإحدى الشركات الخاصة، وهو عضو ائتلاف شباب الثورة بالإسكندرية، سوف يذكر له التاريخ أن طلقات الرصاص التي أصابته أمام جهاز أمن الدولة كانت ثمنا لتحرر المصريين من هذا الجهاز القمعي، الذي اقتحمت جموع المصريين مقره بالإسكندرية بعد دقائق من سقوط حسن غارقا في دمائه، لتتوالى الأحداث بعد ذلك وتسقط كل المقرات في كل المحافظات المصرية.

حسن كان أحد الداعين الرئيسيين لأولى المظاهرات التي انطلقت احتجاجا على مقتل الشاب خالد سعيد منتصف عام 2010، وهو الحادث الذي لاقى تفاعلا شعبيا مصريا غير مسبوق، كما كان من أوائل الداعين للخروج إلى المظاهرات يوم 25 يناير.

«الشرق الأوسط» التقت حسن داخل المقهى الذي يفضل الجلوس عليه بمنطقة محرم بك وسط الإسكندرية، حيث استعاد ذكرياته عن بداية المظاهرات، ودوره في سقوط جهاز أمن الدولة، والمشكلات التي تواجه حاليا ائتلاف شباب الثورة.

يقول حسن عن بداية المظاهرات في يوم 25 يناير: «خرجت في هذا اليوم مع غيري من الشباب وقسمنا أنفسنا إلى عدة مجموعات على عدد من المناطق، وكنت في منطقة باكوس الشعبية داخل السوق، وكان عددنا 15 شابا وبدأنا الهتاف ضد النظام، ولاحظنا أن شبابا وفتيات كثيرين ينضمون إلينا، حتى ربات البيوت اللائي كن يقمن بشراء احتياجات المنزل، الجميع شاركونا التظاهر».

وتابع: «فوجئنا بعناصر من البلطجية تابعين للأمن تندس بيننا أثناء المظاهرات، وكانوا يهتفون معنا حتى لا يكتشف أمرهم، بينما كانوا يقتربون من النشطاء الذين يقودون المظاهرات ويهددونهم بالسلاح الأبيض، وقد تعرضت للتهديد من أحدهم الذي وضع (مطواة) في جانبي لفض المظاهرة، وبالفعل تفرقنا بإشارات معينة، وقلنا عبارة تحمل شفرة متفقا عليها بيننا من قبل وهي (كله يرجع على واحد)، وكان رقم واحد يعني منطقة الرمل وسط المدينة، وهو ما يعني أننا سوف نتفرق ونعود للتجمع في محطة الرمل، وبالفعل تجمعنا هناك وبدأنا الهتاف في هذه المنطقة المزدحمة، وبعد دقائق وجدنا أعدادا بعشرات الآلاف تنضم لنا، ولأول مرة بكينا من هول المشهد، فقد كان هذا الذي كنا نرجوه طوال السنوات الماضية، وها هو الحلم يتحقق أمامنا، وأيقنا أننا قد أصبحنا في بداية ثورة حقيقية وليست مجرد مظاهرات، كما هي الحال في المرات السابقة».

ويستطرد: «منذ ذلك المشهد لم نعد إلى منازلنا حتى تنحى الرئيس السابق يوم 11 فبراير (شباط)، فقد كنا نطرق كل شارع وحارة، ونستحث الناس على أن يشاركونا الثورة على الظلم والفساد، حتى تمكنا من حشد أكثر من مليوني مواطن سكندري يوم التنحي أمام القصر الجمهوري بمنطقة رأس التين، علما بأن تعداد مدينة الإسكندرية لا يتعدى 5 ملايين نسمة، وهو ما يعني تقريبا خروج نصف أهالي الإسكندرية».

ويتذكر حسن ذلك الضابط الذي ألقى القبض عليه في أول مظاهرة تفجرت احتجاجا على مقتل خالد سعيد منتصف العام الماضي، وكان من ضباط قسم شرطة سيدي جابر، حيث قام بتغمية عينيه وأمر المخبرين والجنود بالاعتداء عليه، كما أمرهم بالاستيلاء على جميع النقود والهواتف التي كانت مع النشطاء الذين دعوا للمظاهرة أمام القسم في هذا اليوم، وهو ما نتج عنه إصابته بإصابات بالغة أمرت النيابة، بسببها، بعرضه على الطبيب الشرعي لإثباتها، إلا أن ضباط أمن الدولة منعوه من التوجه لمصلحة الطب الشرعي واعتقلوه.

يقول حسن: «الصدفة وحدها كانت وراء لقائي بالضابط نفسه في قسم سيدي جابر يوم 28 يناير الماضي، الذي عرف بجمعة الغضب، حينما كنت مشاركا في مسيرة حاشدة مرت أمام القسم، وظهر هذا الضابط من شرفة القسم في الدور العلوي الأول ملوحا للمتظاهرين بقطعة قماش بيضاء كعلامة على الاستسلام وعدم المقاومة، ثم قام بإلقاء سلاحه على الأرض وطلب الخروج آمنا، لكن آلاف المتظاهرين كانوا رافضين أن يخرج في أمان، بينما قمت وزملائي بالهتاف قائلين (سلمية سلمية)، وتشابكت أيدينا وقمنا بتكوين سياج بشري ليخرج الضابط رافعا يده لأعلى، وكان ينظر لي وهو في طريقه للمغادرة بنظرة لن أنساها ما حييت، لقد كانت نظرات خوف ممزوجة بخجل وندم شديدين، فقلت له: (تفضل.. أنت آمن)، ورددنا على المعترضين من الناس من ضحايا التعذيب وذويهم في هذا القسم بأن هناك قضاء يقتص لهم، وأن عليهم تقديم بلاغات ضد من قاموا بتعذيبهم ليأخذ القانون مجراه، وأن عليهم أن لا يفعلوا مثل هؤلاء الجلادين ويكون الانتقام طبقا لشريعة الغاب».

يتذكر حسن يوم إصابته برصاصة نافذة في بطنه أمام جهاز أمن الدولة قائلا: «لقد كنت أمر يوميا من أمام مقر الجهاز، وكان يقلقني عدم صدور قرار بحله، على الرغم من تنحي الرئيس السابق، وكنا نتساءل في اجتماعاتنا بائتلاف الثورة: هل نجحنا في إسقاط النظام ولم ننجح في إسقاط هذا الجهاز العنيد؟». وأضاف: «كان القدر أسرع منا، حيث جاءتنا الإجابة كالبرق، فأثناء مروري من أمام الجهاز يوم 3 مارس (آذار) الماضي في طريق سيري للعودة إلى منزلي فوجئت بشاحنات كبيرة تقف أمام مقر الجهاز وتحمل أجولة كبيرة، ووقع أحد هذه الأجولة أمامي على الأرض، فإذا به مليء بالأوراق والملفات، لأكتشف أن هناك عملية تهريب للمستندات المهمة من المقر، فقمت بإبلاغ أصدقائي فحضروا على الفور، وقمنا بفرض حصار سلمي على المقر تحت رقابة الجيش الذي طالبنا قياداته بندب لجنة قضائية من النيابة العامة لتفتيش مقر الجهاز وضبط المستندات المهمة به قبل تهريبها، حيث إنها بالتأكيد تحوي الكثير من الأسرار ووقائع الفساد، وإلا فلماذا يتم تهريبها؟».

يكمل: «في المساء غادر الكثير من الناس المكان، إلا إنني ورفاقي في ائتلاف الثورة وحركة حشد، رفضنا المغادرة وصممنا على تقسيم أنفسنا في فرق لحراسة المقر لضمان عدم تهريب أي مستندات جديدة، وفي اليوم التالي احتشد الآلاف حول المقر وأخذوا يرددون هتافات مثل (يسقط.. يسقط أمن الدولة)، وكنت بين الحين والآخر أذهب لقوات الجيش وأطلب منهم تعيين لجنة قضائية من القضاة لضبط المستندات الموجودة داخل الجهاز، إلا أن الرد لم يكن يأتي، ومع مرور الوقت ومع حلول الليل فوجئنا بقنابل مولوتوف يتم إلقاؤها ناحيتنا من داخل مبنى أمن الدولة، فرد الناس بالحجارة بعد أن أصيب العشرات، وكنت أصيح طالبا من قوات الجيش إنقاذ المستندات الموجودة داخل المبنى».

سقط حسن أرضا بعد إصابته بطلق ناري متفجر أصاب بطنه وتم نقله إلى المستشفى، وطوال الطريق كان ينزف بغزارة، ومع وصوله إلى المستشفى أخبره الأطباء بأنه يجب أن يجري عملية جراحية على الفور، لكن حسن رفض ذلك. يكمل: «لم أكن في كامل وعيي، لكن ما أذكره جيدا أنني تلقيت اتصالا هاتفيا من خطيبتي تخبرني أنه كرد فعل على إصابتي تم اقتحام جهاز أمن الدولة من قبل المتظاهرين وإلقاء القبض على الضباط، وأن المتظاهرين يتجولون في طرقات وحجرات المبنى بحرية كاملة ويلتقطون الصور التذكارية بداخله، في هذه اللحظة بكيت فرحا، وطلبت من الأطباء دخول حجرة العمليات لاستخراج الرصاصة بعد أن اطمأننت على أن يد النظام التي كانت تبطش بالنشطاء تم استئصالها وإلى الأبد».

يتولى حسن حاليا مهمة رئاسة لجنة العمل الميداني من خلال عضويته بالمكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة بالإسكندرية، وتتولى هذه اللجنة الإشراف على العمل السياسي الميداني بالشارع، كما تتولى الدعوة للمظاهرات المليونية، التي كانت أبرزها المظاهرة المطالبة بمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وأفراد أسرته، كما تتولى هذه اللجنة مهمة التفاعل مع رجل الشارع وتوعيته سياسيا، حيث تقوم اللجنة بعمل التوعية السياسية للمواطنين على المقاهي الشعبية وفي الميادين العامة.

وعن الأوضاع بعد الثورة، يلفت حسن إلى أنه يجب تحديد اختصاصات جهاز الأمن الوطني الجديد الذي حل بديلا عن جهاز أمن الدولة بشكل واضح ومعلن، بحيث يعرف المواطنون مهامه المحددة، فيستطيعون تقييم ما إذا كان قد خرج عن حدود هذه الاختصاصات أم لا، قائلا إن زمن الغموض قد انتهى ولا بد من مصارحة الشعب المصري بكل صغيرة وكبيرة.

كما يبدي تحفظا جوهريا على قانون تنظيم شؤون الأحزاب السياسية، قائلا إنه ورفاقه كانوا يتمنون تكوين حزب سياسي بعد الثورة، إلا إنهم لن يتمكنوا من ذلك لأن التعديلات الأخيرة بعد الثورة قصرت حق تكوين الأحزاب على الأغنياء فقط، نظرا لاشتراط الحصول على خمسة آلاف توكيل من أعضاء بالحزب لتأسيسه، حيث يتكلف كل توكيل مبلغ 30 جنيها تقريبا، مما يعني أن المجموع مائة وخمسين ألف جنيه.. بالإضافة إلى اشتراط نشر إعلان بجريدتين يوميتين واسعتي الانتشار عن تأسيس الحزب، وهو ما يتكلف ما لا يقل عن ثلاثمائة ألف جنيه، مما يعني أن مصر ما زالت تواجه عوائق حقيقية نحو تأسيس أحزاب تعبر عن الشارع المصري الحقيقي ونبض المواطن العادي، حيث لا تزال فئة رجال الأعمال هي الفئة المسيطرة على الأمور سياسيا، والمتوقع أن يزداد دورها مع مرور الوقت، مما يهدد بعودة سيطرة رأس المال على الحكم من جديد.

وبحسب حسن يواجه أعضاء ائتلاف الثورة بالإسكندرية بعض المشكلات، منها مشكلات في التمويل، تمنعهم من توفير مقر يتسع لاجتماعاتهم التي تضم أعدادا كبيرة تصل للآلاف أحيانا، لذا يتم التغلب على ذلك بعقد اجتماعات الائتلاف بحدائق الشلالات المفتوحة.

ويتابع: «سنظل نناضل ونلتقي الناس بالشارع، حتى يأتي اليوم الذي نستطيع فيه أن ننشئ تنظيما سياسيا رسميا دون أن نكون مضطرين لدفع مئات الآلاف من الجنيهات لممارسة السياسة، التي هي حق لكل مواطن مثل الماء والهواء».