مشردون في أميركا يجدون ملاذا في المدرسة

والد إحدى الطالبات: لتتمكن من العيش في ملجأ.. عليك التركيز

رحلة الذهاب إلى المدرسة تستغرق 15 دقيقة («نيويورك تايمز»)
TT

كانت رحلة الحافلة من ملجأ المشردين إلى مدرسة «فيرن كريك» الابتدائية، صاخبة كالعادة. كانت على دوريثا براون، سائقة الحافلة، أن تصيح مئات المرات في الجميع وتأمرهم بالجلوس. وأخذت دوريثا تصيح قائلة: «إن هذه الضوضاء هي ما تبقينا مستيقظين ليلا ونهارا»، على الرغم من أن الفتيات كولينز وهن بريانا ذات الثمانية أعوام، وتامارا ذات السبعة أعوام، وسيدني ذات الستة أعوام، لا يستطعن سماعها.

وتعاركت الفتاة التي تلتحق بالصف الأول الابتدائي مع التي بالصف الثاني خلال رحلة الذهاب إلى المدرسة التي تستغرق 15 دقيقة وتقيأ أحد الأطفال الآخرين، ولم تبال أي من بريانا وتمارا وسيدني. يقول والدهن جيمس كولينز: «لتتمكن من العيش في ملجأ، عليك التركيز». هذه هي ثاني مرة تقيم فيها الفتيات في ملجأ، لذا فهن معتادات حياة التشرد. فوجئت روكسانا شريفلر، معلمة في الصف التمهيدي، بوصول سيدني إلى «فيرن كريك» في فبراير (شباط). وقالت: «لقد دخلت إلى الفصل في منتصف النهار وجلست. لقد تكيفت مع الوضع الجديد فورا. لم يكن هناك أي حاجة إلى العمل على دمجها في الفصل، فقد كانت مستعدة بالفعل لذلك». 20 في المائة من طلاب مدرسة «فيرن كريك» من المشردين. ويعد الوقت الذي يقضونه في المدرسة هو الأفضل. وبريانا هي الأكبر من بين ستة أطفال في أسرة كولينز، ثلاثة منهم لم يبلغوا سن المدرسة بعد. وتعيش الأسرة في غرفة مساحتها 13 قدما × 15 قدما من دون نوافذ ويتقاسمون ثلاثة أسرّة بدورين. إن الذهاب في الصباح إلى المدرسة أمر يبعث على الشعور بالراحة. يقول الوالد الذي خسر وظيفته كمبيض محارة بسبب الانهيار الاقتصادي: «إنهن يحببن فيرن كريك. لا يوجد أي عيب في تلك المدرسة». وتقول فيليكا بلو، والدة الأطفال التي فقدت وظيفتها حيث كانت تعمل في تنظيف الملعب بعد مباريات فريق «أورلاند ماجيك» لكرة السلة من الحادية عشرة مساء إلى الرابعة صباحا: «إنهن يحببن (فيرن كريك). وتتحدث بريانا دائما عن زملائها في الفصل». وفوجئت روكسانا بمدى سعادة سيدني على الرغم من ظروفها، حيث قالت: «إنها ممتنة للغاية، وتشكرني». وتشعر الفتيات بالحماس في ليلة الأدب ومعرض الكتاب السنوي. فكل شهر يخصص باتريك غالاتهويتش، ناظر المدرسة، ليلة لتعلم الرياضيات والعلوم والفنون والموسيقى، لكن تلك الليلة كانت الأولى بالنسبة إلى فيليكا وبناتها. أرسل باتريك حافلة إلى الملجأ لنقل الأسر، وتحافظ مؤسسة «ائتلاف مشردي وسط فلوريدا» التي تتولى إدارة الملجأ، على العشاء ساخنا حتى تعود الأسر. أعطى كولينز الفتيات الثلاث كل ما معه من نقود من الفئات القليلة لينفقونها في معرض الكتاب. وضعت تامارا مبلغ الـ53 سنتا التي حصلت عليه في مظروف مغلق. عندما أخبرها أحدهم أن هذا المبلغ لا يكفي لشراء كتاب قالت: «إنه يكفي لشراء مؤشرة للكتاب». يوم الخميس الماضي الذي شهد ارتفاع مؤشر «داو» إلى أعلى مستوياته خلال نحو ثلاثة أعوام، كان 256 من 751 في الملجأ التابع للمؤسسة من الأطفال. وهناك 2953 طالبا مشردا ملتحقين بمدارس مقاطعة أورينج الحكومية بعد أن كان 1463 عام 2008. ووصل عدد الطلبة المشردين الملتحقين بالمدارس الحكومية على مستوى البلاد إلى أعلى مستوى بعد فترة الكساد. وخلال العام الدراسي 2008 - 2009، بلغ عدد الطلبة المشردين 954.914 في مقابل 679.724 خلال العام الدراسي 2006 - 2007 بحسب آخر بيانات واردة من وزارة التعليم الأميركية. ويعد أداء الأطفال المشردين الدراسي أسوأ كثيرا من الفقراء. ففي ولاية فيرجينيا، يتسرب 21.2 في المائة من الطلبة المشردين من التعليم خلال المرحلة الثانوية في مقابل 14.8 في المائة من الطلبة الفقراء على حد قول وزارة التعليم. وبحسب بيانات وزارة التعليم المنشورة على الموقع الإلكتروني للوزارة، يبلغ إجمالي معدل إتمام الطلبة للمرحلة الثانوية في ولاية كولورادو 72 في المائة: 59 في المائة من الطلبة الفقراء و48 في المائة من المشردين. في مدرسة «فيرن كريك» حيث تبلغ نسبة الطلبة الذي يستحقون وجبة غداء مدعمة 85 في المائة، يتخلف نحو ثلث الطلبة المشردين البالغ عددهم 59، ومنهم بريانا، دراسيا بصف. ومع ذلك، سجلت المدرسة درجة امتياز في شهادة بطاقة تقرير الدولة خلال خمس سنوات من إجمالي ست سنوات، حيث أجاد 77 في المائة من الطلبة القراءة وأظهر 85 في المائة تفوقا في الرياضيات. ويقول باتريك إن هناك عدة أسباب لنجاح المدرسة: - كثافة الفصل: وافق المصوتون في ولاية فلوريدا مرتين على تحديد إجباري لكثافة الفصل على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل جيب بوش، أحد أبرز أعضاء ما يسمى بحركة إصلاح المدرسة والمحافظ السابق. ويحتوي كل فصل من فصول بنات كولينز الثلاثة على 18 طالبا فقط. - مهارة وموهبة المعلمين: فريبيكا فارمر، معلمة بريانا لديها خبرة 14 عاما في التعليم. وتعمل شانون بريشونغ في مجال التدريس منذ 19 عاما. وقضت روكسانا 30 عاما داخل الفصول. - الانضباط دون قسوة: قبل أن ينزل الطلبة من حافلة المدرسة الصاخبة، تستقل شانيتا هايلاند، رئيسة الطلبة، الحافلة، فيسود الصمت فورا. ويهمس جاستين هيرناندز، الطالب في الصف الخامس وهو يسرع في وضع قميصه داخل بنطاله: «يفترض بك أن تضع قميصك داخل بنطالك، فلا أحد يرغب في رؤية الوجه العابس لشانيتا. إنها لطيفة لكن حازمة». ثم يقابل الأطفال بعد ذلك رون جونز، معلم الألعاب الرياضية الطويل أمام المدرسة. ويرفع ثلاثة أصابع في الهواء في إشارة إلى لأطفال بأن يصمتوا. ويقول: «لقد أخبرناهم ماهية الهدوء». لا يؤمن غالاتهويتش بفصل الأطفال ليوم أو أكثر. يقول: «لا يوجد أي معنى لحرمان أكثر الأطفال احتياجا إلى المدرسة منها». العام الحالي لم يتم منع أي طالب من المجيء إلى المدرسة كعقاب على الرغم من وضع 18 طالبا في غرفة هادئة حتى تهدأ أعصابهم. في ليلة الأدب، وصلت حافلة المدرسة إلى الملجأ في خمس وعشرين دقيقة. ولم يستقل الحافلة سوى والدتين وستة أطفال. وبلغ إجمالي عدد الحضور من الآباء والطلبة 150. وكان هناك راو من مكتبات مقاطعة أروانغ وكتب مجانية ومعرض كتاب. اشترى غالاتهويتش كتبا للطلبة المشردين بمبلغ تم التبرع به قدره 250 دولارا. عادت كل فتاة من بنات كولينز إلى مأواهن بأربعة كتب وهو ما أدخل السرور على نفس تامارا، حيث لم تكن بحاجة إلى إنفاق الـ53 سنتا. في نهاية الأمسية، تم إقامة يانصيب في الكافتيريا. وتم منح عدد من الجوائز، لكن أكثر الجوائز التي كانت محل حسد الجميع كانت أربع دراجات تبرعت بها إحدى الكنائس.

حينما جاء وقت منح الدراجة الرابعة، أعلن غالاتهويتش الذي يعمل ناظرا منذ 16 عاما ويجني 91.674 دولار سنويا، رقم التذكرة الرابحة وكانت لبريانا، فقفزت من الفرحة. لقد ربحت دراجة سوداء تتماشى مع الخوذة. وقالت وهي ترفع القفل: «أربح ذلك أيضا». وقفت تامارا في سكون وقالت لأمها: «لا أريد الحصول عل دراجة». وعندما حان وقت المغادرة، حمل أحدهم الدراجة الجديدة إلى الحافلة. تشعر بريانا كولينز التي تتوجه إلى الملجأ ومعها دراجة للمرة الأولى في خضم حياة صعبة قاسية، بأنها نجمة من نجوم السينما.

* خدمة «نيويورك تايمز»