مؤتمران للقمة.. لم يكتب لأحدهما النجاح والآخر مصيره مجهول لكنهما وراء إعمار بغداد

صدام بنى العاصمة استعدادا لقمة عدم الانحياز.. والحكومة الحالية أعادت تأهيلها للقمة العربية

TT

مؤتمران للقمة لم يكتب لهما الانعقاد ببغداد أعادا إعمار العاصمة العراقية، الأول مؤتمر قمة عدم الانحياز الذي كان من المفترض عقده عام 1982، والثاني مؤتمر قمة الدول العربية الذي كان يجب عقده الشهر الحالي في العراق.

ففي مؤتمر قمة عدم الانحياز الذي عقد في هافانا وبرئاسة فيدل كاسترو بين 3 إلى 9 سبتمبر (أيلول) 1979، وبحضور مائة زعيم يمثلون كامل الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، التي مثل العراق فيها صدام حسين الذي كان قد مضى على تسلمه للسلطة كرئيس للعراق شهرين فقط، تقرر عقد مؤتمر قمة منظمة عدم الانحياز لعام 1982 ببغداد التي تحولت منذ نهاية السبعينات إلى أكبر ورشة للبناء استعدادا لاستقبال المؤتمر.

بغداد وقتذاك ازدحمت بالشركات العالمية المتخصصة بالبناء وشق الطرق وإعادة تعمير المناطق التراثية، فكان أن ارتبطت مناطق العاصمة العراقية ببعضها بشبكة من الطرق والجسور المعلقة والأنفاق المتطورة التي امتدت حتى المحافظات الأخرى، كما تم تهديم أحياء بغدادية عريقة مثل حي (الشواكة) و(الفلاحات) و(الشيخ عمر) وجزء كبير من حي (الربيع) في جانب الكرخ، لبناء أحياء حديثة، وشق شارع حيفا الذي زرع جانباه بعمارات عالية، وتوسيع مطار المثنى، وهو أول مطار عراقي ببغداد، وبناء مطار صدام (بغداد حاليا)، ومجموعة من الفنادق المتطورة كان أبرزها فندق الرشيد الذي تم إنشاؤه قبالة قصر المؤتمرات الذي كان من المفترض أن يجتمع فيه قادة دول عدم الانحياز.

غير هذا بنت الحكومة مجموعة من الفلل في الأحياء السكنية الراقية مثل الجادرية وحي القادسية لإقامة عدد من الملوك والرؤساء والقادة المتميزين. وعلى مدى عامين، تواصل العمل ليلا ونهارا في شوارع وأحياء بغداد التي غزتها مختلف الآليات الثقيلة والتقنيات المتطورة لإنجاز المشاريع بأسرع وقت، وازدانت ساحات العاصمة العراقية بنافورات وأعمال فنية أعيد خلالها وضع تمثال الملك فيصل الأول في مكانه بمنطقة الصالحية تكريما لابن عمه العاهل الأردني الملك حسين بن طلال، وانشغل الشعراء والملحنون بكتابة الأناشيد والأغاني التي تمجد العراق وصدام حسين، نذكر على سبيل المثال أغنية مستهلها: «شمسنا لن تغيب.. شمس صدامنا، والعراق الحبيب ملتقى للمنى».

وحسب المهندس العراقي هشام المدفعي الذي كان معاونا لأمين العاصمة للشؤون الفنية وقتذاك، فإن «العمل بإعادة بناء وإعمار بغداد شمل كل البنى التحتية من إعادة التأسيسات الكهربائية وتجديد شبكات الاتصالات وأنابيب المياه، إضافة إلى بناء شارع حيفا من قبل ثلاث شركات عالمية»، واصفا ما جرى بأنها «كانت عملية بناء جبارة وشاملة كلفت مليارات الدولارات».

وأشار المدفعي إلى أنه «عندما لم يعقد مؤتمر قمة عدم الانحياز وجه صدام حسين بالاستمرار في البناء ومد الطرق السريعة وبناء جزيرتي بغداد والأعراس السياحيتين ونصبي الجندي المجهول والشهداء، ومشاريع ضخمة أخرى»، مشيرا إلى أن «العمل استمر حتى عام 1985».

لكن الحرب العراقية - الإيرانية التي كانت قد اشتعلت نيرانها قبل عامين من موعد عقد مؤتمر قمة عدم الانحياز غير كل المسارات، إذ جرت الرياح بما لا تشتهي سفن القيادة العراقية آنذاك. فقد اعترضت إيران، وهي عضو في منظمة دول عدم الانحياز، على عقد المؤتمر في بغداد ورفضت حضور المؤتمر الذي كان سيضغط في اتجاه تحقيق المصالحة بين البلدين المتحاربين حسبما كان مثبتا بجدول أعمال قادة دول عدم الانحياز، وتحولت اتجاهات طائرات الوفود المشاركة في المؤتمر إلى نيودلهي، حيث عقد المؤتمر في 7 مارس (آذار) عام 1983 بحضور 70 ملكا ورئيس دولة ورئيس حكومة ولم يعقد هذا المؤتمر في العراق.

وقد تمت الاستفادة من هذه التحضيرات والمنشآت التي تم بناؤها في العاصمة العراقية في ما بعد، لاستضافة مؤتمر القمة العربية عام 1990 برئاسة صدام حسين، وتحول قصر المؤتمرات اليوم ليكون مقرا لمجلس النواب (البرلمان) العراقي، بينما استولى السياسيون والمسؤولون الجدد في الحكومة العراقية من وزراء ومستشارين وأعضاء الأحزاب المتنفذة على الفلل التي كانت مخصصة لإقامة قادة دول عدم الانحياز.

وبعد 29 عاما على حرمان بغداد من استضافة مؤتمر قمة دول عدم الانحياز، تتكرر الحادثة مع مؤتمر قمة الدول العربية الذي كان من المقرر عقده ببغداد في مارس (آذار) الماضي ثم تم تأجيله إلى 10 و11 مايو (أيار) الحالي، قبل أن يؤجل الموعد إلى أجل غير معروف، إذ كان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قد أشار في تصريحات صحافية في القاهرة إلى أن «العالم العربي منشغل بظروف معينة فرضتها الثورات الحالية، وبالتالي فإن كثيرا من الدول قد لا تستطيع الحضور لهذا السبب، لذلك فإن موعد انعقاد القمة لا بد أن يؤجل»، من غير أن يتم الإعلان عن إلغاء عقده ببغداد.

لكن السيناريو الذي سبق عقد مؤتمر قمة عدم الانحياز عام 1982 في ما يخص البناء وإعادة الإعمار، تم تنفيذه وبحجم أقل بكثير خلال التحضيرات الحالية لمؤتمر القمة العربية المؤجل، ففي حين تم بناء أحياء ومد طرق وجسور وإعادة إعمار كامل بغداد تقريبا، فإنه يتم حاليا إعادة ترميم ثلاثة فنادق وتنظيف شوارع وتنظيم المتنزهات بتكلفة بلغت أكثر من 500 مليون دولار.

البغداديون فرحوا بإعادة إعمار مدينتهم مرتين، ذلك أن موضوع انعقاد مؤتمرات القمة لا تهمهم مثلما يهمهم إعادة إعمار المدينة التي تتعرض للخراب كل يوم.