قائد يحتفي بماضيه «الأسود» إثر عودته للسلطة

زعيم سورينام يتحدى الغرب ويمجد فترة انقلابه الدامي في الثمانينات ويتحصن بعدم توقيع اتفاقية تسليم المطلوبين

ديزي بوترس
TT

كان ديزي بوترس جنديا وأحد مخططي انقلاب وحاكما عسكريا لمستعمرة هولندية سابقة وتاجر مخدرات وهاربا من الإنتربول لأكثر من عشر سنوات. وما زال يواجه محاكمة بتهمة قتل 15 معارضا على أيدي قوات الجيش التابعة للنظام في الثمانينات. ويعود بوترس، (65 عاما)، الآن كحاكم لهذه الدولة الصغيرة في أميركا الجنوبية مرة أخرى، مما يثير الفزع من احتمال العودة إلى الزمن الذي كانت تشتهر فيها سورينام، التي كانت يوما بقعة جاذبة للمرتزقة الغربيين وعصابات المخدرات من كولومبيا، بانفتاحها على المشاريع الإجرامية. وبدلا من تجاهل ماضيه، يحتفي بوترس به في تحد سافر منذ انتخاب البرلمان له في يوليو (تموز) الماضي. فقد اختار يوم 25 فبراير (شباط) الذي شهد تنفيذه لانقلاب عام 1980 مع جنود آخرين، ليكون عيدا رسميا للدولة وأطلق عليه اسم «يوم التحرير والتجديد». وفي الوقت الذي يقول فيه بوترس إنه لن يتدخل في قضية القتل المتهم بالتورط فيها، عين أحد المتهمين في القضية سفيرا للدولة لدى فرنسا، في إشارة إلى عدم المبالاة بالمشكلة القانونية التي يواجهونها.

كذلك بدأ إعادة هيكلة مؤسسات الحكم في سورينام مع وضع أفراد أسرته في الاعتبار أحيانا. فقد أدرج اسم زوجته، إنغريد بوترس والدرينغ، على قوائم المرتبات الحكومية، حيث تتقاضى 4 آلاف شهريا لمنصبها كسيدة أولى. وعين ابنه دينو بوترس، (38 عاما)، المدان بقيادة شبكة من مروجي الأسلحة غير القانونية والكوكايين عام 2005، في وحدة مكافحة الإرهاب الجديدة. وتم القبض على دينو بوترس الذي أطلق سراحه عام 2008 لتورطه في سرقة أسلحة من جهاز استخبارات سورينام عام 2002. وقال إيدي ويجينغارد، (67 عاما)، وهو شقيق صحافي بارز كان من ضمن الخمسة عشر معارضا الذين قتلوا على أيدي نظام بوترس في 8 ديسمبر (كانون الأول) 1982: «نحن نشهد عودة الخلود إلى دولتنا الصغيرة». وتمثل أعمال القتل المذكورة التي تعرف باسم «أحداث قتل ديسمبر» حلقة من سلسلة أحداث شهدتها هذه البلاد التي يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة والتي حصلت على استقلالها عام 1975. ومهدت هذه الحوادث الطريق إلى إقامة دولة بوليسية حظيت بدعم كوبا وليبيا التي كانت تعاني في الثمانينات. وشعرت الحكومة الهولندية بقلق بالغ من نظام بوترس حتى إنها وضعت خطة لغزو البلاد والإطاحة بنظامه بدعم لوجيستي من القوات الأميركية بحسب تعليقات رود لوبرز، رئيس وزراء هولندا السابق العام الماضي. لكن لم يؤكد أي مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية أو ينف، وجود هذه الخطة.

وقبل بوترس، الذي رفض عدة طلبات بإجراء مقابلة معه في السابق، تحمل «المسؤولية السياسية» عام 2007 عن أحداث قتل ديسمبر، لكنه نفى تورطه المباشر في الأمر. ولا يزال الغموض يحيط بتلك الأحداث، وتحذر منظمات حقوق الإنسان من احتمال أن يصدر عفو عنه في حال ما وجد مذنبا.

وعاد بوترس إلى منصبه من خلال تشكيل ائتلاف مع روني برانسويجك، عدوه القديم في الحرب الأهلية خلال فترة الثمانينات التي أدت إلى دمار المارون أسلاف العبيد الهاربين إلى المناطق الداخلية. ومنذ أن أصبح رئيسا للبلاد مرة أخرى، يسخر بوترس من إدانته غيابيا في هولندا بتهمة تهريب ألف رطل من الكوكايين إلى هولندا قائلا «إنها مزحة». ولا يزال بوترس حرا طليقا ويستغل عدم توقيع سورينام على معاهدة تسليم المطلوبين مع المستعمر القديم. ويحظى الآن بمزيد من الحصانة باعتباره رئيسا للبلاد مع احتفاظ الإنتربول بأمر القبض عليه. وقد بدأ بزيارة البرازيل وغويانا والولايات المتحدة، حيث حضر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وتسببت عودة رجل سورينام القوي السابق في توتر جديد في العلاقات مع هولندا، حيث صرح ماكسيم فيرهاغين، وزير الخارجية الهولندي آنذاك، تعليقا على انتخابه العام الماضي: «لن يكون مرحبا به في هولندا إلا بعد أن ينفذ الحكم الصادر بحقه ويقضي مدة العقوبة». كما منعت الحكومة الهولندية المعونة العسكرية التي تمنحها لسورينام بعد عودة بوترس إلى السلطة.

لكن نهج المسؤولين الهولنديين بات أكثر لطفا في الفترة الأخيرة من أجل الحفاظ على العلاقات بين البلدين. ورفض أرت جاكوبي، السفير الهولندي لدى سورينام، التعليق على بوترس، مكتفيا بقوله إن هولندا ستستمر في مراقبة تهريب المخدرات وقضايا حقوق الإنسان هنا. وسيستمر جاكوبي في الاحتفال بذكرى أحداث قتل ديسمبر، وقال: «نستطيع من خلال الإبقاء على ذكرى هذا الحدث في الأذهان، أن نمنع وقوع أحداث مماثلة في المستقبل». لا تعني هذه المواقف كثيرا لمؤيدي بوترس الذين لم يشهد الكثير منهم فترة حكمه الأولى خاصة الشباب. ويقول رانيل فريزر، طالب في جامعة أنتون دي كوم، (25 عاما): «إنه اجتماعي وذو قلب رحيم. إنه من القلائل الذين يستطيعون تنمية البلاد من خلال تحقيق الوحدة بين الجماعات العرقية المختلفة».

لا يوجد سياسي في البلاد يتمتع بمهارة التأثير على مشاعر الشعب، خاصة من خلال إدانة الهولنديين على سبيل المثال. وتقول كارول ذات البشرة الفاتحة التي تدعي أن أصولها تعود إلى الهنود الحمر في سورينام، إنه استطاع التوحيد بين الجماعات العرقية المختلفة. ويشتهر بوترس بالرقص في اجتماعات تأييده على أغنية «التغيير قادم» لسام كوك. وارتدى بوترس قبل انتخابه قميصا يحمل صورة تشي جيفارا، لكنه يرتدي الآن بدلات داكنة اللون. يجيد بوترس الهولندية وهي اللغة الرسمية للبلاد وسرانان تونغو، وهي اللغة العامية. وكثيرا ما يرد مؤيدو بوترس على النقد الموجه له بقولهم «لا يهم». وقد فعل المسؤولون في سورينام شيئا مماثلا ردا على تقارير إخبارية هولندية في يناير (كانون الثاني) تستند إلى برقيات دبلوماسية أميركية، تشير إلى استمرار بوترس في ممارسة أنشطته غير القانونية بعد إدانته عام 1999 بالترتيب لحماية عمليات تهريب المخدرات التي يقوم بها حاكم غويانا. وأشارت الخارجية الأميركية في مارس (آذار) إلى العثور على كوكايين كان ضمن شحنة قادمة من سورينام عن طريق البحر في بريطانيا وباكستان وهولندا بعد عودة بوترس إلى السلطة. لكن يقول مسؤولو مكافحة المخدرات في سورينام إنه يناهض تهريب المخدرات. وقال كريشنا حسينالي، أحد مسؤولي مكافحة المخدرات رفيعي المستوى: «لا يريد بوترس أن تسمح هذه الحكومة لتجار المخدرات بممارسة نشاطهم». وبينما يبدو تحولا في الموقف، تمكن بوترس من العودة من خلال تحالف مع برانسويجك، عدوه القديم الذي ينتمي إلى المارون والذي قاد حرب شوارع ضد بوترس في فترة الثمانينات، والذي يعد من أهم المشرعين وواحد من أثرياء سورينام. ويعرف برانسويجك، (50 عاما)، جيدا معنى أن يكون المرء هاربا من العدالة الدولية. ففي عام 1999، أصدرت محكمة هولندية حكما غيابيا ضده بتهمة تهريب الكوكايين. وأصدرت فرنسا مذكرة اتهام بحقه بتهم تهريب مخدرات. ويواجه الرجلان حاليا منظمات حقوق الإنسان ومكافحة الفساد. ويقول شاردا غانغا، وهو محلل سياسي في سورينام: «كم هو صادم أن نرى عودتنا إلى تلك النقطة مرة أخرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»