في أبوت آباد اعتمد بن لادن على السرية والجدران العالية.. وجيرانه كانوا آخر من يعلم

اعتقال الشخص المسؤول عن بناء المجمع السكني لزعيم «القاعدة»

سكان محليون في مدينة أبوت آباد يحاولون التلصص عبر الباب الخارجي للمجمع السكني لابن لادن (رويترز)
TT

من السهل تخيل كيف عاش أسامة بن لادن حياة هادئة، وإن كانت معزولة، في هذه المدينة. وخارج الجدران العالية لمجمعه السكني، كان الدجاج يتسكع حول حقول البطاطس والنعناع النظيفة. وكانت التلال الخضراء تخط الأفق. وكان الجيران، حسب اعترافهم، منشغلين بأحوالهم، ويحسبون ببساطة أن هناك أخوين ثريين جدا يعيشان في المبنى الكبير. وقال الجيران إن الرجل الثالث لم يخرج مطلقا خارج المبنى.

وبعد يوم من استيقاظ باكستان على وقع الأخبار القائلة بأن أسامة بن لادن كان قد قتل في هذه المدينة الحصينة، سمحت السلطات لصحافيين بالاقتراب من المحيط الخارجي للمجمع الذي قضى فيه أيامه الأخيرة على الأقل. ورفضت قوات الشرطة فتح البوابات المعدنية.

ويمكن القول إن المبنى كان قصرا؛ حيث إن الحوائط الأمنية كانت مصنوعة من خرسانة غير مطلية وطوب خام. وكانت الصبغة البيضاء الموجودة على المبنى آخذة في التقشر. وكان هناك فناء ترابي كبير، منفصل عن البنية الأساسية ومرئي من سقف أحد المنازل المجاورة، يبدو وكأنه كان مخصصا للماشية. وكان هناك خزان أزرق للمياه موجود على السطح، وكانت هناك قضبان تحيط بالنافذة.

وكانت السقيفة المعدنية الصدفية الموجودة على إحدى النوافذ في الطابق الثالث معلقة بشكل منحرف، وهو ما يشير إلى أنها ربما تكون قد دمرت في صباح اليوم السابق، عندما اقتحم فريق الهجوم الأميركي المبنى. وكانت هناك بقايا متفرقة لطائرة مروحية، دمرت بعد ما وصفه مسؤولون أميركيون بـ«العطل الميكانيكي» ملقاة في حقل بالخارج.

ولكن على الرغم من هدوء المنطقة، بدا معظم الجيران متفقين على شيء واحد؛ وهو أنه لم يكن من المتصور أن إرهابيا بحجم بن لادن كان يمكن أن يعيش وسطهم، في مبنى يعتبر جزءا من معسكر، ليس بعيدا عن الحدود مع العدو اللدود الهند، دون أن تكتشفه السلطات الباكستانية.

وقال ساردار محمد أسلم، 65 عاما، يقع بيته في حقل وارف على مقربة من منزل بن لادن: «لا يمكن أن يكون بن لادن قد عاش هنا؛ لأنه كان ستتم ملاحظته بسهولة كبيرة جدا».

وينظر إلى الجيش وأجهزة الاستخبارات في باكستان على أنها جهات مطلعة على كل صغيرة وكبيرة، وينظر إلى عملية المراقبة على أنها إجراء شائع. وكان مسؤولون باكستانيون قد أنكروا معرفتهم بمكان وجود بن لادن، وقالوا إن المعلومات الاستخباراتية التي كانوا قد قدموها خلال فترة سابقة ساعدت القوات الأميركية على تنفيذ المهمة.

وذكر مقيمون في هذه المنطقة أن الجيش لعب دورا محدودا في حياتهم اليومية. والحي الذي عاش فيه بن لادن، وهو حي «بلال تاون» كان عبارة عن مشروع تنموي مدني يقع داخل معسكر أبوت آباد العسكري، ولكنه ليس محظورا أو مسيجا. وقال الجيران إن هذا المبنى كان يخضع لمراقبة هيئة مدنية، وهو ترتيب شائع في المدن العسكرية الباكستانية.

وقال الجيران إن دوريات عسكرية متفرقة كانت تقف على الطريق الرئيسي الذي يعتبر طريق الوصول الوحيد من المشروع التنموي على المدينة وإن عمليات فحص الهوية كانت تعتبر تقليدا شائعا في هذه المنطقة. واعترفوا بأن بن لادن كان يمكن أن يكون قد تجنب الخضوع لهذه العمليات إذا لم يكن قد خرج مطلقا من المنزل. وتقوم قوات الشرطة بجولات في هذا الحي، ولكنها تدخل المنازل فقط في العادة إذا تم الإبلاغ عن وجود نشاط مشكوك فيه داخل المنزل. اعتمد بن لادن الذي لم يكن مسلحا ويحيط به عدد قليل من الرجال عندما هاجمته وحدة خاصة أميركية، على السرية لينجو من مطارديه طيلة عشر سنوات، أكثر من الإجراءات الأمنية المشددة والواضحة. ولم يستغرق الهجوم الذي نفذته وحدة أميركية خاصة على المنزل الذي كان يقيم فيه المطلوب الأول في العالم وقسم من أسرته في مدينة أبوت آباد، سوى 45 دقيقة تقريبا. فبعد اقتحام البوابة الحديدية الثقيلة لم يلق عناصر الوحدة الذين أنزلوا بمروحيات سوى مقاومة محدودة بحسب روايات تم جمعها في الحي. وصرح محمد قاسم وهو جار قريب لوكالة الصحافة الفرنسية «سمعنا إطلاق نار وصراخ نساء وأطفال» قبل أن تنسحب الوحدة من المنزل ومعها جثة زعيم تنظيم القاعدة. وقتل أربعة رجال، بن لادن ونجله ومرساله وشقيقه وامرأة على أيدي الأميركيين الذين قالوا إنهم لم يأسروا أحدا ووصفوا الموجودين في المنزل بأنهم من «غير المقاتلين». وقال شرطي باكستاني زار المنزل إن آثار دماء كانت في غرفتين.

ولم يكن بن لادن مسلحا عندما قتل، كما قال البيت الأبيض أول من أمس، و«لم تتول أي وحدة كوماندوز مهمة الدفاع عنه»، بحسب مصادر في شرطة أبوت آباد. وكانت الحياة السرية التي كان يعيشها الرجال والنساء في المنزل مع بن لادن تتناقض مع أجواء هذا الحي الميسور والليبرالي. وكان من شأن نشر فريق من الحراس الشخصيين جذب الفضوليين. وقال الصحافي الباكستاني امتياز غول الاختصاصي في شؤون «القاعدة» إن «أفضل سبيل لعدم اكتشاف أمره كان عدم نشر عناصر أمن» قرب المنزل. وقال المحلل الباكستاني حسن عسكري «للبقاء بعيدا عن الأضواء من الأفضل أن يكون جهازه الأمني بسيطا»، مشيرا إلى أنه «يمكن رصد العناصر المسلحة عبر الأقمار الصناعية». ولم يكشف هذا المنزل الأبيض العادي المؤلف من ثلاثة طوابق أمر بن لادن. إلا أن المنزل تميز بأمرين: مساحة الأرض التي بني عليها المنزل الذي يعد أكبر بثلاث مرات من معدل المنازل في الحي وأثار شكوك الاستخبارات الأميركية، وجدرانه التي يزيد ارتفاعها على أربعة أمتار مسيجة بأسلاك شائكة. وقال محمد كريم خان قائد شرطة أبوت آباد «إن المنزل يقع عند تخوم حقول وبالتالي هذه التحصينات غير مفاجئة».

وقال الشرطي قمر حياة خان إنه لم يكن داخل المنزل «أي تحصينات أو قبو أو مكان آخر يمكن لابن لادن أن يختبئ فيه». ولا نعلم منذ متى كان بن لادن يقيم في هذا المنزل المبني على قطعة أرض اشتراها أحد شركائه الباكستانيين أرشاد خان. لكن بحسب عبد الله جان أحد الجيران فإن بن لادن انتقل للعيش في المنزل في صيف 2005. ويقول الأميركيون إنهم حددوا مكان بن لادن الصيف الماضي. واختيار بن لادن لأبوت آباد المدينة المفتوحة التي يسهل الوصول إليها وتنتشر فيها ثكنات للجيش الباكستاني، فاجأ العالم في حين تردد أن زعيم تنظيم القاعدة لجأ إلى المناطق القبلية في شمال غربي باكستان معقل حركة طالبان حليفة «القاعدة». وأفاد مصدر أمني غربي بأنه «لو كان عدد كبير من الحراس يتولى أمن بن لادن لكان الأميركيون عدلوا وسائلهم للقبض عليه. ولو لم يستعينوا بوحدة كوماندوز لكانوا استخدموا صاروخا. وفي حالة بن لادن كل التدابير الأمنية في العالم غير مجدية». إلى ذلك أعلن مسؤول عن اعتقال الشرطة في باكستان أمس للشخص الذي قام ببناء المنزل الذي قتل فيه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فجر الاثنين بمدينة أبوت آباد شمال غربي البلاد. وتقوم الشرطة باستجواب جول ماداه بخصوص التحصينات غير الاعتيادية للمبنى المكون من ثلاثة طوابق والتي تضمنت أسوارا ارتفاعها ستة أمتار يعلوها أسلاك شائكة. وقال مسؤول في الشرطة، اشترط عدم الإفصاح عن هويته «نحاول تحديد ما إذا كان المجمع السكني قد بني خصيصا كمخبأ لـ(القاعدة) أم أن (القاعدة) استأجرته بشكل عشوائي». وتشير التحريات الأولية إلى أن المنزل، الذي يقع بالكاد على بعد 100 متر من أكاديمية عسكرية، مملوك لأحد سكان إقليم خيبر - باختونخوا يدعى أرشاد خان.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»