تقرير سري في الخارجية الإسرائيلية: المصالحة الفلسطينية أمر إيجابي

عشية زيارة نتنياهو لأوروبا بغية التحريض ضدها

ابو مازن يتحدث الى خالد مشعل قبل احتفال توقيع المصالحة في القاهرة امس (ا. ف. ب)
TT

في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يستعد للسفر إلى كل من لندن وباريس لإقناع قادتيهما برفض المصالحة الفلسطينية باعتبارها «تشجيعا للإرهاب وتهديدا بتدمير المسيرة السلمية»، كشف النقاب في تل أبيب، أمس، عن تقرير داخلي وسري أعد في وزارة الخارجية الإسرائيلية بأيدي الخبراء السياسيين والأمنيين، يعتبر هذه الخطوة الفلسطينية بالذات «فرصة استراتيجية إيجابية من الممكن أن تفيد إسرائيل». كما يتضمن التقرير توصيات تتعارض مع ما يطرحه نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان وغيرهما من المسؤولين.

ويقول التقرير، الذي نشرته صحيفة «هآرتس»، أمس، على صدر صفحتها الأولى: إن «الخطوة الفلسطينية ليست خطرا أمنيا، وإنما فرصة استراتيجية لخلق تغيير حقيقي في الساحة الفلسطينية، وأن هذا التغيير من الممكن أن يفيد المصالح الإسرائيلية على المدى البعيد».

وقالت الصحيفة إن ليبرمان ومدير عام وزارته رفائيل باراك ومسؤولين كبار آخرين، تسلموا نسخا من التقرير وإن من أعده هم الخبراء في شعبة التخطيط السياسي في الوزارة، وهي هيئة تتألف من دبلوماسيين مهنيين، وتقوم ببلورة توصيات للسياسة الإسرائيلية حيال قضايا مختلفة تتصل بعلاقاتها الخارجية.

وتضمنت توصيات التقرير أن تتخذ إسرائيل توجها بناء يدفع في اتجاه احتدام الصراع بين الفلسطينيين بشأن البرنامج السياسي للحكومة الفلسطينية، خاصة أن حركة حماس غير جاهزة حتى الآن لقبول نهج منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات ومصرة على عدم الاعتراف بإسرائيل.

ويعتقد معدو التقرير أن التوجه الإيجابي من طرف إسرائيل تجاه الخطوة الفلسطينية سوف يعزز العلاقات مع الولايات المتحدة، وأنه على تل أبيب أن تعمل كلاعب ضمن مجموعة وأن تنسق مع الإدارة الأميركية، الرد على حكومة الوحدة الفلسطينية، الأمر الذي يعزز دور واشنطن ويخدم المصالح الإسرائيلية.

كما يدعو تقرير وزارة الخارجية، الحكومة إلى توخي الحذر في سياستها وتصريحات قادتها في المرحلة الحالية، وأن يكون ردها على تشكيل حكومة وحدة فلسطينية مدروسا ويأخذ بالحسبان ضرورة مواجهة النيات الفلسطينية بشأن طلب الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل.

ويتضمن التقرير عدة توصيات أخرى، مثل ضرورة مواصلة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية التي تعتبر مصلحة إسرائيلية وأدت إلى تراجع حاد لـ«الإرهاب»، ويدعو أيضا إلى أن تطالب إسرائيل المجتمع الدولي بوضع معايير مفصلة بشأن الحكومة الفلسطينية الجديدة، ثم يقترح إيفاد بعثة لإجراء محادثات في القاهرة من أجل تعزيز التنسيق مع الحكومة المصرية المؤقتة، علما بأن مستشار نتنياهو، يتسحاق مولخو، سوف يتوجه الأحد المقبل إلى القاهرة، حيث يلتقي وزير الخارجية نبيل العربي ومسؤولين مصريين آخرين.

وجاء نشر هذا التقرير بمثابة ضربة لسياسة نتنياهو، التي تتسم بالتشنج والرفض القاطع. فهو منذ الإعلان عن المصالحة يدير حملة عدائية شديدة ضدها، بلغت حد معاقبة السلطة بمصادرة أموال الجمارك المستحقة لها. ورأى نتنياهو في المصالحة فرصة لإجهاض الخطة الفلسطينية وتحصيل اعتراف دولي شامل، بما فيه دول أوروبا، للاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود 1967، بدعوى أن حماس تنظيم إرهابي يرفض قبول شروط الرباعية الدولية (الاعتراف بإسرائيل وقبول اتفاقيات منظمة التحرير مع إسرائيل ونبذ العنف).

وتوجه أمس إلى أوروبا ليلتقي قادة بريطانيا وفرنسا، ضمن هذه الحملة الإسرائيلية، مستغلا المصالحة في سبيل إلغاء الاعتراف الأوروبي بفلسطين. وبنى خطته على الادعاء بأن اتفاق المصالحة هو «انعطاف فلسطيني نحو التطرف والإرهاب، يفتح الطريق أمام سيطرة حماس على الضفة لجعلها (قطاع غزة آخر)، تنطلق منه الصواريخ باتجاه تل أبيب ومحيطها ويسود فيها نظام قمع وكبت».

ويقوم نائب وزير الخارجية، داني إيلون، بجولة شبيهة في دول البلطيق ليقنعها بـ«عدم الانجرار وراء الموقف الأوروبي»، في حال أصرت فرنسا وبريطانيا وغيرهما على الاعتراف بفلسطين وعدم التعامل مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية.

جدير بالذكر أن أوساطا إسرائيلية أشارت، أمس، إلى قلق آخر من الولايات المتحدة في مجال مسيرة السلام. فقد كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «القيادة السياسية الإسرائيلية تتخوف الآن من أن يصعد الرئيس الأميركي باراك أوباما الضغوط على إسرائيل للموافقة على إقامة دولة فلسطينية، بعدما تعززت شعبيته ومكانته في أعقاب مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن». ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين تقديرهم أنه «بعدما هاجم في ليبيا وقضى على بن لادن، سيسعى أوباما إلى إثبات أنه ليس معاديا للإسلام، ولذلك سيمارس ضغوطا على إسرائيل لتقديم تنازلات». وأضاف المسؤول أنه «ليس مستبعدا أن يقرر أوباما استعراض خطته السياسية أمام العالم قبل الخطاب المتوقع أن يلقيه بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس في 23 مايو (أيار)». ولفتت الصحيفة إلى أنه حتى اليوم لم يتم تعيين لقاء بين أوباما ونتنياهو لدى زيارة الأخير لواشنطن في نهاية مايو الحالي.

وأشار المحلل السياسي في صحيفة «معاريف» بن كسبيت، إلى أنه «لا شك في أن رئيس الوزراء سعيد بسقوط بن لادن، لكنه بعد أن فكر لحظة أدرك أنه يواجه مشكلات، وربما حتى مشكلات عويصة، وعندما يصل إلى واشنطن في نهاية الشهر سيجد رئيسا مختلفا تماما عمن خطط أن يواجه».

وأضاف كسبيت أنه «بدلا من أن يجد بطة عرجاء سيجد هناك أمامه أوزة سوداء، فقتل بن لادن يرمم ثقة أوباما بنفسه ويضيق صبره تجاه روضة الأطفال هنا في الشرق الأوسط، وسيحتاج إلى (تقديم) بادرة نية حسنة عاجلة للعالم الإسلامي الذي حاول مصالحته في بداية ولايته، وينفذون بوادر نية حسنة كهذه في العادة على جثة إسرائيل».

ورأى كسبيت أن أوباما قد يحسم الآن مسألة طرح خطته لسلام إسرائيلي – فلسطيني قريبا «وهذه الخطة لن تسعد نتنياهو، فضلا عن الاحتمال بأن نتنياهو سيلتقي أوباما في ولاية ثانية. هذا يثير قشعريرة حقا».

كذلك رأى المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس» عكيفا إلدار، أن قتل بن لادن «حول باراك أوباما بين ليلة وضحاها من مهزوم إلى بطل أميركي... وهذه أنباء سيئة بالنسبة لنتنياهو». وأشار إلى أن «نتنياهو بنى زيارته القريبة إلى الولايات المتحدة بعد ثلاثة أسابيع على كونغرس قوي مقابل رئيس يفقد قامته باستمرار في أوساط الرأي العام والإعلام وحتى في الحزب الديمقراطي». وأضاف أنه في ظل المشكلات الكبيرة التي يواجهها أوباما، بدءا من الأزمة الاقتصادية وحتى الأوضاع المعقدة والشائكة في الشرق الأوسط فإنه «سيضطر إلى اتخاذ قرار قبيل لقائه نتنياهو بشأن ما إذا كان سيركب على موجة شعبيته المتصاعدة مؤقتا وجر نتنياهو إلى مفاوضات جدية مع الفلسطينيين وتجميد البناء في المستوطنات، أم الاكتفاء بإنجاز تصفية إرهابي مسن والتفرغ لمهرجانات انتخابية في الكنس ووجبات مسائية مع الأصدقاء اليهود لنتنياهو».