الرئيس الفرنسي يريد «أقصى العقوبات» الممكنة ضد سوريا.. لكن يستبعد التدخل العسكري فيها

باريس تدعو رعاياها إلى مغادرة الأراضي السورية بشكل مؤقت

TT

أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن بلاده ستسعى إلى فرض أقصى عقوبات ممكنة على سوريا، من غير أن يدخل في مضمون العقوبات أو الجهات والشخصيات التي ستصيبها. غير أن وزير خارجيته آلان جوبيه كرر أمس ما قاله قبل يوم واحد من أن باريس ترغب في أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد على اللائحة الأوروبية للعقوبات التي ستطال عددا من المسؤولين السوريين الذين يعتبرهم الاتحاد الأوروبي مسؤولين عن قمع المتظاهرين. ويبدو أن هذه العقوبات هي في الوقت الحاضر أقصى ما تفكر فيه الدبلوماسية الفرنسية إزاء دمشق، إذ إن الرئيس ساركوزي استبعد التدخل العسكري على غرار ما هو حاصل في ليبيا، معتبرا أن اللجوء إلى القوة العسكرية «يبقى الاستثناء وليس القاعدة». وفي هذا الوقت، حثت باريس رعاياها على مغادرة الأراضي السورية على الرغم من أن الرعايا الأجانب لم يتم التعرض لهم. وعلى الرغم من أن التدبير الفرنسي يمكن وصفه بـ«الاحترازي»، فإنه يؤشر إلى تخوف باريس من تدهور الوضع في سوريا.

وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي في مقابلة مع مجلة الـ«أكسبريس»، خصصت للقضايا الدولية الساخنة من «القاعدة» إلى ليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البؤر الساخنة. وفي الموضوع السوري، يتبدى التشدد الفرنسي بوضوح. ووجه المفارقة فيه أن ساركوزي كان، منذ وصوله إلى قصر الإليزيه، سباقا في الانفتاح على الرئيس السوري، كما ساعده في العودة إلى المسرح الدبلوماسي الدولي وخاصة الأوروبي.

وفي حديثه الصحافي، أعلن ساركوزي أنه «غير نادم» على ما قام به وأن سياسة «اليد الممدودة» التي عمل بها «بكل شفافية» مع الأسد «أثمرت» في لبنان، مشيرا إلى وقف الاغتيالات وقيام الانتخابات الرئاسية والنيابية والتبادل الدبلوماسي بين بيروت ودمشق. وأضاف ساركوزي: «منذ اللحظة التي بدأ بها الأسد بقع شعبه في حمام دماء، فإن اليد الممدودة انغلقت».

واعتبر الرئيس الفرنسي أن تصرف النظام السوري مع المتظاهرين «لا يمكن قبوله»، متبنيا مقولة جوبيه الذي أكد أكثر من مرة أن نظاما يلجأ إلى القمع لا بد أن يسقط، ومشددا على أن فرنسا «لا يمكن أن تقبل أن يرسل نظام جيشه لقمع متظاهرين مسالمين». لكن ساركوزي حرص على رسم «حدود» ما يمكن لفرنسا أن تقوم به، مستبعدا اللجوء إلى القوة «كما في ليبيا»، إذ «ليس من الضروري أن نتصرف بالطريقة نفسها إزاء حقائق سياسية مختلفة». ولذا، فإن فرنسا «ستعمل على تبني أقصى العقوبات، وسيكون ذلك فعالا». ودافع ساركوزي عن التدخل العسكري في ليبيا، واصفا إياه بأنه كان «الوسيلة الوحيدة» لمواجهة نظام سيرتكب مجزرة بحق شعبه، في إشارة إلى تهديدات القذافي ضد بنغازي.

وتندرج تصريحات ساركوزي في إطار الضغوط المتزايدة على القيادة السورية، في الوقت الذي ينتظر أن يقر الاتحاد الأوروبي في الساعات القادمة سلة عقوبات فردية وعامة، حيث تطبق الفردية على مجموعة من القيادات الأمنية والسياسية، تريد باريس أن يكون من ضمنها الرئيس السوري شخصيا، وهو ما لم تفعله الولايات المتحدة الأميركية، التي فرضت من جانبها سلة من العقوبات بداية هذا الأسبوع. وتحظى باريس بدعم لندن وبرلين، لكن دولا مثل اليونان وقبرص والبرتغال، فضلا عن أستونيا «بسبب مخطوفيها السبعة في لبنان»، تعارض «حتى الآن» هذا الإجراء. لكن المصادر الفرنسية تبدو «واثقة» من فرض العقوبات قريبا جدا. وكرر جوبيه، في حديث صحافي أمس، أن باريس تريد أن يكون الرئيس السوري على لائحة الأشخاص الذين تشملهم العقوبات، كما كرر أن نظاما ينتهج القمع ضد مواطنيه لا بد أن يسقط. وحمل جوبيه الرئيس السوري شخصيا مسؤولية ما يحدث في سوريا على الرغم من وجود «نظام» يدور حوله، داعيا إياه إلى «وقف فوري للقمع والتخلي عن العنف، وإلا فإن ما هو حاصل سيفضي لا محالة إلى إزاحته»، إذ إنه «لا مستقبل لمن يأمر بإطلاق نيران المدافع على شعبه».

ومساء أول من أمس، أعرب رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني معارضة بلاده لفرض عقوبات على سوريا وللتدخل العسكري فيها، داعيا إلى «حل سوري» للأزمة في البلاد. وكان الشيخ حمد يتحدث في باحة قصر الإليزيه بعد اجتماع مع الرئيس الفرنسي، كان الوضعان الليبي والسوري على رأس لائحة المواضيع التي بحثاها خلاله. وقال المسؤول القطري إن بلاده «تأمل أن يتوصل المسؤولون السوريون وتحديدا الرئيس السوري، إلى حل سوري خالص للمشاكل الراهنة في هذا البلد.. ونأمل أن يجيء الحل سريعا، وأن يستجيب لتطلعات الشعب السوري»، مؤكدا أنه «لم يفقد الأمل» من ذلك. وأعلن الشيخ حمد أن الدوحة «لا توافق» على تدخل عسكري ضد سوريا. غير أنه في جملة غامضة، ترك الأبواب مفتوحة أمام إجراء كهذا، إذ رأى أنه «إذا استمر الوضع الراهن على ما هو عليه، فإن تدخلا خارجيا قد يتم طرحه».

وفي سياق متصل، دعت الخارجية الفرنسية رعاياها الذين لا يعد بقاؤهم ضروريا في سوريا إلى مغادرتها «مؤقتا» بوسائل النقل التجارية العادية. وجاء على موقع الإنترنت لوزارة الخارجية تحت باب «نصائح إلى المسافرين»، أن «السلطات الفرنسية تجدد نصيحتها بتأجيل كل مشاريع السفر إلى سوريا وتنصح الفرنسيين الذين ليس حضورهم ضروريا في سوريا بمغادرتها مؤقتا بوسائل النقل التجارية». وغرض الجملة الأخيرة هو الإشارة إلى أن هذه الدعوة ليست عملية ترحيل.

وكانت شركات السفر السياحية قد قررت تجميد كافة رحلاتها باتجاه سوريا حتى منتصف الشهر الحالي.